آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 1:33 ص

العلّامة الدكتور محمود المظفّر.. روحية البحث المقارَن والمعالجة الهادئة

حسين منصور الشيخ *

يمتلك الإنسان مواهب وقدرات، غالبًا ما تظهر ضمن بيئات محفّزة تساعد على إبرازها وتنميتها مع الوقت. وبخاصّة عندما تكون هذه البيئة هي الأسرة والمحيط القريب. وهذا ما نجده مع مجموعة من الأعلام المعاصرين، ويأتي من بينهم العلّامة الشيخ الدكتور محمود المظفّر، رحمه الله تعالى، الذي تلقت المنطقة بصورة خاصّة، والعالم الإسلامي بصورة عامة نبأ رحيله هذا الخميس 25 من المحرم 1443ﻫ الموافق 2 من سبتمبر 2021م. حيث نشأ بين أحضان أسرة علمية، يترأسها والده المرجع الديني الشيخ محمد حسن المظفر «1301 - 1375ﻫ» وأخواه: الشيخ محمد حسين المظفر «1312 - 1381ﻫ» والشيخ محمد رضا المظفّر «1322 - 1383ﻫ». حيث كان لكلٍّ منهم مساهماته العلمية والثقافية أيام النهضة العلمية النجفية في أواسط القرن الرابع عشر الهجري [1] .

فقد كان لوالده المرجع الديني الشيخ محمد حسن المظفر دور في واسع في الحركة العلمية النجفية، حيث ألف كتابه «دلائل الصدق» في علم الكلام، يردّ فيه على ابن روزبهان في نقضه على كتاب العلامة الحلي «نهج الحق وكشف الصدق»، وقد صدر مؤخّرًا عن مؤسسة آل البيت في مجلدات ثمانية، كما ألف كتابه الرجالي «الإفصاح عن أحوال رواة الصحاح»، تناول فيه قسمًا من رواة الحديث في كتب الصحاح الستة عند إخواننا أهل السنة بالجرح والتعديل، وقد صدر مؤخّرًا في مجلّدات أربعة عن مؤسسة آل البيت أيضًا، ومعهما كتابه الفقهي الاستدلالي «الدرر الفرائد في شرح القواعد»، صدر مؤخّرًا عن مجمع الإمام الحسين العلمي لتحقيق تراث أهل البيت في 15 مجلّدًا. وقد كنتُ أسمع من العلّامة الراحل الشيخ الفضلي «ره» إطراءً دائمًا على فقاهته، وأنه يتميّز بأنه فقيه ذوقي [في مقابل الفقيه الصناعي، الذي تغلب على استنباطاته الصناعة الفقهية]، يتفيد في ذلك من عربيّته الأصيلة في معالجة النصوص الشرعية.

ولا يقلّ العلامة الشيخ محمد حسين شأنًا فيما ترك من تراث علمي، فقد عرف بكتابه القيّم «الإمام الصادق »، وبمجموعة من الكتب العقائدية، منها: «الشيعة والإمامة»، و«علم الإمام»، و«الثقلان الكتاب والعترة»، و«الإسلام نشوؤه وارتقاؤه»، وغيرها من الكتب.

أما أصغرهما الشيخ محمد رضا المظفر، فقد كان رائدًا من أبرز روّاد النهضة النجفية في العصر الحديث، حيث كان «مؤسس جمعية منتدى النشر، ومؤسس كلية الفقه في النجف الأشرف. لقد كان «ره» مليئًا بالنشاط والحركة، وكان من أبرز همومه التجديد. كان يعمل ليلًا ونهارًا على تطوير واقع الدراسة في النجف الأشرف بالشكل الذي يتماشى ومتطلّبات الحياة المعاصرة، فأسس  من أجل ذلك  جمعية منتدى النشر، وبعدها كلية الفقه. وكان من أبرز تلامذتها الخطيب المعروف الشيخ أحمد الوائلي، والسيد جواد شبّر، وهو أيضًا من الخطباء اللامعين. وقد استصدر لها قرارًا لتكون كلية رسمية مقرّة من قبل الدولة، وهي لا تزال قائمة حتى الآن.

وبجانب تلكما المؤسستين، انشغل بالتجديد في المناهج والمقرّرات الدراسية عن طريق وضع مقرّرات جديدة، فوضع كتابه المنطق، وقد استطاع كتابه هذا أن يسيطر على الدراسة الحوزوية إلى الآن. كما وضع كتابه في أصول الفقه، ليدرّس في الحوزة العلمية، وانحسرت أمامه الكتب الأخرى، كالقوانين الذي كان من المقرّرات السابقة التي ظلّت مسيطرة على الدرس الأصولي الحوزوي حقبة من الزمن. وكان يحاول الشيخ المظفّر أن ينقل روح التجديد الموجودة بين جنبيه إلى تلامذته سواءً في الكلية أو الحوزة، واستطاع أن ينجب عددًا كبيرًا من المجدّدين، منهم الشيخ أحمد الوائلي الذي راد التجديد في الخطاب المنبري، ومنهم السيد محمد باقر الحكيم وتجديده في المنهج التاريخي والتدريسي» [2] .

البيئة النجفية المحفّزة

ويضاف إلى هذه البيئة الأسرية العلمية ما شهدته حاضرة النجف من نقلة نهضوية حديثة، حيث ظهرت الجمعيات الثقافية بما أحدثته من حِراك ثقافي وأدبي واسع، ومعها: المجلات الثقافية والأدبية، والسلسلات الثقافية، ومكتبات عامّة [3] . ويواكب هذا حِرَاك فكريّ يسعى إلى مواجهة المدّ الشيوعي من خلال إثبات تفوّق الحلّ الإسلامي على بقية النظرات الأخرى، الغربية منها والشرقية.

ويضاف إلى هذا الحِراك الثقافي العام، أن هذه الفترة التي عاشها فقيدنا العلامة المظفر «ره» تعدّ «من العصور الذهبية للنجف، وتعدّ الذروة العلمية التي وصلت إليها المدرسة الفقهية النجفية، فكان فيه من المجتهدين وأصحاب درس البحث الخارج العدد الكبير، وخرج من تحت أياديهم العدد الكبير من المجتهدين.

وفي هذا العصر كانت المؤلفات الموسوعية، من قبيل المستمسك للسيد الحكيم، وموسوعة الغدير للشيخ عبد الحسين الأميني «ره»، والذريعة في تصانيف الشيعة للشيخ آقا بزرگ الطهراني في 25 مجلّدًا، ومعجم رجال الحديث للسيد الخوئي الذي طبع في أكثر من 20 مجلّدًا، والقواعد الفقهية للملا حسن البجنوردي، حيث طبع في سبعة مجلدات، ويعدّ أوسع كتاب في القواعد الفقهية لدى الشيعة والسنّة من حيث سعة البحث وعمقه وجودته، وكتاب الإمام الصادق والمذاهب الأربعة للشيخ أسد حيدر في 8 مجلّدات، والموسوعات الأخرى التي قد تغيب عني أسماؤها الآن، فهذا العصر قد أنجب وأعطى عطاءً خصبًا جدًّا» [4] ، كما يعبّر رفيق دربه العلامة الشيخ الفضلي «ره».

في ظلّ هذه البيئة، ينشأ الشيخ الدكتور محمود المظفر، ويكون فاعلًا في العديد من تلكم الأنشطة الفاعلة، حيث كان من بين طلبة الدفعة الأولى الملتحقين بكلية الفقه، يزامله مجموعة من نخبة طلبة الحوزة العلمية في حينها، من بينهم: الشيخ الدكتور أحمد الوائلي، والسيد محمد باقر الحكيم، والشيخ محمد مهدي شمس الدين، والسيد محمد حسين فضل الله، والسيد مصطفى جمال الدين، والسيد محمد بحر العلوم، والسيد جواد شبّر، والشيخ الدكتور عبد الهادي الفضلي، وغيرهم [5] . وليكون كاتبًا في مجلتها «مجلة النجف»، ومعها بعض المجلات الناشئة في حينها، من قبيل: «مجلة البذرة»، وغيرهما. وبعد مدّة من تخرّجه في كلية الفقه، يعود إليها أستاذًا لإحدى موادّها المبتكرة، حيث كانت من تأليفه وإعداده، وهي مادة «أصول الحديث المقارَن»، لتكون خير معين لمادة أصول الفقه المقارَن التي وضعها السيد محمد تقي الحكيم، عميد الكلية الذي خلف الشيخ محمد رضا المظفر المؤسّس.

لقد أسّست كلية الفقه لمشروع نهضوي حديث يتّخذ من الدرس الشرعي لبنة من لبنات بناء المجتمع الإسلامي المتحابّ والمتضامن، وذلك بما وضعته من مقرّرات تأسيسية مقارَنة في الأصول والحديث، وبعد ذلك في الفقه، وهو ما انعكس لاحقًا على مجموعة من خريجي هذه الكلية، ومن بينهم العلامة الشيخ المظفّر، حيث طبعت دراساته ومؤلّفاته صفة المقارَنة، سواء بين المذاهب الفقهية، أم بين هذه المذاهب الدينية وبين القوانين التنظيمية الوضعية.

تتحدّث الباحثتان آمال وهناء علوان عن مقرّره الدراسي «أصول الحديث المقارَن»، فتقولان: «إن أهم ما تميّز به الدكتور محمود المظفّر في مقرّره الدراسي: أنه أدخل الدراسة المقارنة في دراسة الحديث الشريف لطلبة كلية الفقه، مع ملاحظة التطور المعرفي للطلبة آنذاك. كما أن موضوع تدوين الحديث من أهم مطالبه، حيث تناوله بطريقة استدلالية مقارنة، وكان هذا المطلب العلمي مفتاحًا لعدد من المشكلات البحثية التي بنى عليه الكثيرون أبحاثهم ومؤلّفاتهم. كما أنه أدخل بعض المصطلحات الأصولية التي وظّف تطبيقاتها في علوم الحديث، أمثال: النص، والمؤول والظاهر. ويضاف إلى ذلك: منهجيته الدقيقة والمركّزة في عرض المطالب العلمية مع سعة المصادر التي اعتمد عليها» [6] .

ويستمرّ هذا النهج المقارَن، فعندما يبيّن الدكتور المظفّر منهجيته في كتابه «إحياء الأرض الموات»، يقول: «ومنهجنا في هذه الرسالة منهج استدلالي قائم على النظر والبحث والتحليل، ومقارن قائم على استقراء أشهر المدارس الفقهية، وهي حسب أسبقية ظهورها: الإمامية، الزيدية، الأحناف، المالكية، الشافعية، الحنابلة، والظاهرية، مضافًا إلى مقارنتها ببعض القوانين الوضعية الحديثة حينما يقتضينا البحث إلى ذلك» [7] .

وهي المنهجية ذاتها التي اتبعها في كتابه الآخر: «الثروة المعدنية»، حيث يقول في نهاية المقدمة: «أما منهجنا في كل ما طفنا به معكم من موضوعات هذه الرسالة، فيقوم أساسًا على أنه منهج «استدلالي» ينحو إلى التحليل والمناظرة، و«مقارن» يسعى إلى تتبع آراء مختلف المذاهب، وهي: الإمامية، الحنابلة، الحنفية، الزيدية، الشافعية، الظاهرية، والمالكية.. مضافًا إلى مقارنة ذلك - إذا ما واتت المقارنة - ببعض القوانين الوضعية الحديثة والتطبيقات الجارية» [8] .

واتّبعها كذلك في المقرّرات الدراسية التي ألّفها، بدءًا من كتابه الحديثيّ الرائد «أصول الحديث المقارَن»، ومرورًا بكتبه: «نظرية العقد.. دراسة فقهية قانونية مقارنة بأحكام الشريعة الإسلامية» و«موانع المسؤولية.. دراسة قانونية مقارنة بالشريعة الإسلامية» و«نظرية الإرادة المنفردة وتطبيقاتها القانونية والشرعية»، حيث سلك في جميع هذه المؤلّفات تلكم الروح الهادئة غير المتشنّجة في استعراض الآراء الشرعية متضامّة يُنير الرأيُ في مذهب إسلاميّ الرأيَ في مذهب إسلامي مقابل، والرؤية الشرعية ما أغفلته القوانين الوضعية، وهكذا.

همّة وروح وثّابة لا تتوقّف

عرف عن الفقيد روحه الوثّابة والنشطة منذ بواكير شبابه، وذلك لمساهماته في الأنشطة والفعالية النجفية الثقافية والعلمية، ولم تقتصر تلكم الفاعلية على مسقط رأسه النجف، بل إنه كان من أعضاء الجمعية المؤسّسة لجامعة الكوفة، حيث تداعى مجموعة من النخب العراقية إلى ضرورة تأسيس جامعة بالكوفة على غرار جامعة بغداد وجامعة البصرة، وذلك في ستينيات القرن العشرين، وكان الدكتور المظفّر أحد أعضاء هذه الجمعية التي وضعت نظامًا كاملًا للجامعة، وكان الدكتور في حينها أصغر أعضاء الجمعية سنًّا، حيث كان يبلغ من العمر آنذاك «34 عامًا». وكان من بين أعضاء هذه الجمعية: الدكتور محمد مكية، والدكتور محمد علي البصام، والدكتور محمد علي آل ياسين، والدكتور عباس كاشف الغطاء والدكتور علي الوردي وغيرهم، حيث بلغ أعضاء اللجنة في حينها ما يقرب من 30 عضوًا [9] .

لقد قضى العلامة الدكتور محمود المظفّر «ره» أكثر من ثلاثين عامًا بين أروقة القاعات الدراسية، بين كلّية الفقه بالنجف الأشرف، وجامعة بغداد، والجامعة المستنصرية، وجامعة الملك عبد العزيز بجدّة، والجامعة العالمية للعلوم الإسلامية في لندن. إلى أن تقاعد من التدريس سنة 2007م. وكان خلال هذه المدّة ينشط باحثًا ومحاضرًا ومشاركًا في مجاله البحثي القانوني والفكري، ويرقب عن بعد مجريات الأحداث في بلده الأمّ العراق الذي كان يأمل له، كما كلّ عراقي، كل ازدهار ورفعة، وبخاصّة أنه على تواصل مع أحبته هناك، أصدقاء ومعارف وقرابة.

ولذلك، فإنه بمجرّد أن سقط النظام البعثي في العراق سنة 2003م، كان من أوائل المشاركين بصورة حيّة في المشهد العراقي الجديد، حيث كان العلامة المظفر أحد أعضاء اللجنة السداسية لإعداد الدستور العراقي التي شكلها المرجع الديني السيد علي السيستاني عام 2004م، وهي مكونة من ستة أشخاص قد اختارهم بنفسه، وهم: الشيخ هادي الراضي، والدكتور حسين الشهرستاني، وحازم الحسون، والدكتور محمود المظفر، والسيد أبو ماجد، وصفاء الصافي.

وقد سمعتُ منه «ره» أثناء تشرفي بزيارته بمنزله بحيّ الراكة في الدمام ثناءه على دور المرجعية العليا المتمثّلة بالسيد السيستاني، حفظه الله، في وضع مبادئ الدستور العراقي الجديد، حيث كان ينقل انبهار أعضاء اللجنة الدستورية من سعة اطّلاع سماحة السيد السيستاني على الكثير من التفاصيل القانونية الحديثة والفكر التشريعي الحديث.

ويُضاف إلى دوره هذا، رغبته الملحّة في إحياء «جمعية منتدى النشر» التي أسسها عمّه الشيخ محمد رضا المظفر «ره»، ومعها كلية الفقه التابعة لها. وقد بذل مجهودًا كبيرًا في سبيل ذلك، فقد كنتُ أسمع منه بعض التفاصيل أثناء زياراتي له بعد رجوعه من العراق، حيث كان يتطلّب إحياء هذه الجمعية العديد من الإجراءات الإدارية والإشراف على الأعمال بالمبنى الخاصّ بالجمعية وغيرها من الأمور ذات العلاقة، وقد كان يتطلّب منه - حسب ما ذكر - زيارات متكرّرة إلى الدوائر الرسمية في العاصمة بغداد، ولم يكن ذلك بالأمر العيّن، وبخاصّة أن بعض الإدارات لم تستكمل استحداث بعض الأنظمة في ظلّ نظام ودستور جديدين. وقد نجح فعلًا في إحياء هذين المعلمين اللذين يعدّان من أبرز معالم النهضة الإصلاحية النجفية في النصف الثاني من القرن العشرين.

وقد كان افتتاح الجمعية مصادفًا للأعمال التحضيرية للاحتفاء بالنجف الأشرف عاصمة للثقافة الإسلامية، حيث اختارت منظّمة المؤتمر الإسلامي أن تكون النجف هي العاصمة الثقافية في العام 2012، وقد اختير «ره» ليكون عضوًا في اللجنة التحضيرية، بحيث تساهم الجمعية في إصدار مجموعة من الكتب التعريفية بالنجف الأشرف، وقد عمل على ذلك بجدّ ونشاط، إذ تواصل مع المرحوم الأستاذ فؤاد ابن العلامة الشيخ عبد الهادي الفضلي ليستفسر منه حول بعض الكتب والأبحاث التي كتبها العلامة الفضلي «ره» حول النجف.

وقد وقع الاختيار على كتابين للشيخ الفضلي، هما: «دليل النجف الأشرف» و«الدرس اللغوي في النجف الأشرف»، وقد سلّمنا الكتابين إليه ليأخذا طريقهما للنشر ضمن إصدارات الجمعية الخاصّة باحتفالية النجف عاصمة الثقافة الإسلامية للعام 2012م. ولكوني عضوًا في لجنة مؤلّفات العلامة الفضلي «ره»، أخذ يتابع معي وقبل ذلك مع الأستاذ فؤاد «ره» ما ورد في الكتابين، فقد قرأ كامل الكتابين وأبدى مجموعة من الملاحظات، وبالخصوص حول «الدرس اللغوي في النجف»، لأنه كان يضمّ تعريفًا بمجموعة من أعلام اللغة والأدب في النجف، وكانت بعض المعلومات الخاصّة بهؤلاء الأعلام بحاجة إلى تدقيق وفي بعضها بحاجة إلى استكمال. وهو ما يدلّ على متابعة دقيقة لكلّ ما كان يشرف على طباعته أو إصداره، مع تقدّمه في السنّ في حينها.

وما نجده من العلامة المظفر في هذا الموقف، من متابعة دقيقة لما يشرف على نشره مع بعض النقد المهذّب والدقّة في التتبّع، لم يكن وليد اليوم، فها هو يقدّم لكتاب الشيخ الطوسي «ت 460ﻫ» «الاقتصاد فيما يتعلّق بالاعتقاد» الذي صدر محقّقًا عن «جمعية منتدى النشر» حينما كان «ره» سكرتيرها سنة 1399ﻫ، فيعلّق على عمل لجنة التحقيق قائلًا: «ولكلّ هذا وغيره من الجوانب البارزة في حياة شيخنا الطوسي الدالة على اتساع آفاقه العلمية والقيادية، فقد كنتُ أرجو من اللجنة القائمة بتحقيق هذا الكتاب، بل رجوت منها فعلًا أن تتولّى - وهي تعرض دراستها عن هذا الكتاب -: ترجمة حياة المؤلّف الطوسي على النحو الذي يسمح لها موضوعها كمقدّمة لكتاب، وذلك كما يقضي به نهج الدارسين من محققي كتب التراث. غير أنّ بعضهم واجهني بعدم جدوى هذا النحو من الدراسات القائمة على التركيز والاختصار، من حيث عدم قدرتها - في تقديره - على إبراز شخصية المترجم له واستيعاب كل جوانبها ومعالمها المهمّة، وخاصّة إذا كانت هذه الشخصية نظير شخصية الطوسي المتّسعة الآفاق. ولعلّه كان على جانب من الحقّ في تبريره هذا.. بيد أنّ النهج العلمي - على أية حال - لا يعفيه من هذه المهمّة اللصيقة بعمله ومنهاجه» [10] .

ويقول في موضع آخر من تقديمه: «وإذ جاء ذكر الإخوة محققي هذا الكتاب، فمن الاعتراف بالجميل أن نشيد بجهودهم البالغة التي بذلوها في تحقيق الكتاب، وما تطلّبه ذلك من مراجعة كل ما أمكن لهم الحصول عليه من نسخه المخطوطة، فقد بذلوا في حدود علمي واسعًا من جهودهم في سبيل ضبط النص وتقويمه، ولكن جهودهم هذه وانصرافهم إلى ضبط النص وما أخذوه على أنفسهم من الدقة والأمانة، حال - كما يبدو - دون العناية كثيرًا بالتعليق على ما يستحقّ التعليق من نصوص الكتاب. هذه التي يرى بعض الباحثين أنها قضية أساسية ومنهجية في عمل المحققين، وخاصّة بالنسبة إلى كتب التراث والدراسات المرجعية لتجلية ما قد غلق من عبارات الكتاب ومطاليبه أو خفي من مصطلحاته على قارئ اليوم.

وبعد فمما يدعو إلى التقدير أن يكون الإخوة محققو هذا الكتاب من صفوة من شبابنا المؤمن المتطلّع إلى الفضيلة والمعرفة وإلى العمل المخلص الجادّ والذين تحتضنهم مدرسة النجف العتيدة، هذه التي نهض بإشادتها وبعث حركتها الفكرية الشيخ أبو جعفر الطوسي مؤلّف هذا الكتاب الذي نقدّم له ونقدمه إلى القراء كأول نتاج من نتاجات جمعية منتدى النشر في نهجها الجديد» [11] .

وقد حوت مقدّمته هذه عرضًا مهمًّا عن نشاط «جمعية منتدى النشر» وتاريخها ومساهماتها الواسعة في النجف وبعض المدن المحيطة.

وقد استمرّ «ره» على هذا النهج من الهمّة والنشاط إلى أخريات أيّامه، حيث تشرّفت بزيارته آخر مرّة قبل عامين تقريبًا، قبل جائحة كورونا، وذلك بدعوة كريمة من ابنه المهندس حسن أبي محمود، حيث عرض عليّ الاطلاع على ما بذله من جهد في نشر الطبعة الموسّعة من كتابه المهمّ «أصول الحديث المقارَن»، حيث كتب مجموعة من الفصول التكميلية على ما بدأه في سبعينيات القرن العشرين. وقد اطّلعتُ على كامل الكتاب، الذي يعدّ بحقّ فريدًا في بابه ونهجه. ويضاف إلى جهده في استكمال كتابه الحديثي، تجد المجموعة الواسعة من المقالات والأبحاث في العديد من الأبواب والحقول، حيث تسعى أسرته الكريمة إلى جمعها وتبويب غير المبوّب منها، وبعد ذلك إعدادها للنشر، وذلك ضمن مشروع علمي كامل، يضمّ مؤلّفاته المستقلة، بحيث يُعاد نشرها، ومقالاته المتناثرة. فجزاهم الله خير الجزاء فيما يبذلونه من جهود في سبيل جمع وإعادة نشر تراث والدهم العلامة الشيخ المظفر، ووفّقهم إلى تحقيق آمالهم في إظهار هذا التراث الغني في أبهى حلّة.

الروح الأبوية الهادئة والمتواضعة

توثّقت العلاقة بالفقيد الراحل بدءًا من تلكم الزيارة الأولى التي صحبتُ فيها المرحوم الأستاذ فؤاد ابن العلامة الشيخ عبد الهادي الفضلي «ره» للحديث عن ترتيبات نشر الكتابين الخاصّين بالنجف الأشرف «الدليل والدرس اللغوي»، وقد كانت فاتحة لزيارات عدّة، استمرّت لما يزيد عن عشر سنوات، كنت أحرص في كلّ مرة أن أسأله عن الأوضاع في العراق وعن تحليله لتلكم المجريات المتداعية، وكانت إجاباته وأحاديثه في كل مرّة تتسم بالموضوعية والطرح الهادئ والابتعاد قدر الإمكان عن الاصطفافات العاطفية أو الفئوية.

وكان يحرص في كلّ مرة على السؤال عن المنطقة وبعض أعلامها، ويظهر من حديثه متابعته التفصيلية لأحداث المنطقة، حيث كان يربط هذه الأحداث ويحلّلها تحليل العارف والمتابع.

وأثناء الحديث، كان يصغي إلى المتحدّث بكلّ اهتمام وحرص. فيشعرك بتلكم الروح الأبوية الحنونة والعطوفة والمحبّة، ما يدعوك إلى المزيد من الاستزادة من معين علمه وفيض أبوته.

رحمه الله بواسع رحمته، وأنزل على قبره شآبيب العفو والغفران، وجزاه الله لقاء ما قدّم وأعطى وبذل عن الإسلام وأهله خير الجزاء.


كتاب الاقتصاد فيما يتعلق بالاعتقاد الذي كتب مقدمته عندما كان سركتيرًا لجمعية منتدى النشر


صورة لأحد مؤلفاته التي صدرت مع مجلة كلية الفقه بالنجف الأشرف


صورة لأحد الموضوعات التي أضفاها إلى كتابه أصول الحديث المقارن في طبعته التي أعدها للنشر، ورحل قبل أن يراها، وهو بخطه الشريف


إحياء الأرض الموات، رسالة الماجستير


أصول الحديث المقارن ط الثانية


كتابه أصول الحديث المقارن الذي كان يدرس منذ سبعينيات القرن العشرين


كتاب نظرية العقد، أحد المقررات الدراسية في تخصصه القانوني، ويعد أكثر كتبه رواجًا


كتاب نظرية الإرادة المنفردة، أحد المقررات الدراسية في تخصصه القانوني


كتاب موانع المسؤولية، أحد المقررات الدراسية في تخصصه القانوني


​كتاب الثروية المعدنية، رسالة الدكتوراه

[1]  انظر: الإخوة المبدعون الثلاثة، أحمد إبراهيم العلاونة، دار البشائر الإسلامية - بيروت، ط1,1436ﻫ - 2015م، ص 90 - 91.

[2]  في ظلال النبوة، محاضرة للدكتور عبد الهادي الفضلي، منشورات لجنة مؤلّفات العلامة الفضلي - القطيف، ط1,1434ﻫ - 2013م، ص 20 - 21.

[3]  انظر حول ذلك: دليل النجف الأشرف، الدكتور عبد الهادي الفضلي، مركز الغدير - بيروت، ط2,1430ﻫ - 2010م، ص 105 - 140.

[4]  المصدر السابق، ص 26 - 27.

[5]  انظر قائمة الدفعتين الأولى والثانية بكلية الفقه في: الدكتور عبد الهادي الفضلي.. تاريخ ووثائق، حسين منصور الشيخ، منشورات لجنة مؤلفات العلامة الفضلي - القطيف، ط2,1434ﻫ - 2013م، ص 198.

[6]  تطور الدرس الحديثي في كلية الفقه «1958 - 2013م»، الدكتورة آمال حسين علوان والدكتورة هناء حسين علوان، مطبعة الرافد - بغداد، ط1، ط1,2020م، ص 97، مع تصرف يسير.

[7]  إحياء الأرض الموات، محمود المظفر، المطبعة العالمية بالقاهرة، ط1,1392ﻫ - 1972م، ص 11

[8]  الثروة المعدنية وحقوق الدولة والفرد فيها.. دراسة فقهية مقارنة بالقوانين والتنظيمات الوضعية، الدكتور محمود المظفر - منشأة المعارف بالإسكندرية، ط1,1410ﻫ - 1990م، ص 14.

[9]  انظر حول ذلك: جامعة الكوفة.. فكرتها أهدافها ومنهجها، الجمعية المؤسسة لجامعة الكوفة، مطبعة الأزهر - بغداد، ط 1968م.

[10]  الاقتصاد فيما يتعلّق بالاعتقاد، الشيخ محمد بن الحسن الطوسي «ت 460ﻫ»، تحقيق ونشر: جمعية منتدى النشر - النجف، ط1,1399ﻫ - 1979م، ص «ك».

[11]  المصدر السابق، ص «ن».
التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 1
1
أم?
[ القطيف ]: 5 / 9 / 2021م - 11:26 م
أحسنت قراءة موجزة لكنها ممتعة عن حياة المرحوم المظفر ألف رحمة ونور عليه ، حياة مليئة بالفكر والنشاط والعلم

شكراً لك أخي الكاتب
كاتب سعودي «القديح»