آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 4:24 م

مئة «كتاب» من العزلة

قيس آل مهنا *

أعز مكان في الدنى سرج سابح

وخير جليس في الزمان كتاب

لا أدعي أنني قارئ نهم ولا كما يسمونهم بدود الكتب، ولكن حتما أن العزلة القسرية التي مر بها الجميع جراء اجتياح وباء كورونا للعالم جعل من العزلة أو الحظر المفروض أمر لا مناص من التعايش معه بهدوء وروية، ولما كان الكتاب هو خير جليس وأنيس فكنت بين الحين والاخر استل كتابا من مكتبتي المتواضعة لاتصفحه وابحر في عوالمه لأعود محملا بالجواهر والدرر من المعلومات الجمة والمواعظ والعبر، ومع مرور الأيام وجدتني اطوي كتابا وراء آخر من دون قصد أو التفات، فكانت حصيلة جمة غنية بالفوائد ثرية بالقيم، لا يسع ان استعرضها كلها ولكن سأمر على بعض منها كاشارة ولمحة حتى لا يقال أني بالغت وان كان يحسن المبالغة في الأمور الطيبة الجميلة.

وها هي بعض اللمحات والشذرات من هذه الكتاب وعناوينها من دون ترتيب:

«المقاهي في بغداد مدارس وأحزاب، أدب وطرب، مستويات وطقوس، فيها تتكون الصداقات، وفيها أو بالقرب منها تؤخذ الثارات، وفي المقاهي تجري عمليات البيع والشراء، أو المراهنة على الخيول، وفي مقاهي السوق تتحدد أسعار السلع، وأسعار صرف العملات، ومنها تبدأ المغامرات والأسفار البعيدة... بكلمة واحدة بغداد هي المقاهي».

من كتاب بغداد في العشرينات، لعباس بغدادي.

زادك النور وفي دربك ينبوع الشعاع

فانفذي فالسر إن سرت على قيد ذراع

واصرعي اللج ولو أقبلت من غير شراع

واركبي الإعصار والإصرار في وجه القلاع

إنما الخائف عند الزحف محتوم الضياع

من ديوان قاب قوسين للشاعر محمود حسن اسماعيل

﴿قاسم حداد شاعر كبير من البحرين.. إلا أنه ينزع إلى قول ما لا يفهمه العامة من أمثالي.. وأنا كنت دوما من أنصار: «لم لا تقول ما يفهم؟» وكنت دوما أعارض جماعة: «لم لا تفهم ما يقال؟».. لهذا السبب، ربما، لا أحب شعر أبي تمام كثيرا.. ولا أحب شعر أدونيس على الاطلاق أما قاسم حداد أحب شعره عندما أفهمه. وفي أحيان قليلة أفهمه..

من كتاب الخليج يتحدث شعرا ونثرا، للدكتور غازي القصيبي.

قبلي كحبي يا حبيبي
قبلي أنا لا تنتهي

خذها معطرة بطيبي
وكما تريد وتشتهي

قبلي كحبي ليس تنسى
قبلي معتقة بخمري

ستظل تذكرها رلو 
قبلت ألف فم وثغر 

من ديوان قبل لا تنتهي، للشاعر كمال فوزي الشرابي.

«حدث ابو هفان: لم ار قط ولا سمعت من احب الكتب والعلوم أكثر من ثلاثة: الجاحظ، والفتح بن خاقان، وإسماعيل بن إسحاق القاضي..

$ فأما الجاحظ: فإنه كان اذا وقع في يده كتاب قرأه من أوله إلى آخره، أي كتاب كان، حتى انه كان يكتري دكاكين الوراقين، ويبيت فيها للنظر.

$ وأما الفتح بن خاقان: فإنه كان يحمل المتاب في كمه أو في خفه، فإذا قام ن بين يدي المتوكل «للحاجة» أو للصلاة، أخرج الكتاب فنظر فيه وهو يمشي، حتى يبلغ الموضع الذي يريده.

$ وأما مسلم بن اسحاق القاضي: فإني مادخلت عليه إلا رأيته وفي يده كتاب ينظر فيه، او يقلب الكتب لطلب كتاب ينظر فيه أو ينفض الكتب».

من كتاب عشاق الكتب، إعداد عبد الرحمن يوسف الفرحان.

«كم تألمت وانا أصغي إلى حديث ادباء القطيف عن معاركنا النقدية، ومذاهبنا الفنية وكم خجلت وأنا أرى في أيديهم كتبنا ومجلاتنا نحن الذين لا نشعر بهم، أو نلقي إليهم بالا كم تأثرت وأنا أسمع الشاعر عبد الرسول الجشي يعرفنا ببلده الذي هو قطعة من بلدنا، الشرق العربي» ثم اتت باكثر أبيات قصيدة الجشي.

الحديث للكاتبة المصرية بنت الشاطئ من كتاب رجال عاصرتهم للسيد علي السيد باقر العوامي.

وعبد الرسول الجشي، هو المرحوم الشاعر والأديب عبد الله الجشي أبو قطيف.

وهذا مقتطف من قصيدته:

بلد عريق في الحضارة نير 
ورسالة من عهد خوفو تؤثر

وثقافة شهدت أثينا فجرها
ومشت على أضوائها تتأثر

هذي بلادي وهي ماض عامر
مجدا وآت بالمشيئة أعمر 

ألقى عصاه على فسيح جنانها
وعلى الجزائر عالم متحضر 

وأقام فيها نهضة علمية 
بالعلم تسندها العقول وتنصر

فيها جنى ابن العبد حلو شبابه
راح وريحان ووجه أقمر 

وخيال خولة يستثير غرامه
فيظل في اطلالها يتحسر

وابن المقرب لم تزل آثاره 
بالفخر والشكوى تضج وتزأر

ولجفر الخطي فن مشرق 
وروائع غنى بها السّمر 

هذي بلادي في قديم عهودها
علم وفن خالد لا يدثر