آخر تحديث: 10 / 5 / 2024م - 6:00 م

لماذا يشيع الحزن في الثقافة العراقية؟

غسان علي بوخمسين

قبل أيام ذهبت إلى مطعم عراقي، لتناول وجبة الغداء، وكان المطعم مزدحماً بالزبائن وضجيجهم، وفي أثناء انتظاري لوصول الطلب دققت السمع لأغنية وصلت لمسامعي، وبعد التدقيق فيها بسبب الضجيج استطعت تمييزها وتعجبت ودهشت كثيراً من وضعهم في المطعم لها!! فقد كانت: *موجوع قلبي وتعب بيه*

إلى آخر الأغنية..

سبب تعجبي اندهاشي هو، كيف ساغ لهم وضع مثل هذه الأغنية لزبائن مطعم يريدون تناول وجبتهم في جو من البهجة والراحة والسعادة؟!

لكني بعد تأمل في الموضوع، تذكرت قضية الشجن والحزن وعلاقته بالأغنية العراقية، وكونه موروثاً سومرياً قديماً منذ آلاف السنين!!

يقول د رحيم الشمخي: المستمع للأغنية العراقية وعلى مرّ العصور، يجد أن عنوانها الرئيس وصيغتها الأساسية وثوبها الأزلي هو الحزن المصحوب بالشجن سواء كانت جنوبية أو غربية أو شمالية أو كانت الأبوذية أو الزهيري أو بستة غنائية، فتجدها في كرنفالات الفرح متألقة بشجنها، فما السر في ذلك؟ ومَنْ أسس لتلك الأهرامات المبنية من صخر الصبر والتأسي؟ فهل الشجن في أغانينا محض مصادفة أم إنه ألق من ملحمة جلجامش دوّنته مسلة حمورابي وجعلته أحد بنودها الثابتة التي لا يمكن تجاوزه، أم إنه نابع من تراتيل العشق بين «أنانا» و«سيدوزي»، لذا تجد العراقي حتى في أسعد لحظات الزمن الجميل وفي قمة ترف الحياة التي يعيشها لا يطربه ويثلج صدره غير الشجن.

ويكمل الدكتور رحيم بقوله: بحث موسع نشر في مجلة التراث الشعبي البغدادية في العام 1982 بقلم الدكتور فوزي رشيد، يشير إلى سر تلك العلاقة، حيث يقول: إن هناك إشارات تؤكد أن الألحان السومرية القديمة تحمل في طياتها طابع الحزن والنوح، من تلك الإشارات أن العلاقة المسمارية الخاصة بكلمة أغنيته التي تلفظ باللغة السومرية «شير» قد اقتبسها الأكديون وعبّروا بواسطتها عن الفعل «ينوح» الذي معناه باللغة الأكدية «صراخو»، وكذلك عن الفعل يغني الذي لفظه ومعناه في الأكدية «زماروا» وهذا ما يدل على الشبه الكبير الذي كان موجوداً في العصر السومري القديم بين الغناء والنوح، وإلا فلماذا دون الأكديون الفعليين بالعلاقة السومرية الخاصة بكلمة أغنيته، وعلى سبيل المثال يقول رشيد أن هناك الأغنية العراقية الشهيرة «عيني وما عيني.. يا عنيد ييابة» التي ألّفها ولحّنها وأدّاها الفنان العراقي «حضيري أبو عزيز» وهو من محافظة ذي قار «الناصرية»، في الجنوب السومري من العراق، وهذه الأغنية كتبت وغنّت ولحّنت وفقاً لإحدى الطرق السومرية التي تتمثل في تكرار شطر البيت الأول في جميع أبيات القصيدة وقد ظهر هذا الأسلوب بالأداء في الألف الثالث للميلاد.

لذلك نجد ارتباطاً وثيقاً للشجن والحزن بالعراقيين، حتى بات موروثاً أصيلاً في ثقافتهم ووجدانهم.. لذلك لاغرو ولاعجب أن يطيب لهم الأكل على أنغام أغنية موجوع قلبي!!