آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 10:36 م

الخميس الونيس

عصام المرهون

يقول تشارلز بوكوفسكي ”أحبّ السّبت! منذ طفولتي أحبّ هذا اليَوم لأنّ غداً الأحَد إجازةٌ، والغريبْ أنّ الأحدَ لا يكونُ ممتعا لأنّك تقلق بخصُوص غدا الإثنين“

ونحن يا صديقي نقول نحب هذا اليوم «الخميس الونيس» لأن غداً هو يوم الجمعة والسبت ونستشعر كما قلت ثُقل يوم السبت لأننا قلقون ليوم الأحد.

طوال نشأتنا بالعقود الماضية لم يكن أحد يُعنى بموضوع تعليمنا كيف نعيش يومنا ونستمتع باللحظة.. بل على العكس من ذلك تربينا دائماً على تصعيد القلق ورفع حِدة التوتر للمستقبل وضرورة التخطيط والترتيب والإعداد المسبق للأمور.

بعد أن مَنَ الله علينا بعودة الحياة لطبيعتها وعودة أبنائنا غداً للمقاعد الدراسية، سنعود من جديد إلى ما كُنا نُمارس في يوم السبت - التأكد من إنهاء الفروض والواجبات المدرسية، اللحاق بطابور المكتبة لإنهاء الوسيلة التعليمية المكلفين بها، والدخول في معترك زحمة المواقف والسوق لشراء ما ينقصنا من «البُكل والشباصات»، والإسراع لأستلام طلبية الحلوى والتوزيعات الخاصة بمناسبة الغد، ولا ننسى العودة لمحل الزي الموحد للتأكد إذا توفرت مقاسات اللباس المدرسي، والمرور لشراء نواقص الفطور، والتأكد من أن الجوارب مغسولة ونظيفة والحقيبة معدة حسب الجدول.. وينتهي اليوم على صُراخ «هيا ناموا.. لقد تأخر الوقت» ونحن نلتقط أنفاسنا ونلهث مما صارعناه في سباق مع زمن هذا اليوم.

وصلنا اليوم لدرجة من التقدم التكنولوجي والسرعة لم يصل لها بشرٌ بكل الأزمنة الماضية ولا يزال الوقت لا يكفي! لا يكفي لنتعلم شيء جديد ونطور من أنفسنا، لا يكفي لأن نقرأ كتاباً، لا يكفي للتمهل والخشوع في صلاتنا، لا يكفي لأن أتفقد أحول عمتي المريضة بمكالمة هاتفية، لا يكفي لأن أعتني بالنبته على شرفة باب الدار، أو أنظف النافذة المكسوة بغبار عجاج العام الماضي، ولا يكفي لقضاء بعض الوقت في اللعب مع طفلي الصغير، ولا لأن التفت لصبغة الشعر الجديدة لزوجتي وأمرر لها كلمتين من المجاملة اللطيفة، ولا يكفي حتى لعناق إبنتي واحتوائها والإغداق عليها بشيء من مشاعر العطف والحنان.

ربما أكون مخطئاً.. ولكننا نحتاج لتعديل مناهج التربية «في البيت والمدرسة» وتوجيهها لتعلمنا التجاهل والتأقلم والرضا والقناعة والكف عن السعي للوصول للكمال والمثالية بكل أمور حياتنا، الطموح للكمال والمثالية التي أصبحت تنخر إحساس ضمائرنا وتشعرنا بألم وحرقة التقصير في كل شيء.. أصبح إحساس التقصير يؤنبنا مع جميع الأطراف ذات الصلة.. مُقصرين مع خالقنا.. مع آبائنا وأمهاتنا.. مع أبنائنا وأزواجنا.. مع اخواننا واقاربنا.. مع جيراننا.. مع أرباب اعمالنا.. مع الطبيعة.. مع المجتمع.. وبالطبع مع أنفسنا.