آخر تحديث: 18 / 4 / 2024م - 9:00 م

عظمة شخصية الإمام المجتبى

حكيمة آل نصيف

في الرواية «ما بلغ أحد من الشرف بعد رسول الله ما بلغ الحسن، كان يبسط له على باب داره فإذا خرج وجلس انقطع الطريق، فما مر أحد من خلق الله إجلالًا له فإذا علم قام ودخل بيته فمر الناس» «مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب ج 3 ص 174».

ما كان عليه الإمام الحسن المجتبى من مكانة اجتماعية راقية منبعه علاقته العامرة بالله عز وجل والانقطاع إليه، ومن جهة أخرى كانت علاقته بالآخرين قوامها احترام الآخر ومد جسور المشاركة الوجدانية وحمل راية العطاء بكافة أشكاله.

الرواية تشير إلى صفة من صفات كريم أهل البيت الإمام المجتبى وهي صفة قوة الشخصية، فما معنى الشخصية القوية وما هي صفاتها؟؟

فهل الشخصية القوية تعني خوف الآخرين وفرارهم بمجرد رؤية ذلك الشخص؟

هل تعني الحذر منه وعدم مجابهته أو الدخول معه في أي موقف أو حدث؟؟

قوة الشخصية ليست بالقوة الجسدية وخوف الآخرين منا وإنما لها معنى عميق وجميل، فقوي الشخصية إنسان لديه مهابة بين الناس وتقدير وإجلال لقدره، وله حضور اجتماعي سواء على صعيد أسرته وجيرانه وجميع من عرفه ومن لم يعرفه على مستوى المشاركة وإبداء الآراء، له كلمة مسموعة واحترام ومحبة لا خوف أو رهبة منه.

فما الذي جعل له هذه المكانة والمهابة والحضور الاجتماعي؟

ما هي إلا صفات اتصف بها وصقلت شخصيته أمام الآخرين، فكانت تلك الصفات بوابته لمحبة الناس له وتقديرهم واحترامهم لشخصه.

أولى هذه الصفات هي حسن أخلاقه واحترامه لذاته وتقديره للآخرين، ومراعاتهم والترفع عن سفاسف الأمور وتوافهها، كما أن للبعد عن الجدال العقيم وتصيد أخطاء الآخرين وهفواتهم لهو دور في صنع شخصية ناجحة، ومن امتلك صفة التسامح وغض الطرف عن الأخطاء البسيطة وتجنب الغضب والتعصب لأي أمر أو منهج أو فكرة سيكون بالفعل إنسانا له حضور ومحبة بين الناس.

كذلك من كان صادق القول والفعل بعيدا عن مبدأ الكذب والخيانة والخوض في أعراض الناس، مترفعا عن منهج السب والشتم للدفاع عن أفكاره ومعتقداته ستكون له صفات محددة «كاريزما» اجتماعية محبوبة.

من كانت هذه صفاته سواء في أسرته وجيرانه أو مجتمعه ومجال عمله، سيكون له رداء من الهيبة والوقار والاحترام المتبادل بينه وبين الآخرين، حتى أن البعض لا يجرأ على رفع عينه أمامه لال خوف منه، وإنما تبجيل واحترام وقداسة لهذه الشخصية المحترمة.

وما يعتقده البعض بأن القوة والهيبة تأتي بالسيطرة والهيمنة وفرض الحضور برفع الصوت والتحكم في تصرفات الاخرين فهو مخطيء، ومن كان يمشي بالنميمة والغيبة وهتك أعراض الآخرين باعتقاد أنه يردع المخطيء ويرده عن نواقصه فليس بصحيح،

وإنما ذو الهيبة والمهابة هو من أصلح أولا ما بينه وبين ربه وتصالح مع نفسه وساهم في ازدهار مجتمعه، ثم بدأ بإصلاح الآخرين بحسن التعامل ولين الجانب.

وليس هناك أفضل من ابتسامة يرسمها المؤمن على وجهه، فيطبع أثرها على وجوه الآخرين وقلوبهم، ترتاح النفس عند اللقاء به فهو حسن المعشر طيب الملاطفة مع الصغير والكبير، بعكس من كان يسير متجهم الوجه عابسا متكدرا ينفر منه كل من رآه وجالسه.

وقد يعتقد البعض بأن الملاطفة والمزاح مع الآخرين تذهب بالهيبة والاحترام، فنرى بعض الأشخاص - حتى مع أفراد أسرته ومع أبنائه وزوجته دائما يأخذ بمبدأ الجدية، ويظن أن التربية لا تكون إلا بالشدة واستعمال العنف معهم ليسير مركبه بخط مستقيم فهو مخطئ!!

فالقرآن الكريم يقول: ﴿و َلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ.. - آل عمران الآية 159

هذا هو المبدأ الإيماني الذي سار به رسول الله وأهل بيته الكرام وتجلت هذه الصفة عند كريم أهل البيت الذي سمي بالحليم لصبره وحلمه مع أعدائه قبل أهله وأحبائه.

فمن أراد أن تكون له هذه المحبة والهيبة فليسلك طريق الإمام الحسن ، ويتخذ من صفاته ومواقفه مدرسة ينهل من دروسها وعلومها.