بإطلاقها أول مصنع للوسائط الحيوية الطبية
سارة الجشي.. كيف تجاوزت ”المأساة“ إلى تحقيق الأحلام
وصفها البعض ب ”الجنون“، في حين دعاها بعض آخر بوصفها امرأة، لأن تتفرغ لأولادها، وعلى أكثر التقديرات يمكنها ان تمارس بعض المهن، التي باتت بقدرة قادر مقتصرة على النساء، مثل ”التعليم“، وإذا زاد الأمر فإن مجالات عدة يمكن لها أن تقوم بها مثل التفرغ لهواية الفن التشكيلي.
وإذا لم يكن هذا ولا ذاك فلا مانع من أن تكون ”طبيبة“، فهي مهنة لائقة بالعنصر النسوي، ويمكن أن تجد ذاتها في هذا الشأن.
تلك هي الظروف الموضوعية التي أحاطت برائدة الأعمال السعودية، المولودة في محافظة القطيف ”سارة الجشي“، التي استطاعت بقدرة الله، ثم بفضل إرادتها وطموحها لأن تحيل حالة مأساوية مرّت بها وأن تقدم خدمة للوطن، يتمثل في مشروع صناعي ذي عائد، أعلى من العائد المادي الذي بات مرادفًا لأي مشروع ذي صفة ربحية.
جاء ذلك بعد وفاة زوجها ”وليد“ الذي كان شريكا لها في النجاح، فحسب موقع شركة أرامكو السعودية الذي نقل جزءا من قصة هذه الرائدة، ذكر بأنه في العام 2011 وأثناء عملها كطبيبة، متخصصة في مجال الأحياء الدقيقة في مستشفى الملك فهد التخصصي بالدمام، كانت لديها فكرة تقديم منتج ضخم يخدم وسائل الاختبار الطبية الحيوية، فتقدمت بطلب قرض لتشغيل مشروعها، وقدّمت كافة المتطلبات لمركز أرامكو لريادة الأعمال ”واعد“ الذي أنشأته الشركة؛ لدعم مثل هذه المشاريع، ولخدمة الاقتصاد الوطني، ودعم خيار التوطين في العديد من الأنشطة".
كل الأمور تسير وفق المطلوب، لكن ما جرى لم يكن في الحسبان، إذ تعرّض الزوج إلى حادث مروري أليم انتقل بعده إلى الرفيق الأعلى، وكان الحدث أمام مرأى ومسمع ”سارة“ نفسها وهو في طريقه لاصطحابها من العمل، ما جعلها تؤجل مسألة المشروع، والتركيز لبعض الوقت على بناتها ”فاطمة، ومريم، ودانة“، وكن في سن يقتضي وجود الوالدة خاصة بعد غياب ورحيل الزوج، علما بأن الأخيرة ”دانة“ كان لم يتجاوز عمرها حينذاك الشهرين.
لم تقبل سارة الرضوخ إلى هذه الظروف الصعبة، فبعد الصدمة عادت لمشروعها، انطلاقا من مبدأ ”الحياة لا بد أن تسير“، وما بدأته مع زوجها لا بد وأن تكمله بإرادتها، فهي الآن وحيدة في هذا المشوار، فبدأت في خطوات إنشاء مصنع الوسائط الحيوية الطبية ”سيدرا“، وذلك في المدينة الصناعية الثانية بالدمام، بعد أن حصلت على قرض مالي من مركز ”واعد“، وحصلت على قطعة الأرض التي توفرها الحكومة الرشيدة ممثلة بوزارة الصناعة، وحظيت بتشجيع مباشر من قبل كافة المعنيين بالشأن الصناعي والصحي مثل وزير الصحة د. توفيق الربيعة، ووزير الصناعة والثروة المعدنية بندر الخريف، ووزير التجارة ماجد القصبي، ومحافظ الهيئة السعودية للمنشآت الصغيرة والمتوسطة ”منشآت“ صالح الرشيد، والمدير العام في الهيئة السعودية للمدن الصناعية ومناطق التقنية ”مدن“ خالد السالم، فضلا عن الدعم الذي حصلت عليه من البنك السعودي للتنمية الاجتماعية في ديسمبر الماضي، بعد ما يقرب من تسع سنوات من تطوير فكرة ”سيدرا“.
سارة الجشي تتحدث عن فكرة المشروع، بقولها إن شركة ”سيدرا“ للوسائط الحيوية الطبية ستكون أحدث منشأة إنتاج للاختبارات الطبية الحيوية في المملكة، ممتلئة آليًا مع منطقة منتجات نظيفة للتحكم في مخاطر التلوث، موضحةً أن الوسائط الحيوية الطبية يستخدمها الأطباء لتشخيص العدوى الميكروبية.
وتحدثت عن المصاعب التي واجهتها في هذا الطريق بأن الكثير من الناس يعتقدون بأن المرأة حتى لو اقتنعنا بدورها في الحياة الاقتصادية فليس لها مجال سوى التجارة والأعمال الفنية وخدمات التجميل والديكور، وليس لها مكان في مجال الصناعة، وهذا خطأ فادح، أثبتت الأيام عدم صوابية.
وتابعت: لم يقف الأمر عند هذا الحد بل أوردت الجشي بأن البعض قال عنها إنها قد أصيبت ب ”الجنون“، لكنّها رفضت كل هذه المقولات فسعت لإطلاق المصنع الذي تتوقع أن يدخل مرحلته الإنتاجية يوليو المقبل في مبنى تصل مساحته إلى 1850 مترًا مربعًا، لتؤكد بأن غالبية العاملين هم من النساء، وفق مواصفات عالية من الجودة المعتمدة من قبل الجهات المعنية في المملكة، فالمصنع بذلك يقدم قيمة مضافة للاقتصاد الوطني، بتوفيره سلعة تدعم الخدمات الصحية المتنامية، ويوفر فرص عمل لبنات الوطن المؤهلات.
وأكدت أنها سارت في هذا المشروع ك ”حلم“ في البداية، كونها على معرفة تامة بمدخلات ومخرجات الأعمال الطبية الحيوية ”بحكم التخصص“، وحصلت على استشارت خبراء في أوروبا والمملكة المتحدة.
واختتمت: ”بالإرادة نحقق الأحلام، والوطن يبقى أمانة في رقابنا، ويتطلع لعقولنا وإبداعتنا في كل شيء“.