آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 9:06 م

أصحاب العنصرية البريئة

علي جعفر الشريمي * صحيفة الوطن

العبارات التي أطلقها أحد الأساتذة الأكاديميين الحامل لحرف «الدال» في إحدى الجامعات السعودية لا تخلو من العنصرية ضد فئة الذكور وعبارته التي تم تداولها في مواقع التواصل الاجتماعي وهو يقول: «الطلاب أنا داعس عليهم دعس! لكن البنات لا، قلبي ما يطيعني.. أنا أشوفهم مثل بناتي». فهو يقر ويعترف بظلمه للطلاب الذكور على حساب الطالبات، وتفرقته في المعاملة بينهم.

مغردو موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» أطلقوا هاشتاق #دكتور_جامعي_يظلم_الطلاب ، وطالبوا بمحاسبة الأستاذ من قبل إدارة الجامعة.

قد يقول أحدهم لماذا كل هذا التضخيم لمجرد كلمة صدرت من أستاذ جامعي؟ وإذا أجبته بأنها عنصرية، لا يلبث أن يرد عليك سريعا بأنها لا تعدو أكثر من كونها عنصرية خفيفة وبريئة. حديثي اليوم ليس عمن تتسبب عنصريتهم في حدوث كوارث ضخمة وفورية، بل عن هؤلاء أصحاب العنصرية البريئة من تزحف عنصرياتهم ببطء وهدوء، عنصريون لطيفون، يبثون عنصرياتهم بشكل كوميدي وفي قوالب فكاهية على طريقة «أدعس عليهم دعس». هؤلاء يعتقدون أن عنصرياتهم غير ضارة، مجرد نكات وطرف ينفسون فيها عن عنصرياتهم اللذيذة. نعم، إن مشاعر التمييز العنصري لها لذة وطعم مميز عندهم. أصحاب العنصرية البريئة لهم لغتهم الخاصة فيرمون كلماتهم وينثرونها مقتنعين بأن تلك العبارات والألفاظ لا تضر ولا تنفع، مجرد تعابير تم تداولها على أنها جزء من اللغة السائدة أو أنها وسيلة نقد مخففة، وفي كلتا الحالتين هم لا يعون أثر هذا الرذاذ السام الذي ينبعث من حناجرهم.

إنها حالة غريبة وكأنهم منومون ومغيبون عن الحياة. في حقوق الإنسان ليس هناك عنصريات بريئة وغير بريئة إنما المدار هو حفظ كرامة الإنسان، ولا معنى لتشريح العنصريات وتجزئتها.

ما حصل يجعلني أطالب الجامعات بأهمية تفعيل برامج حقوق الإنسان للطلاب والأكاديميين ونبذ العنصرية لأن ما حصل في الجامعة يخالف في واقعه نصوص النظام الأساسي للحكم، وذلك ما نصت عليه المادة 26 التي تؤكد التزام الدولة بحماية حقوق الإنسان وفق الشريعة الإسلامية، والمادة 8 التي تؤكد مبدأ العدل والمساواة بين المواطنين، والمادة 12 التي تنص على أن تعزيز الوحدة الوطنية واجب، وتمنع الدولة كل ما يؤدي إلى الفرقة والفتنة والانقسام، إضافة إلى الشجب الدائم لمحاولات إشاعة التعصب والكراهية والتمييز العنصري من خلال انضمام المملكة إلى الاتفاقية الدولية الخاصة بالقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري عام 1997 كما أن المملكة طرف في كثير من الصكوك الإقليمية والعربية والإسلامية؛ فعلى المستوى الإقليمي بادرت المملكة إلى التفاعل مع إعلان القاهرة لحقوق الإنسان في الإسلام عام 1990، وإعلان القاهرة لنشر وتعليم حقوق الإنسان عام 2000، وإعلان الرياض حول حقوق الإنسان في السلم عام 2003، والميثاق العربي لحقوق الإنسان عام 2004، وجميع هذه الاتفاقيات تجرّم وتكافح في موادها جميع أشكال التمييز العنصري.

أخيرًا أقول: العنصريات البسيطة خطورتها تكمن في أنها تقوم بتشييد الطريق للكوارث العنصرية الكبيرة، فهؤلاء هم أول من يفتحون الأبواب ويشرعون النوافذ.