آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:57 ص

ذكريات بعض القروبات بعد سنوات من الآن

المهندس أمير الصالح *

تخيل أنك وبعد عدة سنوات من الآن جالس بين الأحفاد لتحكي لهم ذكرياتك في عالم التواصل الاجتماعي الافتراضي خلال فترة شبابك. وتخيل أنهم يطلبون منك سرد أساليب وأدوات تمييزك بين الغث والسمين في زمانك وكيفية معرفة التضليل والدعايات المُمارسة آنذاك، والتي صدرت ممن كنت تجالسهم في القروبات والديوانيات الافتراضية والواقعية. حتما أول شي يخطر في بالك عند الإعداد للإجابة على هكذا سؤال هي أسماء الشخصيات التي كانت تُجيد الاستفزاز وتُكثر الجدال والمراوغات الكلامية وتطرح قصص غريبة دونما مصدر أو سند لكونها هي التي شدت انتباهك يومذاك وأشغلت حيزا كبيرا من فكرك ووقتك وإن كان الموضوع المطروح من قبل ذاك الشخص برمته خارج اهتماماتك. حينذاك فقط وفقط تستشعر حقيقة قد تكون غائبة أو مُغيبة عن ذهنك في يومنا هذا لأسباب عدة منها استغلال روح الفضول لديك من قبل الآخرين أو عدم الاهتمام منك بإدارة الوقت أو المجاملة لفلان أو لحاق سراب المثاقفة مع من ليس لهم أرض صلبة أو التبرير منك بضرورة التعرف على ما يجول من نقاشات وآراء داخل المجتمع. والحقيقة التي كان من المفترض أن نفهما من البداية هي أهمية فهم طرق وأساليب الدعايات المعاصرة المُستخدمة للتضليل واللعب بعقولنا وإهدار طاقتنا وخرق سفينة نجاتنا واستدراجنا من حيث لا نعلم إلى اهتمامات غير اهتماماتنا وأولويات غير أولوياتنا ومشاريع غير مشاريعنا.

تسخيف المبادئ وتكذيب الحقائق وتزوير الشواهد والمصادمة مع المُسلمات الفطرية والتنكر للأخلاقيات العامة ولي عُنق الآيات القرآنية من قبل البعض والتي تخلق عدد ليس بالبسيط من المُتابعين لا سيما من فئة من يقتلهم فضولهم والشباب الباحث عن كل جديد وضحلي التجارب وأهل النشوة والافتتان بالأقوال المزبرجة.

تورد كتب ”المغالطات المنطقية في وسائل الإعلام“ و”رجل القش“ و”أساليب الدعاية المعاصرة“ و”مغالطات منطقية“ بعض تلكم الأساليب المُتبعة في تضليل البعض والنيل منهم لا بل ما هو أكثر من ذلك. أنصح القارئ الكريم بالاطلاع على كتب المغالطات المنطقية المذكورة آنفا لتحصين نفسه من فيروسات اللعب بالأفكار ومنع تمرير قناعات الكفر والإلحاد وفك رموز التزوير الفكري وفهم المغالطات وما يرسمه أهل الباطل وأصحاب الأهواء وتحرير النفس من تقمصات أبليس «ل ا».

عند وقوفك مع نفسك ونجاحك في كشف حقائق بعض المضللين ومحبي البروز ومثيري التفرقة وكارهي الألفة ومبغضي أهل الصلاح، فقد لا يمكنك التصادم مع ذلك المُضلل لأي سبب من الأسباب أو أنك فضلت النأي بالنفس عن الدخول في المهاترات مع من لهم صلافة وقلة احترام للآخرين وعُجب بأنفسهم. فأنت يومذاك في مفترق طرق في القرار بين: الاستمرار بالجلوس في ذات الديوانية والقروبات الافتراضية تلك أو الانصراف منها دون أي تلوث أو تدنيس لكرامتك أو هتك احترامك لعقلك وقيمك. فأنت أبصر بنفسك فإن كل نفس بما كسبت رهينة. هنا يكون من الحكمة أن يقف الإنسان مع نفسه ليرى إلى أين يمضي بها عندما يجامل البعض أو يتنازل للبعض أو يهادن البعض أو يهين عقله من أجل البعض.