آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 2:34 ص

القيم.. العادات

محمد أحمد التاروتي *

يحتدم الصراع الداخلي بشأن تقديم القيم الأخلاقية على العادات الاجتماعية، نظرا للتداخل الكبير بين المفاهيم السائدة، بخصوص ماهية القيم الأخلاقية، ومدى انسجامها مع العادات الاجتماعية، مما يسهم في خلط الكثير من المفاهيم، ويعزز بعض الاعتقادات بخصوص التزاوج التام بين الاثنين، خصوصا وان هناك تطابقا شبه تام بين بعض القيم الأخلاقية والعادات الاجتماعية، الامر الذي يسهم في توسيع قاعدة المفاهيم لدى بعض الشرائح، مما يرجح كفة العادات الاجتماعية على القيم الأخلاقية، جراء الضبابية في تصويب المفاهيم الصحيحة، وعدم القدرة على التفريق بين الاثنين في الغالب.

القيم الأخلاقية تنسجم تماما مع الفطرة الإنسانية، بالإضافة لتوافقها مع المفاهيم العقلية، فالكثير من القيم الأخلاقية تجد استجابة طويلة لدى مختلف الطبقات البشرية، وكذلك تلقى دعما معنويا وزخما قويا من لدن العقلاء، نظرا للتوافق التام بين الأسس الأخلاقية السليمة والموازين العقلية، الامر الذي يفسر وقوف العقل مع مختلف القيم الأخلاقية، والعمل على تكريس تلك المفاهيم في الممارسات الخارجية، سواء على الصعيد الفردي او الاجتماعي، وبالتالي فان محاولة الفصل بين القيم الأخلاقية والعقل يهدف لمحاولة خلط الأوراق، والعمل على تغليب طرف على اخر، مما يفضي لحالة من الصراع التخريبي، فيما يتعلق بالاعتقادات الراسخة في الوجدان الإنساني.

العادات الاجتماعية بدورها تشكل منظومة ثقافية، وأحيانا مكتسبات أخلاقية، سواء على الصعيد الفردي او الجمعي، فهناك الكثير من العادات الاجتماعية تجد لها مصاديق من المنظور الأخلاقي، الامر الذي يعزز من حضورها في الممارسات اليومية، خصوصا وان بعض العادات الاجتماعية جاءت كانعكاس عملي، لحالة التزاوج الشرعي بين القيم الأخلاقية والمفاهيم الاجتماعية، مما اسهم في ولادة بعض العادات السائدة منذ فترة طويلة، وبالتالي فان محاولة انتزاع تلك العادات من البيئة الاجتماعية، تهدف لخلق حالة من الانفصام التام، والتخلي عن بعض القيم الأخلاقية السائدة، الامر الذي يمهد الطريق لاحلال بعض المفاهيم المغلوطة في الثقافة الاجتماعية، والعمل على إيجاد فواصل معنوية، بين الموروث الاجتماعي والقيم الأخلاقية الحاكمة، في الممارسات الخارجية على الصعيد الجمعي.

الصراع القائم بين العادات الاجتماعية والقيم الأخلاقية، مرتبط بمجموعة عوامل بعضها ناجم عن التأثيرات الخارجية، وحالة الانبهار لدى بعض الفئات الاجتماعية، مما يدفعها لمحاولة إزالة تلك المفاهيم من الضمير الاجتماعي، انطلاقا من قناعات ضرورة إيجاد بدائل اكثر قدرة على مواكبة الواقع، واجدى في التعاطي مع المستجدات على الأرض، وبالتالي فان التمسك بالعادات الاجتماعية - بنظره هذه الفئة - يكشف حالة من الانهزامية، وعدم القدرة على الارتقاء بمستوى التطور الإنساني في جميع المجالات، الامر الذي يستدعي التخلي التام عن تلك العادات الاجتماعية الموروثة منذ عقود، والبحث عن حلول أخرى ذات طابع ”تطوري“.

بالإضافة لذلك فان الصراع القائم بين العادات الاجتماعية والقيم الأخلاقية، نابع من الفشل في القراءة الدقيقة لمفهوم العادات الاجتماعية، وقدرتها على رسم خطوط واضحة في المسيرة الجمعية، خصوصا وان العادات الاجتماعية تلعب دورا في ضبط إيقاع الممارسات الخارجية، نظرا لقدرة ”البيئة الاجتماعية“ على وضع الضوابط في تحديد التصرفات، والعمل على ردع العديد من الممارسات الخارجة عن السياق الأخلاقي، الامر الذي يحمي الثقافة الاجتماعية من الفيروسات الضارة القادمة من المحيط الخارجي، بمعنى اخر، فان القدرة على توصيف الانسجام بين العادات الاجتماعية والقيم الأخلاقية، يسهل من عملية التفهم الحاصل في تكريس هذه العادات على الصعيد الاجتماعي، لاسيما وان العادات الاجتماعية تنطلق أحيانا من القيم الأخلاقية، من اجل الحصول على الشرعية من المنظومة الأخلاقية، فيما يتعلق بالكثير من القرارات الصارمة الهادفة لتحديد المسارات لمختلف الممارسات اليومية، بالنسبة للعلاقات الفردية او الجمعية.

تأطير صراع العادات الاجتماعية والقيم الأخلاقية بطريقة احترافية، يسهم في تكريس العلاقة المفصلية بين الطرفين، بحيث تقود لحالة من السلم، وعدم التحرك باتجاه التصادم، نظرا لانعدام الأسباب المؤدية لاشعال الحروب بين الاثنين، فكل طرف يحاول رسم خطوط واضحة لتعزيز الثقافة الاجتماعية، الداعمة للاستقرار على الصعيد الفردي والاجتماعي، من خلال تكريس مفاهيم ذات مغزى إيجابي، في مختلف العلاقات اليومية.

كاتب صحفي