آخر تحديث: 24 / 4 / 2024م - 11:56 م

بين ابن أبي جمهور الأحسائي والمحقق الكركي

محمد علي الحرز

مدخل:[1] 

من العلوم المرتبطة بعلم الأصول، والتي تشكل أحد فروعه والمقدمات للدخول فيه، هو العلم المتصل بمسألة الاستعداد والتهيئة لمرحلة الاجتهاد، عبر توفير الجو والمناخ العلمي والنفسي والعملي لهذه المرحلة، التي هي غاية طالب العلم، والدرجة العليا التي يصل لها.

وقد أبدا العلماء اهتماماً بالغاً بهذا الجانب، لما لها من أهمية كبيرة لطالب العلم لمعرفة الخطوات العملية التي يسلكها خلال سنين دراسته لبلوغ مرحلة الاجتهاد، وذلك حفاظاً عليه من التخبط، وعدم وجود الأرضية الصلبة لمثل هذه المرحلة.

إلا أن الكتابات في هذا الموضوع بقيت مضطربة في معظم الأحيان لعدم وضوح الخط الفاصل بينه وبين علم الأصول، مما تسبب الخلط لدى الكثير من كتب في الموضوع نتيجة العلاقة القوية بينهما، فينجرف نحو علم الأصول، بينما حقيقة العلم هو أشبه بالمقدمة العلمية للولوج في علم الأصول، وأن اتصلت ببعض أطرافه، لكن لا على نحو التعمق والغور فيه.

وتكمن أهمية علم الاستعداد أنه يختصر على طالب العلم الزمن، وينجيه من التخبط، ويضع بين يديه خبرات وعصارة تجارب وإطلاع العلماء في الكتب الدراسية ومصنفات الأعلام التي تساعد طالب العلم، وتعرفه على مميزات كل كتاب، وغث الكتب من سمينها، وهذا من الأمور التي لا غنى لطالب العلم عنها،

إن لم تعد من ضروريات المعرفة والاطلاع في المراحل الحوزوية الأولى لمن أراد أن يلج في سلك رجال الدين وأعلامه.

تأسيس علم الاستعداد:

يذهب بعض الأعلام مثل الآغا بزرك الطهراني في كتابه «الذريعة إلى تصانيف الشيعة» إلى أن علم الاستعداد من العلوم الحديثة والمبتكرة خلال القرن الثالث عشر الهجري وأن أول من التفت لأهمية هذا العلم وصنف فيه، هو السيد معز الدين محمد المهدي بن الحسن بن أحمد الحسيني القزويني الحلي النجفي «ت 1300 هـ »، عندما ترشح يراعه عن كتابه المعروف ب «أساس الإيجاد في علم الاستعداد لتحصيل ملكة الاجتهاد»، والذي ألفه بالكاظمية بالتماس من تلميذه ميرزا محمد بن عبد الوهاب الهمداني الكاظمي في صفر سنة 1275 هـ .[2] 

ثم يعقب الشيخ الطهراني بقوله: ”وعلم الاستعداد من فروع علم أصول الفقه وهو الذي أسسه واخترعه وألف فيه هذا الكتاب المرتب على مقدمه وتأسيسات وخاتمة“[3] .

فيستفاد من كلام الآغا بزرك أن الأعلام قبل القرن الثالث عشر انحصرت مؤلفاتهم ومصنفاتهم بين علمي الفقه والأصول، وباقي العلوم المرتبطة بهما دون الخوض في نواحي الاستعداد التي بمثابة مقدمات طلب العلم، والتهيئة له للتعرف على الكتب الحوزوية الهامة لدراستها والإطلاع عليها.

بينما يميل البعض للقول بأن المحقق الكركي علي بن الحسين «ت 940 هـ » هو أول من كتب في هذا الحقل المعرفي من خلال رسالته ”طريق استنباط الأحكام“، الذي حاول من خلالها أن يمهد لطالب 

العلم الخطوات التي تسبق مرحلة الاجتهاد، ومعرفة كيفية الاستدلال من المصادر الأربعة، وعلى هذا يكون تأسيس العلم في القرن العاشر الهجري، وسابق لما سطره السيد القزويني.

إلا أن رسالة الكركي وللإنصاف فيها تداخل كبير مع علم الأصول في الكثير من أجزائها، وإن كتبت للغرض نفسه، والفكرة كانت حاضرة لديه قبل السيد القزويني بقرون عدة، وكان واعياً بأهميتها لطالب العلم، وأنها من المقدمات، إلا أن رسالته كانت مقتضبة جداً وقد أشار إلى ذلك في مقدمتها.

والذي نذهب إليه إن الكلام السابق غير دقيق ويفتقر إلى الصحة والدقة، وهو إن الشيخ محمد بن علي بن أبي جمهور الأحسائي «المتوفى بعد سنة 906 هـ » هو أول من صنف في هذا العلم رسالة مستقلة موسعة تتناول العلم من جميع جوانبه، وضع فيها العديد من المقدمات الهامة لطالب العلم، وقد قسمها إلى مقدمة وخمسة فصول وخاتمة، ولم يقع في التداخل الكبير الذي حدث لدى المحقق الكركي، فيكون هو بحق مؤسس «علم الاستعداد» وأول من صنف فيه، وواضعه ومخترعه، وليس القزويني أو الكركي، وهذا ما سنحاول إثباته بالدليل خلال السطور الآتية.

نعم قد يقال إن السيد المهدي القزويني، هو أول من أطلق عليه «علم الاستعداد» وواضع المصطلح للعلم، والشيخ محمد ابن أبي جمهور هو أول من صنف في هذا العلم رسالة مستقلة تناولته من جميع جوانبه، بما يتناسب مع لغة عصره وزمنه.

إلا أنه حتى هذا الكلام لا يمكن التسليم والقبول به، فالشيخ ابن أبي جمهور، هو أول من أطلق لفظة «أهل الاستعداد»، على طلبة العلم وكررها في رسالته في الخاتمة التوجيهية في نهاية ”كاشفة الحال“ من خلال عدة عبارات منها: ”ما يوصلك إلى مطالبهم التي وصلوا إليها على قدر استعدادك“[4] ، وفي مقطع آخر من نفس الخاتمة يقول: ”وأعلم إن لله تعالى نفحات وواردات تصل إلى أهل الاستعداد على قدر استعدادهم، فكن متعرضاً لها بكثرة الاستعداد“.[5] 

ويكرر الكلمة ”الاستعداد“ حيث يذكرها في موطن آخر وهو يحث على قراءة الأخبار وتصفح الآثار فيقول: ”تجد منها الاستعداد التام“[6] ، ثم يكرر نفس المصطلح في التنبيه على أهمية علم الرجال فيقول: ”فإنك تجد بالمذاكرة الاستعداد التام“[7] .

ثم نجده يؤكد على مصطلح «أهل الاستعداد» في جهة أخرى من الخاتمة نفسها حيث يقول ”فإن الله تعالى بكرمه يفيض على أهل الاستعداد“[8] .

فكلمة «علم الاستعداد» أو «أهل الاستعداد» ليس ثمة فرق كبير في العبارتين، وقد تكون الأولى مقتبسة من الثانية، لذا حتى إبداع المصطلح في الحقيقة هو حق علمي وفكري لشيخنا محمد بن علي بن أبي جمهور الأحسائي، وليس لغيره كما ذهب الآغا بزرك الطهراني.

بين ابن أبي جمهور والمحقق الكركي

سنحاول هنا أن نجري مقارنة بين رسالة ابن أبي جمهور «كاشفة الحال عن أحوال الاستدلال»، ورسالة المحقق الكركي «طريق استنباط الأحكام»، وقد وقع هذا الاختيار للمقارنة لعدة أمور:

1 - أن الرسالتين هما أول ما كتب في هذا المجال، فيشكلان البذور الأولى لـ «علم الاستعداد لمرحلة الاجتهاد».

2 - التشابه الكبير بين الرسالتين في بعض أجزائها، لكونهما كتبتا بلغة عصر واحدة، وفي فترة متقاربة، وبنفس الذهنية والعقلية للقرن التاسع والعاشر الهجري، ومن التجني أن نجري مقارنة بين رسالتين يفصل بينهما أربعة قرون، لما يطرأ على الفكر من تغير، والعلوم من تطور.

وسوف نتناول البحث من خلال عدة نقاط:

- نبذة تعريفية بالمحقق الكركي.

- الصفات المشتركة بين الأحسائي والكركي.

- مقارنة بين الرسالتين من خلال:

1 - غرض الرسالة.

2 - أسلوب العرض.

3 - منهجية البحث.

4 - نقاط الالتقاء بين الرسالتين.

نبذة من حياة المحقّق الكركي «حدود 868 هـ - 940 ه»:

هو الشيخ علي بن حسين بن علي بن محمد بن عبد العالي الكركي العاملي الشهير ب «المحقق الكركي»، و«المحقق الثاني»، كما يعرف ب «الشيخ العلائي» و«المولى المروج».

عاش المحقق متنقلاً بين البلدان فمن بلده جبل عامل هاجر إلى الشام وبعد أن درس على علمائها إرتحل إلى مصر ثُمّ إلى العراق حتى إذا أقيمت الدولة الصفوية عزم على التوجه إلى إيران فحظي بثقة الشاه إسماعيل الصفوي وقلّده بعض المناصب الدينية العالية.

علمه وفضله:

وذكره التفرشي في رجاله فقال: ”علي بن عبد العالي الكركي «قدس الله روحه» شيخ الطائفة وعلامة وقته، صاحب التحقيق والتدقيق، كثير العلم، نقيّ الكلام، جيّد التصانيف من أجلاء هذه الطائفة“.

وقال في شأنه الحرّ العاملي في «أمل الآمل» فقال: ”الشيخ الجليل علي بن عبد العالي العاملي الكركي، أمره في الثقة والعلم والفضل، وجلالة القدر وعظيم الشأن وكثرة التحقيق، أشهر من أن يذكر“.

ثم نقل عن الشهيد الثاني. أنّه أثنى عليه في بعض إجازاته فقال عند ذكره:

”الشيخ الإمام المحقّق المنقّح، نادرة الزمان، ويتيمة الأوان“.

وذكره المجلسي في أول «بحار الأنوار» فقال فيه: ”أفضل المحققين، مروّج مذهب الأئمة الطاهرين، نور الدين علي بن عبد العالي الكركي «أجزل الله تشريفه، وحشره مع الأئمة الطاهرين» حقوقه على الايمان وأهله أكثر من أن يشكر على أقلها، وتصانيفه في نهاية الرزانة والمتانة“.

وذكره المولى عبدالله الاصفهاني في «رياض العلماء» فقال:

”الشيخ الجليل الشهيد زين الدين أبو الحسن علي بن الحسين بن عبد العالي العاملي الكركي، الفقيه المجتهد الكبير، العالم العلامة، الملقب بالشيخ العلائي والمعروف بالمحقق الثاني، شيخ المذهب“.

مشايخه من الخاصّة والعامة:

روى الشيخ المحقق الكركي ودرس عند كثير من علماء عصره، وقد أجيز من معظمهم، منهم:

الشيخ شمس الدين محمد بن خاتون العاملي.

الشيخ زين الدين أبي الحسن علي بن هلال الجزائري.

الشيخ شمس الدين محمد بن داود.

الشيخ احمد بن الحاج علي العاملي.

زين الدين جعفر بن حسام العاملي.

الشيخ أبو يحيى زكريا الأنصاري

الشيخ عبد الرحمان ابن ابانة الأنصاري «في مصر»

الشيخ علاء الدين البصروي «في دمشق».

تلامذته والراوون عنه:

1  السيد الأمير محمَّد بن أبي طالب الاسترابادي الحسيني الموسوي.

2  السيد شرف الدين علي الحسيني الاسترابادي النجفي.

3 و4  ومن تلامذته: الشيخ علي بن عبد العالي الميسي، والشيخ إبراهيم ولده.

5  المولى كمال الدين درويش محمَّد ابن الشيخ حسن العاملي «النطنزي».

6  الشيخ زين الدين الفقعاني.

7  الشيخ أحمد بن محمَّد بن أبي جامع العاملي.

8  الشيخ علي المتشار.

9  الشيخ أحمد بن محمَّد بن خاتون العاملي.

10  الشيخ نعمة الله بن أحمد بن محمَّد بن خاتون العاملي «ولده».

11  الشيخ إبراهيم بن علي بن يوسف الخونساري الاصفهاني.

12  الشيخ علي بن هلال بن علي بن هلال الجزائري العاملي الكركي.

مصنفاته ومؤلفاته:

1  شرح «قواعد الأحكام».

2  كتاب النفحات.

3  الرسالة الجعفرية.

4  قاطعة اللجاج في تحقيق حل الخراج.

5  الرسالة الرضاعية.

6  رسالة الجمعة.

7  حواشي «مختلف الشيعة».

8  حواشي كتاب «شرايع الإسلام».

9  حواشي كتاب «ارشاد الأذهان».

10  رسالة السبحة «والخراجية».

11  الخيارية.

12  المواتية، و«الجعفرية» و«الرضاعية».

13  شرح الألفية «للشهيد الأول في الفقه».

14  رسالة أقسام الأرضين.

15  رسالة صيغ العقود والايقاعات.

16  رسالة السجود على التربة.

17  رسالة الجنائز.

18  رسالة أحكام السلام.

19  النجمية.

20  المنصورية.

21  رسالة في تعريف الطهارة.

22  المطاعن المحرمية.

23  رسالة في العدالة.

24  رسالة في الغيبة.

25  الرسالة الحجية.

26  حاشية على «تحرير الأحكام» للعلامة في الفقه.

27  الرسالة الكريّة.

28  حاشية على «المختصر النافع» للمحقق.

29  رسالة طريق استنباط الأحكام.

30  رسالة في عدم جواز تقليد الأموات.

وفاته:

يذهب السيد حسن الصدر في «تكملة أمل الآمل» إلى أن وفاته كانت في النجف الأشرف في اليوم الثامن عشر من شهر ذي الحجة الحرام سنة 940 هـ، وعلى هذا التاريخ يقول معظم تحدث عن ترجمة المحقق الكركي.

الصفات المشتركة بين الأحسائي والكركي:

بالرغم من وجود مجموعة من العناصر المشتركة بين الشيخ محمد بن أبي جمهور الأحسائي والمحقق الكركي، سواء على مستوى التفكير أو التصنيف، إلا أننا لم نعثر على أي علامة تدل على حدوث لقاء بينهما، ولعل كون الأخير متأخر عن الأول عدة عقود، ساهم في البعد بينهما وعدم التلاقي، والشيء الذي نستطيع الجزم به أن الكركي كان على اطلاع بتراث الشيخ الأحسائي ودراية بآراءه الفقهية والأصولية، فقد ذكر الميرزا علي بن موسى بن محمد شفيع الخراساني التبريزي «1277 هـ - 1330 ه»، صاحب كتاب ”مرآة الكتب“: بعد ذكر كتاب ”المسالك الجامعية في شرح الرسالة الألفية الشهيدية“ قال: ”فإن المحقق الكركي قد أشكل على بعض عبارات ومطالب هذا الشرح“[9] .

مما يؤكد درايته بمصنفات ابن أبي جمهور واطلاعه عليها، وعلى علم بمقامه العلمي، لذا أشكل عليه ونقد بعض عبارات شرحه.

ولا يبعد استفادته منه في بعض كتبه، وإن لم يصرح بذلك، أما أهم علامات الاتفاق بينهما فهي كما يلي:

1 - التتلمذ على الشيخ علي بن هلال الجزائري الكركي:

كان الشيخ الجزائري أستاذ الفقهاء والمجتهدين لما له من مقام علمي كبير، وشهره واسعة جعل التتلمذ عليه والحظوة بحضور درسه شرفاً يسعى إليه الأساطين من العلماء، فكان ممن تبارك بحضور درسه الشيخ ابن أبي جمهور واعتبره من مشيخة إجازته، وفي نفس الوقت هو من أساتذة الشيخ علي بن الحسين الكركي، ومن مشيخته في الإجازة الروائية.

فعلى هذا كلا العلمين ممن تتلمذ على الشيخ على بن هلال الكركي، وإجيز منه بالرواية.

2 - كلاهما من أعلام القرن التاسع والعاشر الهجري:

يعتبر كلاً من الشيخ ابن أبي جمهور والمحقق الكركي من أعلام القرن التاسع والعاشر الهجري على اعتبار إن الأحسائي عاش إلى بعد سنة 906 هـ ، على أقل التقادير، والشيخ الكركي عاش إلى سنة 940 هـ ، فهما وإن لم يكونا من جيلٍ واحد، لكنهما من نصف قرن واحد، فالفاصلة بينهما ثلاثة عقود تقريباً.

مما يعني إن مرحلة العطاء العلمي لكلاهما متقاربة، ويمتلكان مصادر ثقافة مشتركة، ورؤية بينها تماهي وتشابه لا أقلاً في المجالات الفقهية والأصولية، وقد تجلت بشكل واضح في التوجيه نحو أهم الكتب الهامة لطالب العلم في الحقل الفقهي والأصولي والرجالي.

3 - التأثر بالمدرسة الحلية:

إن الحقبة التي عاشها كلا العلمين هي الحقبة التي لمع فيها دور ونجم مدرسة الحلة على حساب مدرسة النجف التي وإن لم تنتهي، لكنها بلا شك ضعفت بدرجة كبيرة بانتقال الثقل العلمي منها إلى جارتها مدينة الحلة بوجود أعاظم علماء الشيعة فيها، كصاحب السرائر ابن إدريس، والمحقق الحلي، والعلامة الحلي، وابنه فخر المحققين، والشهيد الأول محمد مكي العاملي، وغيرهم.

هذه الشخصيات العلمية كانت لها بصمتها وهيمنتها على كتابات الشيخ الأحسائي وخصوصاً العلامة وابنه الفخر، والشهيد الأول، وينجر الأمر أيضاً على المحقق الكركي الذي استفاد كثيراً من مصنفاتهما وتأثر بها حاله حال الكثير من أعلام تلك المرحلة، وقد كتبا الشروح والحواشي على مصنفاتهم.

4 - الهجرة إلى إيران والاتصال بحكامها:

فقد هاجر إلى بلاد فارس كلاً من الشيخ الأحسائي والمحقق الكركي، أما ابن أبي جمهور وإن خفيت عنا معالم صلته بالحكام في بلاد فارس، خصوصاً وإيران في عصره كانت غير موحدة، فقد كانت دويلات صغيرة موزعة على أقطار عدة بينها تصارع وتناحر.

فقد سبق وجوده تكون الدولة الصفوية التي قامت بتوحيد البلاد سنة 906 هـ  - 1501م، أي أواخر حياة ابن أبي جمهور الأحسائي، وما تقدمه المصادر سوى لمحة بسيطة حول علاقته الطيبة بأمراء أسترآباد، وحكام مدينة مشهد الرضا ، الذين أهدا لهم كتابيه ”عوالي اللآلي“ و”درر اللآلي العمادية“، وذلك بسبب نأيه عن الاتصال بالحكام وتكريس حياته للصعيد العلمي الصرف، حيث قضى معظم وقته في التدريس والتصنيف، والدعوة والإرشاد.

أما الشيخ الكركي فقد جاء إلى بلاد فارس بعد تكون الدولة الصفوية فكانت له علاقة وطيدة بحكام الدولة الصفوية التي كانت في أول عهدها، وإن لم تدم تلك العلاقة طويلاً، لأسباب لا يعنينا هنا ذكرها والتطرق لها.

إلا أن علاقته كانت قوية وكان من المقربين لحكامها، وقد صنف خلال هذه الفترة رسالته ”قاطعة اللجاج في تحقيق حل الخراج“ وغيرها، مما تطلبه موقعه كمفتي الديار في عصره.

5 - التدريس في الحوزة النجفية:

رغم ما تمر به الحوزة النجفية من عزوف عنها لصالح جارتها الحوزة الحلية، فإن كلا الشيخين الأحسائي والكركي قاما بفتح الدرس فيها، فكان لوجودهما أثر كبير في جذب الطلاب للحوزة النجفية والتشرف بالدرس قريباً من مشهدها العلوي الشريف، بل كان فيها أوج نشاطهما العلمي، حتى أصبحا جزء من تاريخ الحركة العلمية في النجف الأشرف، خلال نهاية القرن التاسع الهجري بالنسبة لابن أبي جمهور، والعقود الأولى من القرن العاشر الهجري بالنسبة للمحقق الكركي.

6 - التشابه الفكري في بعض المصنفات:

وهذا يتجلى من خلال عدة مصنفات هي:

أ - فقد كتب الشيخ الأحسائي رسالة في عدم جواز تقليد الميت ابتداءً، وهي ”قبس الاقتداء في شرائط الإفتاء والاستفتاء“، وكتب المحقق الكركي رسالة ”عدم جواز تقليد الميت“.

ب - الشيخ ابن أبي جمهور صنف رسالة ”كاشفة الحال عن أحوال الاستدلال“ وهي في علم الاستعداد، والشيخ الكركي صنف رسالة: ”طريق استنباط الأحكام“ وهي كذلك تتطرق لعلم الاستعداد.

ج - يوجد للشيخ الأحسائي كتب في شرح «ألفية» الشهيد الأول محمد مكي العاملي في الفقه، سماه ”المسالك الجامعية في شرح الرسالة الألفية الشهيدية“ ورسالة ”التحفة الحسنية في شرح الألفية“.

وفي المقابل المحقق الكركي كتب ”شرح الألفية للشهيد الأول في الفقه“ وكانت له ملاحظات على شرح الشيخ الأحسائي للكتاب مما يعني اطلاعه عليه واستفادته منه، هذا التشابه في المصنفات يدل على وجود نوع من التلاقي الفكري على الصعيدين الفقهي والأصولي بين العلمين الكبيرين.

مقارنة بين رسالتين:

نظراً للتشابه الكبير في المنهج بين رسالة الشيخ ابن أبي جمهور ”كاشفة الحال عن أحوال الاستدلال“ ورسالة المحقق الكركي ”طريق استنباط الأحكام“[10] ، خلق لدينا اعتقاد كبير إن رسالة الكركي الموجزة هذه في بعض جوانبها، ما هي إلا اختصار لرسالة الشيخ محمد ابن أبي جمهور لتقدم الأحسائي في التصنيف والشمول في البحث، وإن اختلفت العبارة بينهما وهذا ما سنحاول تبيانه من خلال عرض الرسالتين والمقارنة بينهما خصوصاً وأنهما متشابهتان في الهدف والغاية.

وتكمن أهمية هذه الرسالة لابن أبي جمهور ”كاشفة الحال“ أنها أول رسالة شيعية تتناول الطريق لطالب العلم في كيفية الاستدلال من خلال إرشادات وتوجيهات متعددة، تبين له الطريق إلى القدرة على استنباط الحكم الشرعي، فهي ليست رسالة أصولية بالمعنى المتعارف، وإنما قراءة لما 

بين السطور لطالب العلم كي يفهم ما له وما عليه، بمنهجية علمية مبتكرة ورائدة في مجالها.

سنحاول خلال السطور القادمة المقارنة بين الرسالتين بجعل رسالة ابن أبي جمهور ”كاشفة الحال عن أحوال الاستدلال“ منهجاً نمشي عليه بعرضه بشيء من التفصيل والإطناب لما تحويه من فوائد علمية جمة، خاصة وأنها صنفت في القرن التاسع الهجري، ثم سنتطرق إلى رسالة المحقق الكركي ”طريق استنباط الأحكام“، بعدها سنبين المواطن التي يتفقان فيها في نفس الموضوع ليسهل المقارنة بين الأسلوبين، والرأيين في نفس النقطة والزاوية.

1 - غرض الرسالة:

ذكر الشيخ محمد بن أبي جمهور في الغرض الذي من أجله أعد الرسالة بقوله: ”فقد التمس مني بعض السادة الإجلاء، والأكابر الفضلاء والأماثل الأدباء، أن أملي له رسالة تشتمل على مالا بدَّ منه، من كيفية السلوك إلى الاستدلال على التكاليف الشرعية، وأخذها على ما وظف من الأصول الدينية، على طريقة أهل البيت ، المأخوذة علومهم بطريق الوحي والإلهام“[11]  .

وهو يتفق بهذا مع ما سنذكره عن الشيخ المحقق الكركي من التعليم والتعريف بطريقة صدور الحكم الشرعي، الذي هو هدف كل فقيه، وغاية كل طالب علم أن يصل إليها، بمكنة وإتقان.

فقد قال المحقق الكركي في مقدمة الرسالة عند بيان الغرض الذي من أجله كتبت الرسالة بقوله: " فقد سألتما أعزكما الله بطاعته وألهمكما سلوك طريق هدايته، وأوصلكما إلى إدراك منهج التحقيق 

بعنايته، تبيين كيفية سلوك المجتهد في استنباط الأحكام. واستخراج الحوادث عن الأدلة، بطريق الاختصار مما أخذناه مشافهة "[12] .

فهو يتفق مع الشيخ ابن أبي جمهور في الهدف العام لكتابة رسالته وهي تعليم وتعريف طالب العلم عن الخطوات والرحم الذي ينتج من خلاله الحكم الشرعي، وإن اختلف الأسلوب والمنهج في بعض جوانبه.

2 - أسلوب العرض:

نجد إن أسلوب العرض عند الشيخ ابن أبي جمهور يميل إلى البسط وإعطاء الرؤية المتكاملة عن شرائط الفقاهة، وبلوغ مرحلة الاجتهاد، فهو يتعامل مع طالب مبتدئ يريد أن يسير على بصيرة من أمره، وأن يأخذ المسار الصحيح خطوة بخطوة، لهذا كانت الخلفية الكتابية للشيخ الأحسائي مبنية على هذا الأساس، فكان منحى الرسالة تفصيلي يتبنى طرح الأمور على أصولها بمراحل تتماشى مع طالب العلم آخذتاً بيده فلا تدخل في مرحلة إلا بعد الفراغ من المرحلة التي قبلها.

لهذا يقول في مقدمته: ”فأجبته مع قصر باعي واشتغالي عن تَسنُّم قلال شواهق هذه العوالي، والجريان في ميدان بحور هذه اللآلي، لكن بسؤاله تحتمت عليَّ الإجابة وصارت فرضاً، فلعل ما نفعله يقع موافقاً للإصابة، وسميتها“ بكاشفة الحال عن أحوال الاستدلال ”، ونسأل من الكريم التوفيق والهداية إلى سواء الطريق، ورتبتها على مقدمة وخمسة فصول وخاتمة“.

فهو لم يتكلم عن إيجاز أو اختصار لأنه لن يتبع أسلوب وعرض موجز، كما تناول الحديث عن صعوبة البحث ومشقته، وهو فعلاً كذلك لأنه سيبدع منهجيته وخطواته البحثية بما لم يسبقه إليه غيره، عبر خطوات متعددة من مقدمة تمهيديه، ثم المراحل المتدرجة في البحث، لينتهي بخاتمة توجيهية رائعة في نهاية الأمر تلخص جميع ما ذكره خلال بحثه السابق.

بمعنى أنه يتحرك من خلال خطوات واضحة المعالم تنقل طالب العلم في جو وعالم آخر مليء بالكتب والتجارب العلمية، وعصارة حياة، بل نستطيع الاعتقاد إن الشيخ ابن أبي جمهور أراد أن يعطي من خلال هذا الكتاب عصارة حياته ومسيرته الدراسية، وما مرَّ به من تجارب طوال مسيرته العلمية الطويلة، وإن لم يصرح بذلك، ثم ليقدمها إلى طالب العلم على طبقٍ من ذهب، خالية من الشوائب والعثرات.

لهذا لا تجد إحالة في الكتاب إلى كتب أخرى، وهذا إما لعدم وجودها بهذا المنحى والمنهج الذي اتبعه، أو أنه أعطى كل ما يحتاجه الطالب من معارف وتجارب لنجاح المسيرة التعليمية مما يغنيه من الرجوع إلى غيره.

ويؤيد هذا الكلام قوله في نهاية المطاف: " ولقد نصحتك غاية النصح، وبينت لك طريق القوم غاية البيان، وأزحت عنك جميع العلل، فاشرب من الحياض الروية، وأجلس على موائدهم الهنيئة، والبس الخُلل، واخلع نعالاً أشراكها رثة، تجلس على بساط القوم، وتكون من أهل الهداية، والسالكين مسلك أهل الولاية.

أسعدك الله وإيانا على الوصول إلى هذه المطالب، ووفقنا وإياك لتحصيل هذه الرغائب، وأسأل منك الدعاء عقيب صلواتك، وفي مواضع خلواتك "[13] .

ثم يقول ”وحيث وفينا بما وعدنا به، فلنقطع الكلام بحمد الله تعالى على الوصول إلى هذا الطريق، والسلوك مسلك أهل التحقيق“[14] .

وهذا يؤكد ما أردنا أثباته من أن الشيخ ابن أبي جمهور جعل منهجه شمولياً متكاملاً يتناول المسألة من جميع أطرافها.

بينما اتبع الشيخ الكركي في رسالته طريقة الإيجاز والاختصار مبتعداً عن التطويل والإسهاب محيلاً ذلك إلى كتب الأصول، والمطولات، وقد أكد هذا الأمر في خاتمة الرسالة، وأن الإطالة ليس هذا محلها فقال: " هذا آخر ما أردنا الإشارة إليه من كيفية الطرق الموصلة إلى استنباط الأحكام، ومعرفة الحوادث على ما سمعناه مشافهة من أساتيذنا - رضوان الله عليهم، وجزاهم أفضل الجزاء - وهو الطريق المشهور في كتب الأصحاب، واقتصرنا منه على هذا القدر لما شرطناه من الاختصار.

فمن أراد الاستيفاء فعليه بمطالعة كتب الأصحاب الأصولية والفقهية والتفتيش عن ذلك في مظانه، يجده مستوفى إن شاء الله تعالى "[15] .

وهذا يختلف عن المنهج الذي اتبعه الأحسائي ابن أبي جمهور في كتابه ”كاشفة الحال“ الذي بسط البحث في عدد من جوانبه، ومهد له بخطوات عديدة قبل الولوج فيه، وتبيين معالمه، لذا استغرقت رسالته أكثر من أربعة أضعاف رسالة المحقق الكركي.

3 - منهجية البحث:

أولاً: كاشفة الحال عن أحوال الاستدلال:

وفيها استعرض الشيخ ابن أبي جمهور الأحسائي بطريقة متدرجة الخطوات الأولى لطالب العلم، والتي تتمثل في البناء الذاتي على الصعيد النفسي والفكري والثقافي في الكتب التخصصية في الجوانب المتعلقة بشرائط القدرة على استنباط الحكم الشرعي وهي كما يلي:

المدخل:

بعد المقدمة وتناول دوافعه لكتابة الرسالة شرع الشيخ ابن أبي جمهور بخطوات تمهيدية في البحث بتناول مسألة معرفة كيفية الاستدلال، ثم تطرق للغرض من الاستدلال وبين الفوائد التي نجنيها من هذه المعرفة، ثم بدأ في النقطة الثالثة: وهي الحاجة إلى الاستدلال، وقد بين خلالها ملامح هذه الحاجة في أسلوب متسلسل من منطلقاً أنه من مقتضيات الحكمة الألهية أن يرسل من بين للناس أمر دينهم وإخذهم إلى طريق الصواب، إلا أن النبي لا يخلد فكان هناك الأئمة والخلفاء من بعده وهؤلاء لا يستطيعون إيصال الرسالة إلى بني البشر بتباعد وجودهم واختلاف سكناهم، كان لابد من وجود نواب لهم كمالية مأخوذة عن النبي ﷺ والأئمة ولهم قوة الاستعداد على إفادة الغير، كان ضرورة وجود الفقيه القادر على الاستنباط الحكم الشرعي دون الرجوع إلى المعصوم لمشقة الأمر مع بعد المسافة.

استدل برواية معاذ عندما بعثه قاضياً إلى اليمن قال له: ”بم تحكم يا معاذ؟ فقال: بكتاب الله تعالى، قال: فإن لم تجد؟، قال: فبسنة رسول الله، قال فإن لم تجد؟ قال: اجتهد رأيي، فقال النبي ﷺ: الحمد لله الذي وفق رسول الله لاجتهاد الرأي“[16] .

المرحلة الأولى: البناء الذاتي لطالب العلم:

بعدها تطرق إلى العلوم التي لا بد منها في الاستدلال، وهي كما يرى تسعة علوم، تتنوع ثلاثة أنواع: العلوم الأدبية وتشمل اللغة والصرف والنحو، والعلوم العقلية: وتحتوي على المنطق والكلام والأصول، والعلوم النقلية: وهي التفسير والحديث والرجال، ثم شرع في العلوم المكملة: وهي المعاني، والعلم بالوفاق والخلاف، والعلم بالفقه.

بعد أن استعرض الأمور السابقة والتعريف بها مروراً سريعاً دون التعرض إلى تفصيلاتها، مع الإشارة إلى كون الفقيه الجامع للشرائط ينبغي إن يكون لديه إلمامة بهذه الجوانب المختلفة، وإن لم يكن على سبيل التعمق والتخصص، ولكنها عدة الفقيه التي يتحرك من خلالها، ويستطيع معرفة طريقه إلى الحكم الشرعي عبرها.

شرائط تحقق الفقاهة:

بدأ بالدخول في صلب البحث بالتطرق إلى القدر المحتاج إليه من هذه العلوم في الاستدلال على المطالب الشرعية، مما لابد منه، وهي كما يلي:

1 - اللغة: وهي لفهم معاني النصوص الشرعية من القرآن الكريم، والأحاديث الشريفة للنبي وأهل بيته، والرجوع لها عند الحاجة عند جهل بعض الكلمات العربية، وهنا يرجع إلى الكتب المعروفة والمشهورة من أهل الاختصاص مثل كتاب ”الصحاح“ للجوهري، و”الجمهرة“ لبن دريد[17] .

2 - الصرف: وهذي أكثر ما يحتاج إليها الأعجمي لاحتياجه إلى معرفة اصطلاحات العرب في مخاطبتهم، ولما كانت اللغة واسعة، وكان الأعجمي غير مطبوع عليها، احتاج إلى معرفة الآلة الضابطة لقوانينهم.

ولكن لما اختلطت الألسنة، وكثر الغلط بسببه، احتاج العربي أيضاً إلى تلك الآلة ليامن الغلط.

ويكفي معرفة وقراءة بعض الكتب التي يقترحها الشيخ ابن أبي جمهور مثل كتاب الزنجاني، والشافية في التصريف[19] .

3 - النحو: فهو علم يحتاج إليه كل الاحتياج، ليامن اللحن في الفهم والتفهيم وفي معاني الكلام، وضوابط دلالاته، لتحصل الفائدة التامة منه، ولا يشترط أن تكون نحوياً كسيبويه، ونفطويه.

بل يكفي المعرفة العامة، والرجوع إلى المصادر عند الحاجة، ويقترح بعض الكتب الجيدة مثل الكافية، واللباب في النحو[20] .

4 - المنطق: وهو الأساس للعلوم والضابط للاستدلال، والفارق بين صحيحه وفساده فلابد من مراعاته وضبطه، ولا يجب أن يكون القمة فيه كأبي نصر الفارابي، وابن سينا، بل يكفي معرفة الضروري منه، ثم يعددها، ويكفي فيه قراءة ”الشمسية“ أو ما دونها من الكتب الضابطة لتلك الآلة.

5 - علم الكلام: وهو أصل الدين فيحتاج إلى معرفته باليقين، والاستدلال على مسائله بالبراهين، من معرفة الله إلى معرفة مبلِّغ التكليف، وعصمته، وشرائطه وفائدته وحافظه، وخفائه، إضافة إلى الجوانب العقلية المختلفة المرتبطة بعلم الكلام، ويوجه إلى قراءة ودراسة عدد من الكتب هي ”نهج المسترشدين“ و”وشرح نَّظم البراهين“ ومناهج اليقين " وأمثالها من الكتب الموضوعة في هذا الفن[21] .

6 - علم الأصول: فهو العلم الذي عليه مدار الشريعة، وأساس الفقه، وجميع أصوله وفروعه مستفادة منه فالاحتياج إليه أمس من سائر العلوم، فلابد من ضبطه غاية الضبط.

ويكفي - من وجهة نظر الشيخ - الإتقان لمثل ”مبادئ الوصول“ و”تهذيب الوصول“، وإن انتهى إلى ”منتهى الوصول“ و”نهاية الوصول“ كان غاية المراد[22] .

7 - التفسير: فالواجب منه على المستدل، ما يتعلق بالآيات المتعلقة بالفقه خاصة، وهي نحو من خمس مائة آية، ولا يجب عليه من التفسير، معرفة ما عدا ذلك من سائر القرآن العزيز.

وخير الكتب في هذا المجال كما يري الشيخ ابن أبي جمهور، ”الرجوع على أحد الكتب الثلاثة المشهورة، التي وضعها علماؤنا لهذه الآيات خاصة، وأفردوها في التفسير مثل كتاب الراوندي، وكتاب“ منهاج الهداية ”للشيخ شهاب الدين أحمد بن المتوج، وكتاب“ كنز العرفان في فقه القرآن ”للشيخ المقداد بن عبد الله السيوري“[23] ، ثم يعقب الشيخ بقوله: " فإنه يكتفي في معرفة تفسير هذه الآيات وكيفية أخذ الأحكام منها بالرجوع إلى بعض هذه الكتب.

والكتاب الثالث أحسن من الأوليين لأن الأول طوّل بذكر الأحاديث، والثاني أوجز غاية الإيجاز، والثالث جمع بينهما وزاد بتقريرات شريفة، وإشارات لطيفة ".[24]  

8 - الحديث: فهو العلم الضابط لأصول المسائل الفقهية، المأخوذة بالنص عن النبي ﷺ، والأئمة ، فلابد من معرفته، والاطلاع على غوامضه.

قالوا ويكفي في ذلك، أحد الأصول الأربعة، أما كتاب الكافي للشيخ محمد بن يعقوب الكليني، أو كتاب التهذيب للطوسي، أو كتاب من لا يحضره الفقيه للقمي أو الاستبصار للطوسي[25] .

9 - الرجال: فهو علم يحتاج إليه المستدل غاية الحاجة، لأن به يعرف صحيح الأحاديث من فاسدها، وصادقها ن كاذبها، لأنه من عرف الراوي عرف الحديث، ومتى جهله جهله، وفي هذا الحقل المعرفي يكتفي بكتاب ”خلاصة الأقوال في أحوال الرجال“ للعلامة، وإن كان معه كتاب ”ابن داوود“ فقد بلغت وأصبت[26] .

ثم يتعرض الشيخ ابن أبي جمهور بعد هذا السرد الطويل للعلوم الهامة، وأهم الكتب في كل علم اختصاراً لطالب العلم عن التشتت والضياع بين الكتب.

يشرع في تبيان العلوم المكملة وأهمها:

11 - المعاني: فالواجب منه معرفة ما يتعلق بالآيات القرآنية، والأحاديث المتعلقة بالفقه خاصة، ليعرف به الفصاحة والبلاغة، المشتمل عليها تلك 

الآيات والأحاديث، ويكتفى منه مثل كتاب «تلخيص المفتاح»[27] .

12 - ثم يتناول العلم بالوفاق والخلاف، فهو ما يحتاج إليه في الاستدلال غاية الحاجة، وإلا لم يأمن المستدل أن يقع دليله على ما خرج عن الإجماع، فيشذ عن الأمة ويقع في الخطأ، لأن اجتهاده مقيد بما لم يقع فيه الإجماع من المسائل الخلافية.

والواجب عليه معرفة إجماع الفرقة المحقة، ولا يجب عليه معرفة إجماع باقي الأمة بعدها ينتخب الشيخ من الكتب ”مختلف الشيعة“ للعلامة الحلي، و”المهذب“ لابن فهد الحلي، و”التنقيح“ للشيخ المقداد، فإن فيها كفاية، ولو أضاف كتاب ”إيضاح الفوائد لشرح إشكالات القواعد“ فخر المحققين الحلي فهو من محاسن الكتب في هذا المجال[28] .

13 - علم الفقه: فالمقصود منه الاطلاع عليه ومعرفة مسائله، ليكون المستدل عارفاً بمطالبه،، التي يريد الاستلال عليها، بطري التصور الإجمالي.

ثم يستعرض الشيخ الجوانب المختلفة لمقصوده مع توضيح مراده، بعدها يستعرض مجموعة من كتب المتقدمين والمتأخرين، أما أحسنها ”شرائع الإسلام“ للمحقق الحلي، و”قواعد الأحكام“ للعلامة الحلي، ومن كتب المتقدمين ”المبسوط“ للشيخ محمد بن الحسن الطوسي، أما المتأخرين فمنها ”الدروس“ للشهيد الأول، و”الذكرى“ له أيضاً.[29] 

كان كل ما تقدم من وجهة نظر الشيخ ابن أبي جمهور خطوة توضيحية عن التهيئة الفكرية والعلمية لمن أراد أن يخوض في غمار الفقه، ويركب موجه،

فبلا استعداد وتهيئة يكون كمن يركب البحر دون مركب، فمصيره الغرق والتخبط بلا شك.

أما من هيئ ذهنه، ونهض بفكره وثقافته العلمية عبر الدراسة والمطالعة الجادة في بطون الكتب المتخصصة، وفق الخطة التي رسم خطوتها الشيخ الأحسائي، فقد جعل في نفسيه الأرضية الصالحة للاستدلال، والتعامل مع الأدلة ومصادر التشريع، وهي الخطوة التالية من مراحل صناعة الفقيه الناجح.

المرحلة الثانية: في كيفية الاستدلال:

وبدأها بالتعريف بالأدلة الأربعة وهي: الكتاب والسنة والإجماع وأدلة العقل.

ثم راح يبين كل واحدة منها كما يلي:

أما الكتاب: فالكلام في دلالته على الأحكام الشرعية، لأنه إنما أنزل لإهداء المكلفين، وانقيادهم على طاعة الله الحق سبحانه، وهو الدليل القاطع والحجة البالغة، ثم راح يبين الجوانب المختلفة إلى أن يقول ”ويستدل منه بالنص والظاهر، والمنطوق والفحوى، والتنبيه والخطاب، وله عوارض هي الأمر والنهي والمحكم والمتشابه، والنص والظاهر، والمجمل والمبين، والمشترك والمأول، والحقيقة والمجاز، والعام والخاص والمطلق والمقيد، والناسخ والمنسوخ“[30] ، حتى يقول، ”فليرجع المستدل فيه إلى كتب التفسير الموضوعة لذلك، أعني كتب خمسمائة الآية، المشار إليها فيما تقدم، فإن له غنية عن كتب التفسير“[31] .

ونص ما كتبه فيما تقدم: " أما السنة: فهو الدليل الثاني التالي للكتاب، فما لم نجده من الأحكام في الكتاب العزيز أو عسر علينا أخذ الحكم منه، رجعنا فيه إلى السنة، وهي أما متواتر أو آحاد.

والمتواتر منها فلا كلام فيه لضروريته. أما الآحاد فلابد فيه من بيان حال الناقل، ومعرفته بالعدالة والصلاح، حتى ينتهي إلى المنقول عنه الحديث، أما النبي أو الإمام عليهم الصلاة والسلام.

أما الإجماع: فلا ريب في ثبوته وتحقق وجوده، والمخالف في وجوده شاذ لا يعبأ به لاتفاق أكثر الأمة على وجوده وحجيته، وقيام الدليل على ذلك.

ثم فصل جوانب مختلفة من الإجماع، بعدها قال إن حجية الإجماع بالحقيقة لدخول المعصوم فيه، فيجب عليه الرجوع إلى ذلك الإجماع.

وبين شرائط العمل بالإجماع والتصرف عن التعارض، ووجود المخالف بتفصيلات شيقة تساعد الطالب على فهم معنى حجية الإجماع.

أما أدلة العقل: فقررها الشيخ الأحسائي كالآتي: " فقد وقع الخلاف فيها بين الأصوليين، في المعتبر منها في الأدلة على الأحكام، وأكثرهم على أنها ثلاثة، البراءة الأصلية، والاستصحاب، والقياس، وأصحابنا قائلون بالأولين، وأما الثالث فيختلفون فيه، وأكثر المتقدمين منهم على المنع من دلالته على الأحكام مطلقاً، وكثير من المتأخرين أجاز العمل بمنصوص العلة منه، واستدل به على الأحكام.

أما البراءة الأصلية: فلا كلام في دلالتها، وليست هي في الحقيقة دليلاً شرعياً، لأنها لا تُثبت حكماً، وإنما هي نافية له، إذ الأصل براءة ذمة المكلف من جميع الأحكام حتى يرد المزيل الشرعي عن ذلك الأصل، فيتحقق الحكم ويحصل شغل الذمة حينئذٍ "[32] .

بعدها شرح معنى القول بالقياس والاستصحاب وضابطة العمل بأي منها، ببيان واضح بما يتناسب وحجم الرسالة.

وتعرض الشيخ في كتابه إلى مجموعة من المسائل الأصولية نستعرض جملة منها تبعاً لأهميتها وهي كما يلي:

أنواع الأخبار:

إن الأخبار الواردة عن الأئمة :

إما متواتر: ولا كلا فيه لإفادته العلم، لان المتواتر منها يراد به ما أفاد العلم.

وأما غير المتواتر، لكن اشتهرت بين الطائفة، واستفاضت بين علمائها، وهو المسمى عندهم بالمشهور والمستفيض، ونعني به ما أفاد متاخمة العلم.

وأما الآحاد: وهو ما أفاد الظن، نعني ما كان رواته ثلاثة فما دون، وهو المسمى عندهم بخبر الواحد.

وقسموه إلى أربعة أقسام: ثلاثة يعملون بها، وواحد يطرحونه:

الأول: الصحيح: وهو ما رواه العدل الإمامي عن العدل الإمامي، وهكذا متصلاً بالمعصوم، ويسموه المتصل والمعنعن والمسند.

الثاني: الحسن، وهو ما رواه الممدوح من الإمامية، الذي لم يبلغ مدحهم له إلى التصريح بعدالته، بأن تكون السلسلة كلها كذلك، أو يكون في الطريق ولو واحد.

الثالث: الموثق: وهو ما رواه العدل الغير الإمامي، الموثوق بنقله، المعلوم من حاله التحرز عن الكذب.

الرابع: الضعيف: وهو مروي غير الإمامي الموثّق، أو الإمامي الذي لم نعلم عدالته.

وقد فصل في النقاط الأربع وتحدث عن ضوابطها، والخلاف الواقع حول خبر الآحاد بين العلماء.

وأما المراسيل: فلم يعمل أصحابنا بها إلا بأحد شروط أربعة:

الأول: أن يكون الراوي أرسله مرة وأسنده أخرى.

الثاني: أن يكون أرسله واحد وأسنده آخر.

الثالث: أن يعتضد بأحد الأدلة، أو بعمل الطائفة، أو فتوى أكثرهم أو اشتهاره بينهم.

الرابع: أن يكون الراوي المرسل عُلم من حاله أنه لا يرسل إلا عن الثقات المتحقق عنده عدالتهم. ومن هذا الباب عملهم بروايات:

محمد بن أبي عمير الكوفي، ومن المتقدمين أبي نصر، وزرارة بن أعين وأخيه، وصفوان بن يحيى، وأحمد بن أبي نصر البزنطي، ومحمد بن بزيع، وغيرهم.

ومن المتأخرين الفضل بن شاذان، دون يونس بن عبد الرحمن، ومحمد بن الحسن بن الوليد، وابن قولويه، والشيخ المفيد، لا الشيخ الطوسي، والعلامة جمال الدين بن المطهر، لا نجم الدين بن سعيد، وجمال المحققين فخر الدين، لا الشهيد، والشيخ أحمد بن فهد والشيخ المقداد، فإن الذي يقوى في ظني وأعمل عليه العمل بمراسيل هؤلاء، لأني وجدت أكثر رواياتهم واغلبها صحيحة الطرق، خلية عن التخليط، دون من استثنيناه منهم بلفظة ”لا“ و”دون“ فإني لم أجد رواياتهم كذلك[33]  .

بعدها تطرق الشيخ في كتابة إلى نقطة مهمة وهي تحت عنوان ”فيما يقع فيه الاستدلال والاجتهاد“، وهو كل الأحكام الشرعية والمسائل الاجتهادية التي وقع فيها البحث في علم الفقه، وهي ثلاثة أمور:

الأول: ما دل عليه نص الكتاب، والثاني: ما دل عليه نص السنة النبوية والإمامية، أو ظاهرها أو منطوقها، أو فحوها، والثالث: الأحكام التي وقع عليها الإجماع من أهل العصر، ومن سلف قبلهم من المجتهدين، سواء كان إجماع مجموع الأمة أو إجماع الفرقة المحقة، فإنه ليس محل الاجتهاد أيضاً[34] 

وقد تناول كل نقطة من النقاط الثلاث بما لا مزيد عليه، حيث تناولها بآراء الفقهاء المختلفة، مبيناً رأيه في نهاية الأمر.

وأخيراً يختم الرسالة في المستدل وشرائطه، فتعرض فيه إلى ثلاث نقاط هامة، هي المستدل، والمستفتي، وما يصح الاستفتاء فيه، وقد عرفها وشرح متعلقات كلٍ منها بدرجات متفاوته، لينهيها بتوجيه وإرشاد عام لطالب العلم.

أتبع الشيخ الكركي النهجية المباشرة في الموضوع طالما أنه يتخذ منى الإيجاز والاختصار، فترك الجانب النظري وعوامل التهيئة للفقيه، ودخل في صلب الموضوع بالحديث مباشرة في خطوات صنع الحكم الشرعي وطريقة ولادته من أدلته الشرعية، مع الإشارة إلى بعض الجوانب المهمة والتوجيهات التي تساعد الطالب للوصول إلى مراده.

ثانياً: طريق استنباط الأحكام:

أما المحقق الكركي فإن طريقته في العرض مختلفة عن المنهج الذي اتبعه الشيخ ابن أبي جمهور في رسالته، فقد كتبها على نحو الإيجاز، والدخول في صلب الموضوع مباشرة عبر الحديث عن الخطوات العملية لاستنباط الحكم الشرعي بالحدث عما يلي:

فقد بدأ رسالته بتعداد الأدلة الأربعة التي هي الأساسي للحكم الشرعي، وهي كما يلي:

أولاً: الكتاب وكيفية استفادة الحكم منه.

ثانياً: السنة وكيفية استفادة الحكم منه.

ثالثاً: الإجماع، وكيفية معرفته.

رابعاً: أدلة العقل، وقد تفرع عنه الكلام عن القياس والعمل به.

ثم بين الدليل على العمل بالأدلة الأربعة.

بعدها تطرق إلى الدليل على وجوب الاجتهاد.

وقام بالتفريق بين ما هو محل الرواية وما هو محل الفتوى.

ليأتي إلى بيان الواجب على العامي العمل به. ثم ليختم الرسالة بالكلام عن كيفية تصرف المجتهد في الحوادث التي هي محل الفتوى.

فيكون بهذا مختلف عن المنهج الذي اتبعه الشيخ محمد ابن أبي جمهور في رسالته، وإن تشابه معه في مجموعة من النقاط سنتطرق لها في موطن آخر، فقد تحدث الشيخ الأحسائي عن ثقافة الفقيه وجوانب اطلاعه، وذلك لخلق الأرضية الصلبة لوقوف الحكم الشرعي، وحماية له عن الانحراف عن الجادة، بينما افترض الشيخ الكركي إن من يريد استنباط الحكم حريٌ به أن يكون قد تخطى هذه المرحلة وأعد المقدمات الضرورية ليدخل معه مباشرة في عملية الاستنباط.

4 - نقاط الالتقاء بين الرسالتين:

هناك نقاط عديدة متشابهة بين الرسالتين نذكر بعض النماذج منها على سبيل المثال لا التقصي الكامل، نعرف من خلالها تشابه الرؤية لدى العلمين في بعض المسائل المرتبطة بطالب العلم:

- في الجانب المتعلق بالتفسير قال الشيخ محمد بن أبي جمهور لا يحتاج طالب العلم إلى معرفة التفاسير بشكل عام وإنما ينبغي أن تتركز عنايته بالكتب المتعلقة بتفسير آيات الأحكام الخمس مائة فقال ”الرجوع على أحد الكتب الثلاثة المشهورة، التي وضعها علماؤنا لهذه الآيات خاصة، وأفردوها في التفسير مثل كتاب الراوندي، وكتاب“ منهاج الهداية ”للشيخ شهاب الدين أحمد بن المتوج، وكتاب“ كنز العرفان في فقه القرآن ”للشيخ المقداد بن عبد الله السيوري“[35] ، ثم يعقب الشيخ بقوله: " فإنه يكتفي في معرفة تفسير هذه الآيات وكيفية أخذ الأحكام منها بالرجوع إلى بعض هذه الكتب.

والكتاب الثالث أحسن من الأوليين لأن الأول طوّل بذكر الأحاديث، والثاني أوجز غاية الإيجاز، والثالث جمع بينهما وزاد بتقريرات شريفة، وإشارات لطيفة "[36] .

لذا في النقطة المتعلقة بالأدلة الأربعة وأولها ”الكتاب“، قال في فهمه يحتاج رجوع " المستدل فيه إلى كتب التفسير الموضوعة لذلك أعني كتب خمسمائة الآية المشار إليها فيما تقدم، فإن له غُنية عن كتب التفسير "[37] ، وذلك تفادياً للتكرار.

في المقابل نجد الشيخ الكركي في الحديث عن نفس النقطة ”الكتاب“ نراه يقول بما نصه: " ويحتاج في ذلك إلى معرفة دلالات الألفاظ، والمحكم والمتشابه، والحقيقة والمجاز، والأمر والنهي، والعام والخاص، والمطلق والمقيد، والمجمل والمبين، والظاهر والمؤول، والناسخ والمنسوخ.

ويرجع في معرفة هذه العوارض إلى علم الأصول، فإنه مستوفى فيه بالنسبة إلى الأمور الكلية.

وبالنسبة إلى الجزئيات المستنبطة يراجع الآيات المشهورة ب «الخمسمائة» التي هي مدار الفقه، ويكتفي فيها بأحد الكتب الثلاثة التي عملت لتلك: أما كتاب الراوندي، أو كتاب الشيخ البارع أحمد بن متوج «منهاج الهداية»، أو كتاب الشيخ المقداد «كنز العرفان»، وهو أحسن الثلاثة لاشتماله على المباحث المذكورة بالنسبة إلى كل آية "[38] .

وهنا نلحظ التشابه الكبير في المعنيين وإن اختلفت الألفاظ.

- في الحديث المرسل، يقول ابن أبي جمهور: " أن يكون الراوي المرسل عُلم من حاله أنه لا يرسل إلا عن الثقات المتحقق عنده عدالتهم. ومن هذا الباب عملهم بروايات:

محمد بن أبي عمير الكوفي، ومن المتقدمين مثل أبي بصير، وزرارة بن أعين، وأخيه، وصفوان بن يحيى، وأحمد بن أبي نصر البزنطي، ومحمد بن بزيع، وغيرهم.

ومن المتأخرين الفضل بن شاذان، دون يونس بن عبد الرحمن، ومحمد بن الحسن بن الوليد، وابن قولويه، والشيخ المفيد، لا الشيخ الطوسي، والعلامة جمال الدين بن المطهر، لا نجم الدين بن سعيد، وجمال المحققين فخر الدين، لا الشهيد، والشيخ أحمد بن فهد، والشيخ المقداد، فإن الذي يقوى في ظني وأعمل عليه العمل بمراسيل هؤلاء، لأني وجدت أكثر رواياتهم واغلبها صحيحة الطرق، خلية عن التخليط، دون من استثنيناه منهم بلفظة ”لا“ و”دون“ فإني لم أجد رواياتهم كذلك[39] .

نجد المحقق الكركي عند تعرضه لنفس النقطة يقول عبارات مشابهة لما أثبته الشيخ الأحسائي، حيث يقول: " ولا يعمل أصحابنا من المراسيل إلا بما عرف أن مرسله لا يرسل إلا عن الثقات، كابن أبي عمير، وأبي بصير، وابن بزيع، وزرارة بن أعين، وأحمد بن أبي نصر البزنطي، ونظرائهم ممن نص عليه علماء الأصحاب.

والذي أخذناه بالمشافهة في مراسيل المتأخرين من أصحابنا: العمل بمراسيل الشيخ جمال الدين، وولده، ومراسيل الشيخ المقداد، والشيخ أحمد بن فهد، لا مراسيل الشهيد، ولا الشيخ نجم الدين "[40] .

وهنا لعل التشابه في القبول والرفض للمراسيل منشأه الرؤية المتسالمة بين أعلام ذلك العصر فيمن تقبل مراسيله ومن ترفض، فكانت النتائج متشابهة بينهما، ويبقى خيار اطلاع الشيخ الكركي على رسالة ابن أبي جمهور وارداً، للاستفادة منها، وإن أختلف معه في بعض المسائل والنتائج.

- التشابه في مصادر الثقافة الموجهة من قبل الشيخين الأحسائي والكركي لطالب العلم، إلى حدٍ كبير، فقد ذكر الشيخ الأحسائي مجموعة من الكتب الضروري معرفتها والإطلاع عليها في كل فنون العلم، بما يرفع من شأن الطالب، ويختصر عليه الطريق من الضياع بين غث وسمين الكتب، وقد قسم كل علم بحسبه.

وفي المقابل قام الشيخ الكركي بنفس الدور والمهمة من التوجيه والإرشاد، وقد ذكر في رسالته الصغيرة مجموعة من الكتب مبيناً خصوصية بعض الكتب على بعض بما يخدم الطالب ويسهم في الرقي من معرفته، وإن اختلف في طريقة العرض عن المنهج الذي اتبعه ابن أبي جمهور.

وبما أننا تناولنا الكتب التي تعرض لها ابن أبي جمهور حين عرض الكتاب وبيان منهجه، فلا نعيد ونكتفي بما ذكره المحقق الكركي في رسالته، لنلحظ مدى التطابق بين الكتب المطلوب معرفتها في الكثير من الجوانب أن لم نقل جميعها، وهي كما يلي:

في علم الرجال لمعرفة الصحيح والحسن والموثق والضعيف ذكر المحقق الكركي «الخلاصة» للعلامة الحلي، وابن داود في كتابه «الرجال» فهي المعتمدة للجرح والتعديل بين الأعلام[41] ، إلا أنه يضيف: ”وهنا طريق أسهل منه: وهو أن الشيخ جمال الدين قد ألف في ذلك، واستعمل في كتبه خصوصاً «المختلف» أن يذكر الصحيح بوصفه، والحسن بوصفه، والموثق بوصفه كذلك، ويترك الضعيف بغير علامة، وهو علامة ضعفه“[42]  .

كما ذكر كتب الحديث المعتمدة عند الشيعة للأحكام الشرعية وهي «الاستبصار» و«التهذيب» للشيخ الطوسي، و«من لا يحضره الفقيه» للقمي[43]  ، في معرض توجيهه بالاستفادة من كتاب «الخلاصة» أنه بين طرقهم الصحيح وغيره.

وان الخلاصة كان معتمد المتأخرين في توثيق وتضعيف الرواة في كتبهم وذكر منها: «الإيضاح» فخر الدين الحلي، و«شرح القواعد» للسيد ضياء الدين، والشهيد في كتبه وهي «الذكرى» و«شرح الإرشاد»، والشيخ أحمد بن فهد الحلي في «مهذبه» والشيخ المقداد في «تنقيحه»[44] .

والكتب الحديثية الأربعة المعتمدة في الروايات عند أصحابنا وهي «الكافي» للشيخ محمد بن يعقوب الكليني، وكتاب «من يحضره الفقيه» للصدوق ابن بابويه، وكتاب «التهذيب» و«الاستبصار» للشيخ أبي جعفر الطوسي[45] .

ومن كتب الأدلة: كتاب «المختلف» و«التذكرة» للشيخ جمال الدين، وكتاب «الإيضاح» لولده، وكتاب «المهذب» للشيخ أحمد بن فهد، وكتاب «التنقيح» للشيخ المقداد[46] .

”وفي كتب الرجال: كتاب «الخلاصة» و«كتاب ابن داود»، والدستور الذي اعتمده العلامة في «الخلاصة» مغن عن مطالعة كتب الرجال“[47] .

وهذه المكتبة جميعها تطرق لها الشيخ ابن أبي جمهور بأسلوب مختلف، ولكن هي من الكتب المهمة من وجهة نظرهما أن يقتنيها طالب العلم، ومن أساسيات مكتبته.

ونلحظ هنا في كتب العَلَمين مدى التأثر الكبير بالمدرسة الحلية وبأعلامها، وهيمنتهم على الثقافة الفقهية والأصولية والرجالية، فمثلاً ما ذكره الشيخ 

الكركي من كتب جميعها لأعلام مدرسة الحلة، إلا المصادر الأربعة المتفق عليها بين العلماء.

ولا يختلف عنه الشيخ الأحسائي في المجالات نفسها، إلا أنه زاد مجموعة كبيرة من الكتب في مجالات مختلفة، ولكن تبقى مدرسة الحلة لها بصمتها القوية لعلو قامة أعلامها، وما قدموه من نتاج متميز خلال ثلاثة قرون من الزمن.

رسالة توجيهية لطالب العلم

في خاتمة كتاب «كاشفة الحال عن أحوال الاستدلال»، وضع الشيخ محمد بن علي ابن أبي جمهور الأحسائي رسالة توجيهية في غاية الأهمية لطالب العلم، تشتمل على مجموعة من النصائح التي لا يستغني عنها كل طالب علم، سطّرَ فيها خلاصة تجربته العلمية، نوردها هنا للفائدة والأهمية[48] ، كما أورد فيها الإشارة إلى علم الاستعداد في العديد من عباراتها:

" فنقول: إذ قد عرفت ما أفدناه في هذه الفصول، واطلعت على نفائس أسرار هذا المطلوب، وعلمت بذلك سهولة الطريق، وقرب المسافة وإزاحة العلل، وقطع الموانع، فشمّر العزم، وجدّ في الطلب، واقطع المراحل، وسر في الطريق، إذ لا عذر لك في التخلف عن لحوق الرفقة بعد رفع الأعذار، ومعرفتك بسهولة المسلك وحاجتك إليه، فحصّل الأهبة لتصلح للرحلة، واجمع النظر، وأكثر من الفكر، وكن دائم الحركة، فإن فرضك السير والسلوك، وقطع المراحل، وإياك والسكون، والتردد الخالي عن الجزم، فأنه أقطع القواطع، وأحجب الحجب عن الوصول إلى المراتب العلية، ولا تكثر الالتفات إلى ما ورائك، فإن لك في كل يوم عقبة ترقاها، ومرحلة تقطعها، تجد بها لنفسك الكمال، وتقفوا بها آثار السلف الذين كانت هذه صفاتهم، فاسبر أحوالهم وطالع في أقوالهم، وانظر في تصرفاتهم في الحوادث، لتكون سالكاً مسلكهم، وتابعاً لآثارهم، ومقتدياً بأفعالهم ،تهتدي بهداهم الذي وفقهم إليه الحق جل وعلا، بعد معرفته بمجاهدتهم، وحق فيهم قوله ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا[49] ، فإذا اقتديت بهم وفقت لما وفقوا له، وأفيض عليك من العنايات السبحانية ما يوصلك إلى مطالبهم التي وصلوا إليها على قدر استعدادك.

وإياك وأهل البطالة، والمتكاسلين عن مراتب السعادة، والمتّكلين على تقليد الأموات، فإنهم مصايد الشيطان وإخوان الجهل، فاحذرهم أن يفتنوك، ولا بد إذا باينتهم عن طريقهم إلى الإتصاف بهذه الصفات، أن يحسدوك ويكيدوك لشغلوك ويصدوك، فلا يضيق صدرك من مكرهم، ولا يُلتفت إلى زخارفهم، ولا تكترث بأقوالهم، وأمض في طريقك، وجد في عزمك، وأعلم أن لله تعالى نفحات وواردات تصل إلى أهل الاستعداد على قدر استعدادهم، فكن متعرضاً لها بكثرة الاستعداد، متهيئاً للسوانح بكثرة المراعات.

وعليك بالمواضبة على تعريف غوامض أسرار الآيات الفقهية، فإنها الباب الأزل، والمدخل الأعظم، فأكثر من البحث عن تلك الغوامض، والفحص عن تلك الأسرار، تكثر عليك الفروع الفقهية، وتقف على أغلب الأحكام الشرعية.

ولا تغفل عن الأخبار، وتصفح الآثار، فإنها المدخل الثاني، والمنهج الواضح، والطريق الأقوم، فكن كثير المطالعة لها، قوي البحث عن معانيها، مذاكراً لها عند عظماء أصحابك، والتابعين لطريقك، تجد منها الاستعداد التام، والأحكام الجمة، والمسائل المتعددة، واعرف صفاتها غاية المعرفة، وابحث عن رجالها كل البحث، ليتم لك العمل بما تجده فيها من أحكام الدين، وأحوال الشرع المطهر.

ولا تغفل عن أحوال التراجيح، فكن فيها كثير الحذر عن الغلط فإنه المزلقة العظمى.

وعلم الرجال، فاستظهر غاية الاستظهار، فإنه السُلّم الذي تعرج به إلى تعريف صحيح الأحاديث من غيره، واضبط الأصلين فإنهما المطلوب الأقصى، والمقصود بالذات، والمحصلين لمدارك الأحكام، فجوّد البحث عنهما، وزد في الترداد إليهما، وأكثر من المذاكرة لهما، فإنك تجد بالمذاكرة الاستعداد التام، بل هي أبلغ من المطالعة.

وعليك في معرفة أصول الحوادث، ومسائل الفقه، بكثرة الاطلاع على كتب السلف، والبحث عن معاني أقوالهم، وكيفية تصرفهم في التواصل إلى تلك المطالب، والوقوف على أدلتهم التي جعلوها سلّماً لهم إلى تلك الفتاوى التي أظهروها واستظهروا بها، تجد بذلك لذّة الوصول إلى مطالبهم، وتدركها غاية الإدراك، وتقف على تلك المطالب من أقرب المسائل، والوقوف على فروع المجتهدين، وتعريف كيفية مأخذها، والاطلاع على تفصيل مجملها معين غاية الإعانة.

وإياك والتسارع بالفتوى، أو العمل بالحكم قبل الاستقصاء في النظر والاستيفاء في البحث، واحذر من التقصير في الاجتهاد غاية الحذر، فإنه المزلقة العظمى التي وقع فيها كثير من أهل الاجتهاد، فحصلوا في اللوم ولم يخلصوا من ورطة الإثم، فإن الحديث المروي عن النبي ﷺ بالطريق الصحيح: ”إن من اجتهد وأصاب فله حسنتان، ومن اجتهد وأخطأ فله حسنة“[50] ، مخصوص بمن لم يقصّر في اجتهاده، بل استقصى فيه منتهى وسعه، فإن ذلك غاية جهده وأقصى تكليفه، فلا لوم عليه إذ لم يوفق لتحصيل الحق، ولا يصح في الحكمة إضاعة كدحه وتعبه، فلابدَّ من إثابته على تلك المعاناة والكدّ.

وأما المقصر في إجتهاده الذي لم يبالغ في البحث، ولم يستوف النظر بالنسبة إلى وسعه، ثم يتسارع بالعمل بما أدّاه إليه مبادئ النظر الخالي عن الاستقصاء أو الإفتاء به، ثم يقع في الخطأ فإنه ملوم مأثوم، لأنه لم يؤد ما وجب عليه على ما شرطه الشارع، فضاع كده وكدحه، وباء بالأثم، وذلك هو الخسران المبين.

وأما المصيب فقد ساوى غير المقصّر في الكد، والكدح، والمعاناة، وركوب المشقة، وزاد بالتوفيق لإصابة الحق فكان ثوابه أكثر، وفضله أتم، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.

وعليك فيما تعمل من الأحكام التي يؤديك النظر إليها، وما تفتي به منها، وما تقضي به بين الخصوم بالأخذ بالأحزم، والعمل بالأحوط لتسلم من ورطات شبهات الخلاف مهما أمكنك السلامة من ارتكابه، وهو الطريق الأسلم.

فما كان من شقّي المسألة مجمع عليه، والآخر مختلف فيه، فخذ بمواضع الوفاق، واترك الآخر، فإنه محل الاحتياط، فإن لم تجد أحدهما كذلك، فخذ بالقول الأشهر، فإنه أقرب إلى غلبة الظن بالسلامة، فإن لم تجد، فأخذ بقول الأكثر، فإن طريق القوم قليل الخطأ.

وكن شديد المراعات لهذه الأحوال، فإنها مدار الاجتهاد، وطريق أهل الاستدلال، ومع ذلك فأنت مع قائد الإمارات، وهادي الدلالات، فلك العمل برأيك إذا تبين لك بغلبة ظنك صحة الطريق، وقوة الأمارات، فإن الله تعالى بكرمه يفيض على أهل الاستعداد مواضع التحقيق.

وأصلح سريرتك غاية الإصلاح، وداوم على المروة وحافظ عليها، وأكثر من الدعاء والسؤال من المنان أن يوصلك إلى مطلوبك، فإنه حري أن يفيض عليك هذه المطالب، ويوصلك هذه الموارد، ويجمع لك هذه الشوارد بلطفه العظيم، وفيضه العميم، لأنه وعدك وهو لا يُخلفُ الميعاد.

ولقد نصحتك غاية النصح، وبينت لك طريق القوم غاية البيان، وأزحت عنك جميع العلل، فاشرب من الحياض الروية، وأجلس على موائدهم الهنيئة، والبس الخُلل، واخلع نعالاً أشراكها رثة، تجلس على بساط القوم، وتكون من أهل الهداية، والسالكين مسلك أهل الولاية.

أسعدك الله وإيانا على الوصول إلى هذه المطالب، ووفقنا وإياك لتحصيل هذه الرغائب، وأسأل منك الدعاء عقيب صلواتك، وفي مواضع خلواتك.

وحيث وفينا بما وعدنا به، فلنقطع الكلام، بحمد الله تعالى على الوصول إلى هذا الطريق، والسلوك مسلك أهل التحقيق، ومصلين على محمد وآله أهل التوفيق، ونسأل منه السقيا من الرحيق، ونستغفر الله من الزيادة والنقصان إنه الكريم المنان .

[1]  مقتبس من كتاب العطاء العلمي والفقهي عند الشيخ محمد بن أبي جمهور الأحسائي، محمد علي الحرز، مكتبة الفرزدق: الأحساء، دار روافد: بيروت، الطبعة الأولى: 1442 هـ - 2021م: 377.
[2]  الذريعة إلى تصانيف الشيعة، آغا بزرك الطهراني: 2 / 6.
[3]  الذريعة إلى تصانيف الشيعة، آغا بزرك الطهراني: 2 / 6.
[4]  كاشفة الحال عن أحوال الاستدلال، مصدر سابق: 152، وسنوردها كاملة في نهاية الفصل.
[5]  كاشفة الحال عن أحوال الاستدلال، مصدر سابق: 153.
[6]  كاشفة الحال عن أحوال الاستدلال، مصدر سابق: 153.
[7]  كاشفة الحال عن أحوال الاستدلال، مصدر سابق: 153.
[8]  كاشفة الحال عن أحوال الاستدلال، مصدر سابق: 153.
[9]  فهرس مصنفات أبن أبي جمهور الأحسائي، مصدر سابق: 216، نقلاً عن مرآة الكتب: 4 / 59.
[10]  طريق استنباط الأحكام، نور الدين علي بن الحسين بن عبد العالي الكركي العاملي «المتوفى 940 هـ »، حققه وعلق عليه: عبد الهادي الفضلي، الطبعة الأولى: 1391 - 1971م، مطبعة الآداب: النجف الأشرف.
[11]  كاشفة الحال عن أحوال الاستدلال، مصدر سابق: 51.
[12]  طريق استنباط الأحكام، مصدر سابق: 8
[13]  كاشفة الحال عن أحوال الاستدلال، مصدر سابق: 155.
[14]  كاشفة الحل عن أحوال الاستدلال، مصدر سابق: 156.
[15]  طريق استنباط الأحكام، مصدر سابق: 20.
[16]  عوالي اللآلي، مصدر سابق: 1 / 414.
[17]  كاشفة الحال عن أحوال الاستدلال، مصدر سابق: 77.
[19]  كاشفة الحال عن أحوال الاستدلال، مصدر سابق: 79.
[20]  كاشفة الحال عن أحوال الاستدلال، مصدر سابق: 80.
[21]  كاشفة الحال عن أحوال الاستدلال، مصدر سابق: 84.
[22]  كاشفة الحال عن أحوال الاستدلال، مصدر سابق: 85 - 86.
[23]  كاشفة الحال عن أحوال الاستدلال، مصدر سابق: 87.
[24]  كاشفة الحال عن أحوال الاستدلال، مصدر سابق: 87 - 88.
[25]  كاشفة الحال عن أحوال الاستدلال، مصدر سابق: 89 - 91.
[26]  كاشفة الحال عن أحوال الاستدلال، مصدر سابق: 94.
[27]  كاشفة الحال عن أحوال الاستدلال، مصدر سابق: 94.
[28]  كاشفة الحال عن أحوال الاستدلال، مصدر سابق: 92 - 93.
[29]  كاشفة الحال عن أحوال الاستدلال، مصدر سابق: 98 - 100.
[30]  كاشفة الحال، مصدر سابق: 105.
[31]  كاشفة الحال، مصدر سابق: 105.
[32]  كاشفة الحال عن أحوال الاستدلال، مصدر سابق: 109.
[33]  كاشفة الحال، مصدر سابق: 124 - 128.
[34]  كاشفة الحال، مصدر سابق: 131.
[35]  كاشفة الحال، مصدر سابق: 87.
[36]  كاشفة الحال، مصدر سابق: 88.
[37]  كاشفة الحال عن أحوال الاستدلال، مصدر سابق: 105.
[38]  طريق استنباط الأحكام، مصدر سابق: 8.
[39]  كاشفة الحال، مصدر سابق: 124 - 128.
[40]  طريق استنباط الأحكام، مصدر سابق: 11 - 12.
[41]  طريق استنباط الأحكام، مصدر سابق: 12.
[42]  طريق استنباط الأحكام، مصدر سابق: 13.
[43]  طريق استنباط الأحكام، مصدر سابق: 13.
[44]  طريق استنباط الأحكام، مصدر سابق: 14،
[45]  طريق استنباط الأحكام، مصدر سابق: 15.
[46]  طريق استنباط الأحكام، مصدر سابق: 15.
[47]  طريق استنباط الأحكام، مصدر سابق: 16.
[48]  كاشفة الحال عن أحوال الاستدلال، مصدر سابق: 152 - 156.
[49]  سورة العنكبوت: 69.
[50]  عوالي اللآلي، مصدر سابق: 4 / 63 ح 16.