آخر تحديث: 27 / 4 / 2024م - 7:26 م

الشيخ حسن ابن الشيخ باقر بوخمسين باقٍ في النفوس

أمير بوخمسين

في ذكرى رحيله الرابعة.. تبقى ذكراه في النفوس من خلال ما قدمه من خدمة وعطاء وبذل لمجتمعه..

قال رسول الله ﷺ «الخلق كلهم عيال الله، وإن احبّهم إليه أنفعهم لخلقه، وأحسنهم صنيعاً إلى عياله».

عندما نتمعن في شخصية الشيخ حسن نراها الشخصية الشامخة المعطاءة على كل الأصعدة والمجالات، فهو قامة امتدّت جذورها من تاريخ عائلة متأصلة لها جذورها الممتدة في المنطقة من عبق التاريخ، منذ جده آية الله الشيخ موسى بن عبد الله بوخمسين المرجع الديني الذي قلّدته آنذاك المجاميع الشيعية من العراق والخليج وغيرها، حيث أرسى الأسس الرئيسية لمجتمعه ولعائلته، فقد كان المرجع المحلي ورمز وطنيا، شكّل خيمة جمعت أبناء المجتمع، بحيث أصبحوا في تماسكهم نسيجا واحدا متجانسا، يسير في أوساطهم، ويطعم فقرائهم ويعود مريضهم، ويرشد ضالهم، ويعلّم جاهلهم، ويكرم يتيمهم، ويرؤف كوالد حنون بهم وبأبنائهم، وسار على خطه أبنه فضيلة العلامة سماحة الشيخ باقر الذي واصل المسيرة على خطى أبيه، فتغرّب وذهب إلى النجف الأشرف من أجل التحصيل العلمي حصل على درجة الاجتهاد إلا أنه لم يطبع رسالته العلمية، ورجع إلى دياره المملكة العربية السعودية في السبعينيات من أجل أن يقود المجتمع ويقوم بتوجيهه وقيادته، فأوكلت إليه مهمة القضاء من قبل الدولة بأن يستلم القضاء الجعفري في الأحساء، وحفلت مرحلته بالكثير من الأحداث والقضايا التي حلّت في منطقتنا، فكان حكيما منصفا في قضائه، عادلا لا يخاف في الله لومة لائم، كان يصدح بالحق بدون مواربة وتورية، سواء للقريب أو البعيد، وهوما أدى إلى أن ينال وسام المحبة والتقدير والشرف من المجتمع، وأما في مجال العطاء فكان سخيّا ومعطاء، لم يمنعه موقعه الرسمي أو علمه كمفكر وأديب من النزول إلى الشارع ومخاطبة الناس والدخول بينهم وحلّ مشاكلهم، ودعمهم ماديا ومعنويا، فكان يمارس الدور الأبوي للمجتمع بمعنى الكلمة، فيقوم بزيارة الأقارب وأبناء المجتمع على حد سواء بدون تمييز ولا تفرقة بين الغني والفقير، الشيعي والسني، فهو الرمز الوطني الموّحد للمجتمع، فينصر المظلوم ويعاون الفقير ويأخذ بحق من كان له حق، فقده المجتمع في التسعينيات، وأستلم من بعده أبنه سماحة العلامة الشيخ حسن، الذي واصل الطريق وسار على نفس الدرب في هذه الفترة، بقى القضاء شاغرا بدون أن يعلن من هو القاضي من قبل الدولة، وتم تكليفه مؤقتا، وعرض عليه بعد ذلك رسميا بأن يستلم القضاء إلا أنه قال كلمته المشهورة «لن أجعل القضاء بوابة دخولي إلى النار» و«كنت أخشى أن أكون ظالما في الحكم، وأدعوا الله القدير أن لا أكون كذلك». ومنها تنازل الشيخ عن ذلك المنصب لصالح آية الله الشيخ محمد الهاجري، الذي استلم القضاء، وكان يعينه عليه الشيخ محمد اللويمي. ولكن بعد وفاة الشيخ الهاجري في عام 1425 هـ، تم تعيين الشيخ اللويمي قاضيا، والشيخ حسن بن الشيخ باقر نائبا عنه، واستمر على هذا المنصب نائبا للقضاء إلى سنة 1430 هـ، حيث تفرغ لخدمة المجتمع والمساكين والمحتاجين، ولم يطرق بابه أحد إلا وكان مقداما خدوما في السراء والضراء، وحيث جمع الشيخ صفة الرجل الثري الذي ورث من أبيه الخير الوفير، وصفة رجل الدين الخادم لمجتمعه المتواضع، ونال مكانة اجتماعية مرموقة لما يقدمه لهم من خدمات وتواصل معهم والعمل على قضاء حوائجهم..

الحديث عن حياة الشيخ حسن مليئة بالكثير من المزايا والصفات، التي

التواضع:

ببساطته وطيبة خلقه في التعامل مع الآخرين، وفي كل الأوقات ليلا ونهارا، لم يغلق بابه أمام فقير أو غني، إلا وكان يعتبره كأخ وصديق، لذلك مجلسه كان مليئا دائما بالمريدين له، فلا يميّز بين أحد، فالكل عنده سواء، وهذا مما أعطى الانطباع من الآخر بأن حالة التواضع في حياة الشيخ أنها بلغت حد الإفراط والإنزال من شخصيته ومكانته العلمية. فلم تبقى قرية ولا بيت إلا وعرف الشيخ حسن، وذلك لدماثة أخلاقه ورقّي تعامله مع الجميع.

الكرم:

سار على درب ابائه، وسلك نفس الطريق الذي سلكه الجد المرجع آية الله الشيخ موسى بوخمسين، ومن بعده والده سماحة العلامة الشيخ باقر بوخمسين، فكرمه لم يميّز ما بين طالب علم أو محتاج فقير. كان منزله دائما مكتظ بالزائرين والمرتادين له من الأحساء وقراها، ومن المناطق الأخرى كالقطيف طلبا للمعونة والمساعدة، فلم يتوان جهدا إلا وقدمه من أجل خدمتهم، وعلى كل الأصعدة مادية واجتماعية وحل مشاكلهم، وهومن الداعمين الرئيسيين لجمعيات البر الخيرية في الأحساء والمناطق الأخرى، وكافة الأنشطة الخاصة بالعائلة «بوخمسين»، ومساهماته في دعم الزواجات الاجتماعية التي كانت تقام في الأحساء.. الشيخ حسن مثالا للكرم، فعندما كان يستلم الحقوق كان يباشر في توزيعها على مستحقيها، فالكثير من أبناء المجتمع كان يؤدي الخمس لدى الشيخ لمصداقيته وللثقة التي يتسم بها من هو في موقعه، ومعرفتهم بشفافيته وصدقه في توزيع هذه الحقوق على مستحقيها.

علاقاته الرسمية والاجتماعية:

كان لوالده العلامة سماحة الشيخ باقر بوخمسين قاضي الأحساء علاقات واسعة على الصعيد الرسمي، بداية من رأس الدولة وعلى رأسها الملك إلى إمارة المنطقة الشرقية والأحساء، ففي كل مناسبة تقوم بها الدولة كان سماحة العلامة يقوم بتأدية الواجب في الحضور، وبعد وفاة والده قاضي الأحساء سماحة العلامة الشيخ باقر بوخمسين، والتركة الثقيلة التي تركها والده من العلاقات الرسمية والاجتماعية، كان لزاما على الشيخ أن يواصل الطريق في استمرارية هذه العلاقات، وهذا ما قام بها الشيخ من تطوير لهذه العلاقات، فحضوره الرسمي في كافة المناسبات الرسمية من قبل القصر الملكي أو إمارة المنطقة الشرقية، أو الأحساء وكنت قد شاركته في العديد من هذه الزيارات برفقة الأستاذ الأخ عبد الكريم موسى بوخمسين، حيث كان لهذه الزيارات الأثر الكبير في المشاركة والإنفتاح على كافة أقطاب الدولة، وترجم ذلك من خلال التشاور مع الجهات العليا في الدولة من أجل خدمة المجتمع وحلحلة الكثير من القضايا التي تهم المواطن في المنطقة، لم يتوانى الشيخ حسن في مساعدة الكثير من أبناء المجتمع عندما يطلب منه المساعدة والدعم، فكان ذو همة عالية ومبادر في عمل الخير..

رافق الشيخ في بداية مشواره الحاج المرحوم موسى العبد الله بوخمسين، الذي كان معه في كل جولاته وصولاته وزياراته الاجتماعية، فلم تبق قرية ولا مدينة إلا وكان للشيخ أثر طيبا، حيث وصلت عدد الزيارات في اليوم الواحد في الكثير من الأوقات للشيخ ومرافقه إلى أكثر من ثلاثة عشر زيارة، توزعت ما بين القرى والمدن في الأحساء، وتنوعت زياراته على الصعيد الاجتماعي لكل أطياف ومشارب المجتمع بكل فئاته، فترى الكثير ممّن عاصر الشيخ يذكره بأنه الطائر المحلّق بإستمرار، حتى وصل بالبعض العتب على الشيخ بأنه لا يمكث في منزله، وتركيزه على المجتمع أكثر من أهله، وقد يكون ذلك نابع من محبتهم للشيخ وغيرتهم عليه.. بعد رحيل مرافقه الحاج موسى العبد الله بوخمسين، واصل المسيرة كمرافق من بعده الأستاذ عبد الكريم موسى بوخمسين، الذي كان عضد وسند للشيخ في حلّه وترحاله، وبنفس الوتيرة المتصاعدة والمدركة لأهمية العلاقات سواء الرسمية أو الاجتماعية وعلى كافة الميادين، كان الأثنان دائما في حالة تأهب، فيوم تراهم في الدمام وآخر في الرياض، وجدة والأحساء، وترى الزيارة متنوعة فتارة فرح وتارة حزن وآخري زيارة رسمية لجهة رسمية من أجل حل مشكلة ما لمواطن.. أنه الشيخ حسن عرف بحركته الدؤوبة وتواضعه وكرمه وتسامحه، هذه القامة الشامخة التي أعترف بها القاصي والداني، عندما توافدت الوفود الحزينة والتي جاءت من أقصى مدن وقرى الأحساء والمنطقة الشرقية لحضور موكب تشييعه ومراسم دفنه حيث وافته المنية في يوم من أيام الله يوم عرفة في التاسع من شهر ذي الحجة 1440، جاءت لتعبّر عن حبّها الشديد لهذه الشخصية التي ارتبطت جذورها بمنبتها في الأحساء كنخلة شامخة.. يقول شاعرنا الكبير والمبدع الأستاذ جاسم صحيح في حفل تأبين سماحة الشيخ حسن أبن الشيخ باقر بوخمسين:

يا أيها القاضي العريق كأنما

ولدت يداه العدل والإنصافا