آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 1:31 ص

التحيز في الحب والكراهية

كاظم الشبيب

يساهم التحيز ضد هذه الهوية في كُرهها، أو التحيز مع تلك الهوية في حبها، تماماً كما يساهم التحيز في تشكل الحب أو الكراهية بين الأفراد. ومن المشكلات السائدة داخل أهل كل هوية، أنهم يتعودون التحيز، أي باستمرار تحيزهم لهويتهم، أو باستمرار تحيزهم ضد هويات الأخرين، يصبح تحيزهم، مع أو ضد، جزء من تركية شخصياتهم، بل يتحول إلى طبيعة ذاتية في سلوكهم وانفعالاتهم. 

الاعتياد على التحيز، يدفعنا نحو تشكيل رأي تجاه هذا الفرد أو تلك المجموعة، وبالتالي نتبنى موقفاً كارهاً أو محباً لهم، وهو أمر يخالف المنطق. فليس من الصحة بمكان أن نطلق على كل جماعة حكم عام وكأنهم وحدة واحدة دون تمييز بين الصالح والطالح فيما بينهم. فهل من العقل أن نقبل الحكم على كل المسلمين بأن الارهاب سمة خاصة بهم؟. وهل من المنطق أن نقبل الحكم على كل المسيحيين بالكفر والشرك؟. فداخل كل هوية اوجه متعددة تمثلها، حتى وإن لمع منها وجه واحد فقط. 

من الممكن تعلم وتعليم التوازن في التحيز، ولكن تكمن ذروة النجاح في تربية الاجيال على التحيز المتوازن، وكلنا يعلم الفرق بين التعليم والتربية. فما يسمى علمياً ب "تحيز تجانس المجموعات الخارجية: وهو الميل لرؤية أعضاء المجموعات الأخرى كعناصر متشابهون في صفاتهم وسلوكياتهم، في حين ينظر إلى أعضاء المجموعة التي ينتمي إليها المرء كأفراد متميزون كلٌ بصفاته وسلوكياته الخاصة. قد ينظر العرب للألمان كشعب واحد بصفات متجانسة، في حين يرى الألمان تمايزاً واختلافات واضحة بين مجموعاتهم الداخلية. [1] 

هذا التوازن هو المرحلة الأولى لتهذيب النفس بحيث تكون مهياة للحب، وتبتعد عن الكراهية، سواءً على مستوى الأفراد أو الجماعات. فالحُبُّ حالةٌ لا تتكرّس إلا بالتربيةِ والتهذيب، ونحوٍ من الارتياض النفسي والروحي والأخلاقي، والتدريب المتواصل على تجفيف منابع الشر والعنف والتعصب والكراهية المترسبة في باطن المرء، والعملِ الدؤوب على اكتشاف منابع إلهام الحُبّ وتكريسها. [2]  لذا، فأن يتربى جيل ما على حب الوطنية، ذاك فعل جميل، ولكن مقابل ذلك لا ينبغي تربيته على كراهية هويات الأوطان الأخرى. حينها نكون قد نجحنا في صناعة الحب عبر تحييد التحيز. في المقطع المرفق إيضاح مناسب لفكرة الموضوع: التفكير السليم، مشكلة التحيز للأفكار والمعتقدات: 

[1]  ص 214 الهامش، كتاب السذاجة
[2]  أستاذ الفلسفة الاسلامية عبدالجبار الرفاعي، مقال بعنوان ”الحُبُّ بوصفه علاجًا“ بتاريخ، 17/ 10/ 2020، www.nasnews.com