آخر تحديث: 27 / 4 / 2024م - 7:26 م

المرجعيّات الفقهيّة الكلاسيكيّة... أسئلة العلاقة ومراجعة الخطاب!

حسن المصطفى * جريدة النهار

استكمالاً للمقالات الثلاث التي نشرتها في ”النهار العربي“ حول المرجعية الدينية في الخليج العربي وحدود أدوار الفقهاء، يطرحُ هذا الجزء الرابع سؤالاً رئيساً: كيف يمكن التعامل مع المرجعيات الدينية القائمة حالياً، وتحديداً المحافظة، التي لا تنخرط في السياسة؟

هذه المرجعيات لها حضورٌ وازنٌ في الحوزات العلمية المختلفة، وتحديداً حوزتي ”النجف“ العراقية و”قم“ الإيرانية، من دون إغفال وجود تأثير لمراكز علمية أخرى ولفقهاء في مدنِ: مشهد، طهران وكربلاء!

المرجعيات الفقهية الكلاسيكية هي تلك التي لا تفضلُ التدخل في الشأن السياسي، وتعزف عن الانخراط في الأحزاب، وتميلُ إلى تكوين علاقة سلمية مع حكومات الدول التي تستقر فيها، وإن تباينت معها في المواقف الفكرية أو الآراء السياسية، مكتفية في حالات خاصة بإبداء رأي تجاه القضايا الحساسة جداً والكبرى، وهو دورٌ يمارسه نزرٌ يسير من هذه المرجعيات الكلاسيكية، وليس جميعها، وذلك بحسب اختلاف إمكاناتها وظروفها.

بعض المرجعيات الكلاسيكية كانت لها مواقف إيجابية تجاه تعزيز السلم الأهلي ومحاربة خطاب الكراهية والطائفية، ودأبت في دعوتها إلى احترام سيادة الدولة وعدم انخراطِ أتباعها في أعمال العنف أو الإرهاب التي شهدتها بعض دول الخليج العربية، بُعيد عام 2011.

هذا الخطاب ”المُسالِم“ من هذه المرجعيات، له تأثير على مئات آلاف المقلِدين العرب - بنسب متفاوتة - وهو حتى وإن كان استرشادياً - أخلاقياً، ولم يؤسس له فقهياً أو قانونياً تأسيساً متيناً ومستداماً حتى الآن، إلا أنه يبقى مفيداً، ويؤدي دوراً إيجابياً في ضبط شريحة من الشارع العام المتدين في الخليج العربي، مع ضرورة أن يكون ”القانون“ هو الضابط الأول الذي لا يسبقه ضابط!

العدالة وتحترم أيضاً التنوع المجتمعي والثقافي وفق توليفة حديثة تضمن عدم التصادم بين الهويات الخاصة، لكن لن تعلي من شأن ”الطائفة“ قِبال الهوية الوطنية الجامعة.

بناءً على ما تقدم، فالعلاقة مع هذه المرجعيات يجب ألا تأخذ صفة التبعية أو السمع والطاعة العمياء، وليس من الحكمة أن تكون هنالك مناخاتُ صدامٍ وتوتر معها؛ لكن الحصافة تستوجب أن تكون هنالك صيغة جديدة تحترم سيادة الدول، وتحدُ من أي تأثير سلبي قادم من وراء الحدود، وتعزز قيمَ ”المواطنة الشاملة“، وفي الوقت ذاته تأخذ في الاعتبار التغيرات التنموية والاجتماعية والثقافية الكبرى التي تعيشها دول الخليج العربي، من دون أن تلغي مكانة الفقه في حياة شريحة من المواطنين المؤمنين الذين يلتزمون به، خصوصاً أن الدولة الوطنية الحديثة ضمنت لجميع مواطنيها حقهم في الاختيار الحر وممارسة شعائرهم تحت سقف القانون.

ماذا عن المرجعيات الدينية الحركية، تلك التي تنخرط في العمل السياسي، ما هو مستقبلها، وكيف يمكن الحد من الأثر السلبي لخطابها الثوري؟.. التفاصيل في الحلقة الخامسة.