آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 2:34 ص

450 - 350 - 250

يقول المثلُ الشعبيّ ”الكلام ببلاش“. فعندما بدأت كتابةَ الخواطر كان عدد الكلمات أكثر من 400 كلمة مزخرفة ومنمَّقة، لكن كلَّما صادفني بعضُ المحبِّين نصحني أن الأربعمائة كلمة كثيرة جدَّا فيملّ القارئ. قلت: لا بأس، فاختصرتها إلى حوالي 350 كلمة، ومع هذا التَّقليل من الشّحم واللّحم اشتكى بعضُ القرّاء، فقلت أختصرها إلى 250 كلمة - وإن بانَ الهزالُ فيها - خوفًا على ذوقِ القارئ ووقته الثَّمين الذي لم يعد يتّسع للخَواطر والمقالات الطَّويلة ”نسبيًّا“.

هذه النَّصائح تذكرني بطرفةٍ قديمة حين نصح شخصٌ صديقًا له كان يكري جملًا بخمسينَ درهمًا، يصرف منها خمسة وعشرين درهمًا على قوتِ الجمل والباقي له ولعياله بأن يصرف - فقط - عشرين درهمًا على الجمل ويأخذ له ولعياله ثلاثين درهما. زاره بعد مدّة وسأله عن الجمل فقال الجمّال: نحف الجملُ قليلًا لكنه لم يعجز عن العمل وأنا كسبتُ أكثر، فنصحه أن يقلّل نصيبَ الجملِ إلى عشرينَ درهمًا ويأخذ ثلاثين درهمًا، وفعلًا أخذ بنصيحةِ صاحبه. وهكذا كلَّما زاره نصحه بتقليل نصيبِ الجمل وفي آخرِ مرَّة سأله عنه كانَ الجمل قد مات!

وها أنا ذا اليوم أنصح من يكتب أن يوفِّر من الكلامِ دون أن يموتَ الجمل، لأن الكلام هو أرخص شيء الآن ولا أحد يشتريه، فلماذا لا نوفره لعلّ سعره يزداد؟ في الحقيقة، خيرُ الكلام ما قلّ ودلّ، لكن ليس كلّ ما قلّ دلّ على الفكرة. وكلّ مكتوبٍ يحتاج شحمًا ولحمًا من الكلامِ الجميل! وسواء كثر الكلامُ أم قلّ فأفضله ما كانَ فيه ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا. قولوا للنّاسِ كلّهم حسنا بالقلمِ وباللسانِ وبالجوارح ”كونوا لنا زينا ولا تكونوا علينا شينا، قولوا للنّاس حسنا، واحفظوا ألسنتكم، وكفّوها عن الفضولِ وقبيحِ القول“.

مستشار أعلى هندسة بترول