آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 2:22 م

هكذا هي الحياة.. قالت العصافيرُ اسمعوني!

المهندس هلال حسن الوحيد *

بعد حفلة الغبار الكثيف الذي لفَّ الأجواءَ وملأ الخياشيمَ مساء يوم أمس وفجر اليوم، رأيتُ العصافيرَ نزقةً تطيرُ في كلِّ الاتجاهات، تتكلم وتقول نشيدًا طويلًا. ملأني إحساسٌ بأنها تريدُ أن تقولَ شيئًا، فسألتها: ماذا في رؤوسكِ الصَّغيرة يا عصافير؟

قالت العصافير: كل ما أطلب منكم أن تسمعوني، سوف نبقى هنا طالما استطعنا أن نطير، طالما استطعنا أن نقفزَ من فوقِ غصنٍ لآخر. سوف يأتي الخبزُ والماءُ والحَبّ، طالما أحببنا الحياةَ سوف نحيا! عدتُ إلى الوراءِ خطوتين وجاءَ دوري في الكلام. حكيتُ للعصافيرِ حكايةَ حياةِ الإنسان، وهكذا حكيتها لهم باختصار:

تعالوا وتأملوا يا عصافير: ليست حياتنا - البشر - دائمًا ممتعة مثل حياتكم، أكل وشرب ونطّ وطيران، نحن البشر المتعة عندنا قليلة جدًّا وكأنها دفع ضرر. نحاول قدرَ المستطاع أن نجعلَ الحياةَ شهيَّة وطيِّبة! حياتنا اختصرها واحدٌ من الشعراء:

تعبٌ كلها الحياة فما أعجب

إلا من راغبٍ في ازديادِ

تعرفون يا عصافير، أن حالاتِ الموت - عندنا - ليست كلها نتيجة المرضِ والشَّيخوخة، وليست نتيجةَ الجلوسِ على الكرسيّ والنوم فوقَ التخت! هي نتيجة مباشرة لكرهِ الحياة ومعاملتها مثل كلبٍ أجرَب. هناك مرضى يرغبون في البقاءِ مرضى، وهناك مرضى يتجاوزون المرضَ برغبتهم في الصحَّة وأخذ العلاج! وهناك من يدفنون أنفسهم في القبور قبل أن يموتوا!

نبغض الدنيا لأننا نروي عن النبيّ محمد صلى اللهُ عليهِ وآله: ”أكبر الكبائر حب الدنيا“ فهلا أحببنا الدنيا لأن النبيّ محمد صلى اللهُ عليه وآله قالَ أيضًا: ”ليس من حبّ الدنيا طلب ما يصلحك“، وهناك ملايين المصالح تركناها وأخذها غيرنا وصَلُحَ حاله!

خيَّم الصَّمتُ على العصافير وقالوا: كما يحلو لك، أنتَ إنسان وما نحن إلا عصافير.. أنتَ أدرى بأمورِ البشر! أنا أصدِّق العصافير وهناك من لا يصدِّق. أقولُ لمن لا يصدِّق: أسأل من في المشافي وأسأل من في المقابر، ولا تستغرب إذا قالوا لكَ إن سرَّ الحياةِ في الحياة. سرٌّ ليس لغزًا ولا أحجيَّة. لا تجفَلوا ولا تهربوا منها فهذه هي الحياة، توصد بابها يومًا وتفتحه يومًا آخر. فإذا فتحت بابها، ادخلوها آمنين بحواسِّكم جميعها.

اسمعوا يا عصافير: دخلنا الحياةَ دون رضانا ونخرج منها مرَّةً أخرى دون رضانا، نكتب كما يكتب المسافر: مررنا من هنا ونرحل مثل الذين سبقونا دون أسف! لكن من الحكمة أن نبذل قصارى جهدنا لكي نجعل الحياة أفضل وأنقى لمن يأتي بعدنا، أفضل من رحلةِ الطيورِ والقوارض!

مستشار أعلى هندسة بترول