آخر تحديث: 29 / 4 / 2024م - 1:36 م

تجربة الحب الماليزية 3

كاظم الشبيب

تحييد الكراهية بين أناس أنهكتهم الصراعات ليس بأمر سهل المنال، لكنه تحقق في ماليزيا، بل تحول إلى صور رائعة من المحبة بين أهل الهويات المختلفة. لم يأت تعايش سكان أهل الهويات المختلفة في ماليزيا عن طريق تلاقي الأطياف الماليزية فحسب، وإنما يقف خلف هذا التعايش رؤية مشتركة بين القوى المتعددة، ثم ارتسم في الدستور الماليزي، ويقف خلفه أيضاً نظام حكم اعتمد اللامركزية في إدارة الشأن العام والحياة اليومية للدولة والمجتمع. وإرادة تاريخية وسياسية جامعة للعرقيات والثقافات المختلفة.

من أهم ما تضمنته مسودة الدستور في ماليزيا: اعتماد الملايوية، لغة رسمية ووطنية للبلاد. إنشاء قومية واحدة، والأخذ بعين الاعتبار، إمكانية حصول كل مواطن ملايوي على حق المواطنة. وقد شُكلت لجنة في عام 1956 م لوضع سياسة تعليمية تهدف إلى تنمية الشعور الوطني في التعليم. ويضمن الدستور الماليزي الحريات الأساسية للمواطنين والتي تشمل: حق الحياة، وحرية التعبير، والتجمع والتنظيم، وعدم الاعتقال العشوائي، والمساواة، وحرية الدين.

 وقد نص الدستور على: لحكومة ماليزيا نظام حكم ديمقراطي وفيدرالي، تتقاسم السلطة فيه حكومة مركزية و 13 مجلساً تشريعياً في الولايات. يتم اختيار أعضاء البرلمان والمجالس بالانتخاب العام، والحزب الذي يفوز بأكبر عدد من المقاعد، هو الذي يتولى الحكم. وتُعد ماليزيا ملكية دستورية. ورئيس الحكومة المركزية هو الملك. يتم تعيين الملك بالانتخاب، إذ يقوم أعضاء مؤتمر الحكام من الولايات التسع بانتخاب واحد منهم ليكون الحاكم الأعلى لمدة خمس سنوات. ويتم اختياره على أساس الأقدمية والتعاقب.

ويقسم الدستور السلطة بين الحكومة الفيدرالية وحكومات الولايات، وللحكومة الفيدرالية صلاحية إدارة شؤون الدفاع والعلاقات الخارجية والتعليم والصحة والمالية والتجارة والصناعة والشؤون الداخلية. ويعطي لحكومات الولايات سلطات خاصة فيما يتعلق بالزراعة والأراضي والإسكان والخدمات الاجتماعية والشؤون الدينية. ويكون حاكم الولاية زعيماً دينياً للمسلمين في ولايته. ويتمتع فيها بنفس السلطات التي يتمتع بها الملك بالنسبة إلى ماليزيا. ولكل ولاية مجلس تنفيذي بحيث يتشكل في كل ولاية ما يطلقون عليه ”الحكم المحلي“.

أما تجربة ماليزيا الحديثة، اليوم، فأهم التحديات التي واجهتها: بناء مجتمع ماليزي متحد اجتماعياً وأمنياً، ناضج ديمقراطياً، تسوده الأخلاق والقيم والاحترام المتبادل، ومخلص لوطنه دون الالتفات لعرق معين أو فئة، ويكون علمياً تقدمياً، غير مستهلك فقط للتقنية، بل منتج وقادر على الابتكار والإبداع والتصنيع في كافة المجالات. ويهتم بالآخرين، ويعترف بالآخر ودوره في مجتمعه، مع ضمان مجتمع تسوده العدالة الاقتصادية والاجتماعية، وتسوده روح الشراكة، وتحقيق التنمية الشاملة المتوازنة، وانتشال المجتمع من الفقر والجهل.

انطلق النموذج الماليزي للتنمية الشاملة في عام 1981 م، وتم وضع الخطط والرؤى الاستراتيجية للنهوض بماليزيا في كافة المجالات كرؤية «2020» لوضع ماليزيا في مصاف الدول الصناعية المتقدمة، وقد عملت الإدارة الماليزية، وعلى رأسها الرئيس مهاتير محمد بفعالية القيادة التي تتسم بالحزم. وقد أطلق البعض على أسلوب قيادته وصف «الدكتاتورية الإيجابية» لاحتفاظها بصفات العدل واتخاذ القرارات دون تردد مع محاسبة المقصر مع اهتمامه واعترافه بمن هم معه وخلف نجاح القيادة وعدم تهميش دورهم. وفي المقطع المرفق شرح لجزء من التجربة بعنوان ”ما سر نجاح تجربة التنمية الماليزية“:

*حلقة نقاش حول «إدارة التنوع في التجربة الماليزية»، http://www.sudansite.net