آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 9:19 م

سلوك واع متحضر

سوزان آل حمود *

أخطر ما يمكن أن يصيب المجتمع هو عندما تسود ثقافة الرأي الواحد بلون واحد لايحتمل رأيا آخر، ولا يعترف ببقية الألوان. إنّ الإنسان كائنٌ متفاعلٌ مع المجتمعِ، ويحبّ أن يعبّر عن نفسهِ وقناعاته، من خلال عرض أفكاره على الآخرين ومشاركتهم ما توصّل إليه خلال رحلته في الوصول إلى الحقيقة. فيلجأ الإنسان للتواصلِ مع الآخرينَ من خلال الحوار أو النقاش.

دخول النقاش يعني أن أقدم أنا رأيي ومعلوماتي التي تخص هذا الموضوع وإن تقدم أنت ماتملك من معلومات وتقدم رأيك في خصوص الموضوع ذاته.. لنتوصل معاً الى نتيجة جديدة تغير معتقدنا عن هذا الموضوع أو لكي تثبُت لناالحقيقة…

من واجبك إحترام رأيي وإحترامي.. لأن رأيي يمثلني ورأيك يمثلك.. وليس من حقك فرض رأيك عليّ.

ان ثقافة الشخص تقاس بمدى إحترامه لارآء الآخرين.. وكلما إزداد إحترامك لارآءالآخرين كلما ازددت وعياً وثقافة.

يدور النقاش «الحوار» بين شخصين أو أكثر، ضمن مجموعة من الآداب التي يجب على الجميع الالتزام بها أثناء الحوار، وذلك لينتج عنها حوار ناجح ومنتج، وحتى لا يحصل أي خلاف أو ضغينة بين الأشخاص.

فالحوار الذي يتحلّى بالآداب، يكون حواراً ذا قيمةٍعلميّةٍ، مع الوصول للفائدة المرجوّة منه. فهو يسهم في بناءِ جسورِ الثقة بين الأطراف رغمَ اختلاف ِ أفكارهم وآرائهم، ويسعى للوصول للقواسمِ المشتركةِ بين الأطراف، كما يساعدُعلى التخلص من الأفكار الخاطئة. لذا فإنّ الحوار الجيّد يجب أن يكونَ ملتزماً بالآداب أكانت آداباً نفسيّة، أو لفظيّة، أو علميّة. وهذه الآداب مهمّة لضمان استمراريّة الحوار، وتبقى مهمّة حتى بعد انتهاءِ الحوارِ لضمانِ تنفيذِ النتائجِ التي توصّل إليها الحوار.

وقد يكون الحوار مع الآخر سلبيّاً أو إيجابيّاً، فإذا كان الحوار يتخذ منحنى تعصبيّاً، أوعدوانيّاً، فهو سلبيّ لا جدوى منه سوى الخلاف والعناد. أمّا إذا كان الحوار يهدف لإيصال رسالة، أو الوصول لحقيقة، والأطراف فيه ملتزمون بالاحترام، والواقعيّة، وتقبّل الآخر، فهو حوارٌ إيجابيّ ينهض بالأمّة. أمّا المستوى الآخر للحوار فهو الحوار مع الذات. فيكون الشخصُ في هذا المستوى متحاوراً مع ذاته روحانيّاً أو داخليّاً، بشكلّ سريّ دونَ أن يشاركه الآخرون الأفكار التي تدور داخله. وهو أشبه ما يكون بتحدث الشخص مع شخص آخرَ وهو هنا صوت داخليّ يمثل الشخص نفسه. ويعدّ هذا الحوار مهمّاًللإنسان، فهو يقلل الاضطراباتِ، ويولّد تناغماً وتصالحاً للإنسان مع نفسه.

ختامًا، إن الرأي الأخر كما يقال”لايفسد للود قضية”والحوار مع هذا الاخر، إصغاء إلى وجهةنظر قد تشكل إضافة جديدة ومعطيات خلاقة، من شانها أن تتقدم على ما ذهبنا إليه من آراء من هنا تجيء الدعوة، نقية مخلصة داعية إلى مزيد من الحوار مع الاخر، ذلك ان الإصغاء إلى الاخر، يشكل مرجعية حقيقية وتأملا موضوعيا، ورؤية تضاف الى رؤى، يمكن أن ترتقي بنا وتتقدم نحو فاعلية جادة وجديدة وجديرة بالانتباه والاحترام. وهذاهو الفرق بين سلوك واع متحضر، وسلوك متخلف جامد لا يركن إلا إلى صدى صوته وأزيز الرصاص.