آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 5:41 م

الإرهاب المزدوج

عبد الرزاق الكوي

خلال العقود الثلاثة الماضية تعاظم خطر الإرهاب بشكل لافت وأصبح الشغل الشاغل للعالم ومنذ السبعينيات لم يتوقف نزيف الدم والقتل على الهوية، والإرهاب ليس وليد اليوم بل من عمر البشرية حيث عانت من هذا الوباء وابتلي به على مر التاريخ.

الثلاثين السنة الماضية خيم الإرهاب على العالم بشكل عام والعالم الإسلامي بشكل خاص وأكثر شراسة، نشأ الإرهاب بأسباب عديدة سلط جل الاهتمام على المجموعات الإرهابية والفصائل المسلحة والتنظيمات المتطرفة، وتم غض الطرف عن الدور وما ارتبط بمشروع الغرب في السيطرة على العالم وخصوصا بعد هزيمة المشروع الشيوعي وانتهاء الحرب الباردة بين الغرب والشرق ففي العقود الماضية وبعد الحرب العالمية الثانية لا يعيش المعسكر الغربي دون اختلاق عدو من أجل شرعنة وجوده وتدخلاته في شؤون العالم، فبعد القضاء على الشيوعية بحث الغرب عن عدو جديد وسببا لاستمرار سيطرته على مقاليد العالم فأوجد مسمى الإرهاب، رغم أن الفكر الإرهابي لم يكن له تلك القوة والوجود والظهور والانتشار والتسلح قبل السبعينيات. وحتى وإن وجد لم يتعاظم ويصل خطره إلى أرجاء العالم، فكان الاستمرار بتسليط الجماعات المتطرفة والإرهابية الذي أصبح يتضخم وينتشر في الجسد العالمي والإسلامي ويهدد السلم حيث ما حل أصبحت تلك الجماعات الشماعة التي تستخدم في التدخل في شؤون الدول الأخرى، وأصبح العالم محط تجارب في غرف المخابرات العالمية ومعاهد الأبحاث التابعة لها من أجل استخدام الإرهاب والجماعات المتطرفة للهيمنة على العالم وجعل الإرهاب سوط يضرب به في كل مكان حسب المخططات الخاصة، فكانت التجربة الأفغانية نموذج لهذا الواقع أصبحت فيه مركزا عالميا لتفريخ التنظيمات وتوزيعها في الدول المستهدفة، كل منطقة لها إمارتها، فكانت أفغانستان بين مطرقة القوى الغازية وسندان المنظمات الإرهابية، كل مخابرات العالم له وجوده وأجنداته ومجموعاته. فحل الدمار على أفغانستان هذا البلد المسلم الضعيف، استخدمت على أرضه شتى أنواع أسلحة الدمار الشامل الأشد فتكا والمحرمة دوليا من كيميائية وجرثومية وعشرات الآلاف والأطنان من القنابل لا أحد يعلم مدى قوتها التدميرية وعظم مفعولها وكذلك الأسلحة العنقودية واستخدام قذائف اليورانيوم وما خفي كان أعظم وما تولده هذه الأسلحة من أمراض يتم اكتشافها على المدى القريب أو البعيد من هذا الإرهاب المنظم والتفنن في أساليب القتل فالضربات تأتي جوا عن طريق الطائرات دون طيار وفي الأرض تعيث المجموعات الإرهابية قتلا وتفجيرا وقطع الرؤوس لم يبقى خلال العشرين السنة في هذا البلد المسالم حجرا على حجر إلا تم تدميره في أشد الحروب قساوة تحت الصمت المطبق من كافة المنظمات المهتمة بالدفاع عن حقوق الإنسان وفي ظل الوجود الطاغي والمهيمن على مقاليد العالم خصوصا بعد السقوط المدوي للقطب الشيوعي، وانتهاء الحرب الباردة، لتبدأ من بعدها حربا ساخنة تقضي على الأخضر واليابس وأرواح أبرياء لا ناقة لهم ولا جمل.

فالإرهاب سواء كان من تنظيمات متطرفة أو من قوى دولية هو إرهاب مدان ومرفوض، استخدم الإرهاب كأداة لسياسات ومخابرات عالمية في ظل عدم وعي وإدراك قادة التنظيمات الإرهابية، فاختلط الحابل بالنابل القوى العالمية تحارب الإرهاب ولها اليد الطولى في إنشاءه وانتشاره ودعمه، والإرهابيين سواء علموا أو لم يعلموا ينفذون أجندات عالمية استخدموا كفئران تجارب يتنقلون بهم من بلد إلى آخر لمزيد من الدمار والقتل وتشويه واضح للدين الإسلامي، من يقوم بالقتل على صيحات التكبير والمقتول منهم في هذه الحروب العبثية على يقين أن غذاءه مع النبي ﷺ وتنتظرهم الحور العين بعد ما هتكوا أعراض النساء وشبعوا من السبايا والزواج بمختلف مسمياته لإشباع غرائز حيوانية الإسلام والمسلمين براء منها، الهدف من كل ذلك تدمير البنى التحتية وزعزعت الأمن لدول مغضوب عليها من القوى العالمية التي تعمل لمزيد من السيطرة على العالم بشكل عام والإسلامي بشكل خاص وسلب خيراته وجعله رهينة تحت رحمة أقسى القلوب مدعومة بميزانيات ضخمة تتخطى ميزانيات عدة دول يتم تجميعهم من أصقاع الأرض تحت رعاية سامية من القوى العالمية صاحبة التاريخ الطويل في أفعال الإرهاب سواء في بلدانها من قتل وتدمير وإبادة جماعية وصولا إلى نشر الجراثيم والأمراض في كل بلد أرادت تدميره وإرجاعه للعصور الحجرية هذا أشد أنواع الإرهاب على الإطلاق أن يكون على يد من يدعي حقوق الإنسان ونشر العدالة وتحقيق الحريات.

أطماع ليس لها أول ولا آخر تحت مظلات إعلامية ضخمة تقلب الحقائق وتزيف الواقع بكل نفاق تخلط فيه الموازين ويفعل التدليس والكذب تباد فيها القيم وتقتل فيه المواثيق الإنسانية قبل أن يقتل الإنسان البريء.

العالم يئن من ثقل وخطر هذا الوباء سواء كان من جماعات متطرفة أخذت من الدين القشور وتمسكت بمصطلحات باطلة، أو إرهاب دولي يدعي أن عمله تحت مظلة المواثيق الدولية من أجل أن يعم الأمن والسلام وأنه حامي حقوق الإنسان هذا المعلن وهو يكرس في أفعال الإرهاب بكل أشكاله من قتل وتدخل سافر وحصار ودعم الجماعات الإرهابية وغض الطرف عن العنصريات وسجون منتشرة في أصقاع الأرض ومحاكم تفتيش وإعادة التهديد بالحروب الصليبية ضد الإسلام والمسلمين ودعم كل مشاريع التفرقة في كل أقطار العالم المستهدف، في ضعف وعدم قدرة في الوقوف ضدها من كل الهيئات الدولية والمؤسسات العالمية التي تهتم بالدفاع عن حق الإنسان في حياة كريمة، العالم سأم الإرهاب والإرهاب المضاد وأن تبقى البشرية لعبة بيد المخابرات العالمية ومراكز القوى أن يقتل الإنسان من أجل نزوات وأطماع شريرة.

خير شاهد اليوم أفغانستان ومن قبلها ومن سوف يأتي بعدها رغم كل التراجع المذل والاستسلام المهين لتلك القوى لن يردعها.

اليوم أفغانستان في عالم المجهول أرادوها دمارا وشوكه للمحيطين بهذا البلد، في وضع اقتصادي مزري وفقرا مدقع وبلاد مدمر.