آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 9:52 ص

سبتية الشيخ الصفار

زكي بن علوي الشاعر

في ليلة السبت من هٰذا الأسبوع الذي نحن فيه، وبعد كذا مرة أملت فيها أخي الحبيب: الأستاذ عبد الباري إلدخيل، عزمت على استئناف حضور سبتية سماحة الشيخ حسن الصفار - حفظه الله - التي يعقدها في حسينية المرحوم: الحاج سعيد المقابي.

كنت - قبل أكثر من ثلاثة أعوام - رأيت سماحة الشيخ بباب أستاذي: الشيخ محمد سعيد الخنيزي - متعه الله بالصحة والعافية - يعوده، وكان معه أحد المياسيين الذين لم أرهم منذ سنوات طويلة.

عرفني الشيخ - علىٰ أن الشيب غزاني أكثر مما غزاه - وسألته: في أي ليلة يجلس؟! فأخبرني، ثم قال: تعال؛ لترى المكتبة أيضًا.

من حديثي عرف اهتمامي بالكتب، ودعاني - في دهاء أقر له به - إلىٰ حضور مجلسه العامر؛ ذٰلك أنه أن يستنبئ كل خبرة من أصحابها، وهٰذا من أسرار نجاحه، وقال في أسلوب محبب وبشاشة لا تفارقه: المكتبة تحت أمرك، فطرت سرورًا وابتهاجًا.

حضرت واستمعت إلىٰ سماحته، وكان يعقد - أنذاك - محاضرات في التفسير، عجبت لسهولة عباراته، دون أن يهمل رأيًا لم يصل إليه أقراننا، إلا بشق الأنفس، وهٰذا من أسرار نجاحه في وصوله إلى الجماهير العريضة، وتأثيره في النفوس، وأخذه بمجامع القلوب.

يدخل إلى المجلس، ويحيي فردًا فردًا، في تواضع وخلق عظيم، بحيث يحس كل واحد من الحاضرين أنه أهم الموجودين، وهٰذا من أسرار نجاحه.

إن هٰذا الشيخ قد درس المنطق قبل كثيرين ممن درسوه في المنطقة؛ ولٰكنه لم يتخذه سلاحًا أو قوة ورباط خيل يرهب به مجتمعه وآخرين؛ بل وظفه بصورته ومادته - دون استخدام مصطلحاته الصعبة وقواعده المغلقة - فلا ينفر منه أو يستوحش من استمع إليه، وهٰذا من أسباب نجاحه.

تحس أنه قرأ في علم النفس والاجتماع كثيرًا، واطلع علىٰ علم الاتصال الخطابي في أحدث نظرياته؛ ولٰكنه لا يتفيهق بتكرار مصطلحاته متعمدًا؛ ليقال: إنه عصري «مودرن» ومثقف، وهٰذا من أسرار نجاحه.

تركت مجلس الشيخ، وتركت زيارة المكتبة، عاتبًا، وقد وجدت فيها من أمهات الكتب والمصادر والمراجع ما يندر أن تجده في غيرها، وعندما سألني الأستاذ عبد الباري إلدخيل، قلت: إن في المكتبة كتبًا قيمة؛ ولٰكنها كتب مسطرة لا يفيد منها أحد؛ للأسباب التالية:

1 -...
2 -...
3 -...
4 -...

وهاجمت المكتبة ومن رأيتهم فيها من مسئولين، وقلت: إنكم لم تحققوا مما هدف الشيخ شيئًا، وأنتم كغيركم من المخفقين «المتخلفين» التقليديين «الرجعيين»، وليس لكم من التجديد إلا ادعاؤه؛ فأنتم كغيركم ممن يجر مجتمعنا إلى الوراء، كلما رنا إلىٰ أن يتقدم!!

كل ذٰلك، والأستاذ إلدخيل يستمع - دون أن يقاطعني - في حلم اتصف به، ونماه بصحبة الشيخ، فجعل منه الشيخ «كادرًا» ناجحًا يحترم الرأي والكلمة، ويقدر صاحبها وينصفه، وهٰذا سر آخر من أسرار النجاح.

كل ما قاله الأستاذ إلدخيل: سأذكر كل ما ذكرته من نقد على المكتبة لسماحة الشيخ، وأنا المسئول عن كل ما رأيته من «عيوب»، فعد إلى المكتبة والمجلس، و«ما لك الا طيبة الخاطر».

سماحة الشيخ يستمع أكثر مما يتكلم، علىٰ أنك في شوق للاستماع إليه، ولا يهمه أن يقال: الشيخ عالم رباني، أو مفكر لا يشق له غبار، و...

هيهات أن يأتي الزمان بمثله

إن الزمان بمثله ل...

... ما جابت، ولا بتجيب!!

أخيرًا، أذكر لكم أن الشيخ - حفظه الله تعالىٰ - طلب مني أن أتكلم للحاضرين عن منهج القراءة السريعة، بعد أن قال أحدهم: لا وقت يتسع لقراءة كل شيء، وكنت إلىٰ جانبه، واقترحت أن يتعرف النشء والناشئون علىٰ هٰذا المنهج، وذٰلك الفن.

ثم انطلق - من بعدي - فألقىٰ محاضرة أدركت أنه ملم بمنهج القراءة السريعة من قبل أن أقرأ أنا عنها بكثير، ولٰكنه استمع إلي دون أن يشعرني بأنه يعرف هٰذا المنهج، قبل أن أسمع به؛ بل إنه من كبار مطبقيه والعاملين به.

أعلمتم - يا…! - لم نجح الصفار وأخفقتم؟!

هٰذه بعض أسرار نجاحه؛ وليتكم تأخذون بها أو ببعضها، يا أبناء وطني، قبل أن تموتوا وتنسوا، كما نسي غيركم.