آخر تحديث: 9 / 5 / 2024م - 11:18 م

لا تتوقع الحل لمشكلتك ممن ليس له مصلحة في حلها

غسان علي بوخمسين

لفتني خبر في جريدة نيويورك تايمز قبل أيام عن مادة دوائية تدعى phenylphrine تدخل في صناعة كثير من أدوية البرد لمعالجة أعراض احتقان الأنف والحلق، وكونها غير فعالة، ولا تعطي الأثر المطلوب منها، وهذا الخبر ليس جديداً عليّ؛ بحكم كوني صيدلياً، واعرف هذه المعلومة منذ زمن بعيد، ولكن التفاصيل التي أوردها الكاتب أدهشتني، وكانت شرارة هذا المقال.

ورد في التفاصيل، أن هذه المادة مكتشفة من ثلاثينيات القرن الماضي، وبدأ تسويقه منذ لك الوقت، في عام 1938 أقر الكونغرس قانوناً يلزم الشركات على إثبات إن الدواء آمن، ولا يسبب الضرر، وفي عام 1962 أي بعد ربع قرنٍ تقريبًا، صدر قرار بلزوم إثبات أن الدواء فعال، ويعطي الأثر المطلوب منه. بطبيعة الحال كلنا يظن انه منذ ذلك التاريخ، أنه قد جرت الدراسات والاختبارات اللازمة للتأكد من فعالية هذا الدواء، ولكن الحقيقة ليست كذلك للأسف، فبعد التأكد من سلامة الدواء التي لها الأولوية، تأخذ دراسات الفعالية أولوية ثانوية، ولا سيما مع الأدوية التي تباع دون وصفة طبية كما هو حال أدوية البرد، لذلك لم تجر دراسات الفعالية إلا في في وقت متأخر، وحتى بعد أن جرت تلك الدراسات، وأثبتت أن الدواء غير فعال، لم تحرك هيئة الغذاء والدواء ساكناً، بل إن خبراء.

الأدوية رفعوا التماساً منذ أكثر من 15 عاماً لسحب الأدوية المحتوية على هذا الدواء بدعوى أنها غير فعالة، ولم يحصل شيء، وأعجب ما في الموضوع أن معظم الدراسات التي أجريت لاختبار الفعالية ليست من جهة رسمية بل من الشركات، وكان الهدف من الدراسات ليس التأكد من فعالية الدواء، بل إثبات أن الجرعة الموصوفة قليلة وغير فعالة، ويجب زيادتها، لأن عدم فعالية الدواء معروفة منذ زمن طويل، ولا تحتاج إلى تأكيد،.

وهذا يطرح تساؤلاً كبيراً، لماذا لا تقوم الجهات المختصة بدورها في سحب هذا الدواء غير الفعال من الأسواق، فهذا قصور وعجز من الجهات الرقابية الرسمية عن القيام بالدور المتوقع منها، فحتى لو قبلنا بسلامة الدواء وعدم تسببه في ضرر، إلا أنه مضيعة للمال والوقت وإهدار فرصة ثمينة في البحث عن علاج أفضل.

العبرة من هذه القصة الطويلة والواقعية التي نعايشها جميعاً مع أدوية البرد غير الفعالة، يتضح لنا أهمية معرفة أبعاد المشكلة التي تواجهنا وملابساتها وطرق حلها، والأهم من ذلك معرفة الجهة القادرة على حل المشكلة ونزاهتها في حل المشكلة، وعدم وجود مصلحة لها في بقاء المشكلة دون حل، مما يعقد المشكلة أكثر وأكثر.

لذلك علينا التحلي بالوعي والبصيرة في تحديد أفضل الحلول للمشاكل، وتعيين الجهات النزيهة والقادرة على الحل، والأهم من ذلك امتلاكها للإرادة الصادقة على الحل.