آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:57 ص

قراءة في المجموعة القصصية أقنعة من لحم، للقاص السعودي حسين السنونة

جهات الإخبارية بقلم: حنان الحلبوني

”أين ذهب وجهي؟“ من خلال هذا السؤال الغريب، يمسك الكاتب حسين السنونة بالقارئ من تلابيبه، ثم يطرحه أرضاً، ويمنعه من النهوض إلى أن يتم قراءة مجموعته القصصية ”أقنعة من لحم“ حتى نهايتها، وإذا كان الابتعاد عن القراءة في أيامنا هذه، يعود لأسبابٍ كثيرةٍ، منها ندرة الأعمال التي تستحق القراءة، إلا أننا بين الحين والآخر، نصادف أعمالاً تخرق الجمود الذي وصلنا إليه في منطقتنا الموبوءة ”على الرغم من غزارة الإنتاج الأدبي“، ومن بين هذه الأعمال المجموعة القصصية أقنعة من لحم، إذ إنه ورغم اكتساح الرواية والشعر للساحة الأدبية على حساب القصة القصيرة التي بدأت تفقد مكانتها شيئاً فشيئاً، رغم ذلك استطاع الكاتب إعادتها إلى مكانة مناسبة، فلم يرتكب آلاف الكلمات، كما يفعل الكثيرون في ما يسمونه قصةً قصيرة، بينما هي مجرد محاولات سردية بائسة ومملة، بل قدّم أفكاراً واضحة، بأسلوبٍ سلس جذاب، وتكثيف لغوي وفكري، مبتعداً عن التفصيل والحشو، أعمل خياله فحلّقنا معه في فضاء المجاز، تارةً نبكي وتارةً أخرى نضحك. تكلم عن معاناتنا بسخرية، تطرّق إلى مواضيع اجتماعية واقتصادية وحتى سياسية، لكنه لم يشعرني للحظةٍ ما أنني أمام طروحاتٍ جافة، بل قدّم تقنياته الخاصة التي أخرجت نبعاً سائغاً حلواً من قلب الصخر. يفاجئنا الكاتب في قصته الأولى ”أقنعة من لحم“ بغرائبية طرحه ورمزيته؛ حيث يتحول وجه بطل القصة إلى وجه كلب، فتفتح عينيك إلى أقصاهما إلى أن تنهي قراءة القصة. وفي قصته ”أشتاق للعناق فأستيقظ“ نقرأ: "ماذا لو كنت سفيراً في دولةٍ أوروبية باردة ثلجية، وكانت هي معي. الله الله الله حتى ينقطع النفس، ستكون مرتاحة في بيت فخم، سفريات، خدم وحشم، وتعلم لغة جديدة، والأولاد يدرسون في مدارس راقية، وتفتخر أمام من تعرفهم وأمام حتى الأمم المتحدة أنها زوجة السفير، لربما في هذه اللحظة نكون في طائرة من بلد إلى آخر.

لا لا... هي أجل من أن تكون زوجة سفير، وأكبر من ذلك... "

اشتغل الكاتب في المقطع القصير السابق على رشاقة الفكرة والأسلوب، وقدّم سرداً ممتعاً، لم يخلُ من الشاعرية والسخرية. لقد جرّد الواقع أمامه، وبدأ يلتقط العيوب والمشاكل التي تعاني منها مجتمعاتنا بحرَفية، وكان الأمل حاضراً في معظم قصص المجموعة، لكنه كان غائباً في بعضها؛ ففي قصة ”صرخة طينية“ يحفر بطل القصة حفرةً في الصحراء، ويدخل رأسه فيها، ثم يبدأ بالصراخ، فيخرج كل ما كتمه في داخله من ألمٍ وقهر، ويعبر عن الكبت الذي نعاني منه جميعاً، إلا أنه في النهاية يصطدم باستملاك أحد المسؤولين لتلك الأرض الصغيرة التي أصبحت المتنفس الوحيد له.

يقول إدغار آلان بو: يجب أن تبدأ جميع الأعمال الفنية في النهاية. وهكذا كانت الخاتمة في معظم قصص المجموعة؛ النهاية المفتوحة أو المفاجئة التي تبعث على الدهشة، وتعبث برأس القارئ حتى بعد أن ينتهي من القراءة، وقد ترسم على شفتيه ابتسامةً صغيرة، بالرغم من قسوتها!

وهكذا يحمل الكاتب على عاتقه الهموم والقضايا الإنسانية التي أرهقتنا، بأسلوب شفاف، سلس، منتقياً مفرداته بعناية؛ بعيداً عن التعقيد والاستعراض اللفظي، يأتينا تارةً بأسلوبٍ ساخر، وتارةً أخرى بشاعريةٍ وجدانية، بعيداً عن الوعظ أو المباشرة في الطرح، على الرغم من جدية المواضيع المطروحة وقسوتها في بعض الأحيان.

كاتبة من سورية