آخر تحديث: 16 / 4 / 2024م - 4:10 م

الخارجون من السجون

سلمان العنكي

لم ولن يصل أي مجتمع دون استثناء في الماضي أو الحاضر بكامله حتى في زمن الرسالات وتواجد الأنبياء إلى تطبيق عالم المثالية في حياته التعاملية والأخلاقية والدينية مهما بلغ من علم وثقافة ورقي أو حاول جاداً الالتزام وعمل بالتشريع والقانون وبالغ في تربية أجياله عليها، لا بد من انحراف البعض في سلوكه أو تعامله أو بهما معاً أو مخالفة ماسُن وشٌرع منها وإن تباينت مستوياتها ومخاطرها وتنوعت لذا شٌرعت العقوبات وحددت ولزم تعيين مَن ينفذها وكما يٌقال «ماوٌضعت السلاطين إلا للشياطين».

ولعل أبرزها وأهمها ”السجن“ لتأديب المخالف وإصلاحه وردع غيره من أن يعمل عمله وإلا أصابه ما أصابه ولكن مع نيل المذنب جزاءه وانقضاء مدة عقوبته فإن الدائرة التي رسمها لم تُغلق بانتهائها وخروجه بل يبدأ بعدها دور الأسرة والمجتمع بمتابعة حياته النفسية والمالية والاجتماعية من جديد وتقديم مايقوّم اعوجاجه حتى لا يعود ثانية إلى ما كان ويتمثل هذا في ثلاث محاور هي:

الأول:

قد يكون هذا السجين قضى سنوات طوال تكفي لانفصاله عن الحياة بمقوماتها وأهم عناصرها فخرج لا يعرف يمينه من شماله لا يدل الطريق لا أصدقاء صلحاء لا معارف لا من يحادثه، الأكثرية تخاف قربه أو تخوف الآخرين منه لاسيما إن كانت جريمته مخلة بأمن وأخلاق المجتمع ”كما هو الحال في قضايا المخدرات والسرقات“. في هذه الحالة على الأسرة والمجتمع احتضانه تدريجياً وتأهيله نفسياً ما أمكن للمرحلة القادمة وإن تحملت المتاعب وبذلت المال في ذلك حتى لا تسوء نفسيته من جديد أكثر وينتقم ممن حوله ويعود بجرم أكبر من سابقه إلى مكانٍ خرج منها قريباً ”ولانحكم دوماً باستجابة الكل ولكن بالتأكيد نجد من يتجاوب ولو بنسبة ضئيلة وإن كان واحداً فهو يعني المجتمع وله تأثير إيجابي أو سلبي فيه“ وإذا عجزنا عن إصلاحه في الأولى فنحن أعجز بعد الثانية للأسف نبذل الملايين لعتق الرقاب ولا نصرف ملاليم لإعادة تأهيلها.

الثاني:

بعد تهيئته نفسياً وأخلاقياً يجب مساعدته بإيجاد فرصة عمل ولو متواضعة تكفيه عن حاجته المادية وتستره عن سُؤال الغير وتشغل وقت فراغه حتى لا يفكر فيما كان عليه في السابق إلى أن يجد ما هو أفضل يلتحق به، فتركه دون عمل ودخل وهو لا زال حديثاً لسنوات متأثراً بأخلاق وعادات وأفكار منحرفة تضعف إرادته وتقل مقاومته للتغيير وتزين له نفسه ويحن بالعودة لما كان لعدم وجود البديل فينكفئ على نفسه ويعتزل الجميع وعزلته هذه وفي هذا الوقت سُم قاتل يدمره نفسياً وجسدياً إلى أن يخرج منها منتقماً متمادياً في الإجرام إلى حد الإفساد وخروجه عن السيطرة.

الثالث:

إذا صلُحت أخلاقه وتحمل متاعب العمل واستقر أمره وأعرض عن أفعاله المشينة التي كان يمارسها بمعنى أن هذا الشاب غير من سلوك الأمس وتحول إلى نسخة جديدة فعالة صالحة وباستطاعته تحمل الأعباء والإنفاق على بيت الزوجية ولم يكن متزوجاً سلفاً أو منفصلاً عن زوجة فما المانع من تزويجه وقد ذهب كل ما كان يخاف منه خصوصاً إذا كان ما ارتكبه جرماً صغيراً ولمرة واحدة فلا نضيعه ونضعه في صفوف المفسدين في الأرض إلى ما لا نهاية بمجرد دخوله السجن ونجعل ذلك عائقاً دون قبوله زوجاً فنكون سبباً في تحبيطه ”قبل كنا محقين في رفضه واليوم القليل الصالح مثله“ لا نسمع فيه كل ما يتناقله الناس عن غير علم ودراية كما هي العادة نشهر بعيوب غيرنا وفينا كبائرها بل في زواجه شعور وحلاوة الاستقرار ورفع درجة المسؤولية، زوجة وأولاد ينسونه الماضي البغيض وربما كان هذا فيما بعد أمكن المصلحين لمن هم على ما كان عليه سابقاً لمعرفته بالزوايا المخفية دون غيره فيستفاد منه ونعود ونقول ليس الكل ولكن لا يضيع القليل باليأس من الكثير.