آخر تحديث: 4 / 5 / 2024م - 10:54 م

المرجعية الإنسانية وتجديد بنية المرجعية الدينية

طالب عبد الحميد البقشي *

لا يزال مشروع تجديد بنية المرجعية الدينية في مخاض التطوير ودراسة التجربة لتصحيح تطبيقاتها في الواقع الاجتماعي والبحث عن نموذج بصياغة جديدة تحدث تحولات في المفهوم للوصول لنظرية متكاملة في التطبيق.

ويتداول هذا الفكر الفقهاء المجددين والباحثين عن نظرية ناضجة في الطرح عن بنية تؤسس لمرجعية دينية تتلاءم مع متطلبات المصلحة العليا للبيت المسلم الاثني عشري.

وعاشت المرجعية الدينية على امتداد السنوات الطويلة الماضية تجربة أطروحة مرجعية ترسخ نموذج المرجعة الذاتية المتصفة بسمة الأعلمية والمتحملة لجميع أعباء مسؤوليات المرجعية.

وفي السنوات الأخيرة المعاصرة تعاقب طرح تجديد وتصحيح مفهوم منظومة وبنية المرجعية الدينية للتحول من المرجعية الذاتية إلى أطروحات جديد ونماذج عمل مؤسسي يتلائم والعصر الحديث وإيلاء بالغ الاهتمام لتحقيق تكامل في التجربة والتطبيق لإدارة المجتمع المسلم الاثني عشري برؤية ومنظومة تشريعية جديدة ومتكاملة.

وفي هذا السياق طرح السيد محمد باقر الصدر رؤيته في تجديد بنية المرجعية الدينية في نظرية ”المرجعية الصالحة والمرجعية الموضوعية“.

وفي امتداد تطور فكر المرجعية الديني برز طرح السيد محمد الشيرازي في تطوير بنية المرجعية الدينية في نظرية ”شورى المراجع“ وكتب أحمد الكاتب في ضوء هذه الأطروحة كتاب المرجعية الدينية الشيعية وآفاق التطوير الإمام محمد الشيرازي نموذجا

وضمن السلسلة المتتالية للنظريات المطروحة في تطوير بنية المرجعية الدينية احتدم سجال وتداول لمفهوم المرجعية الدينية بين الفقهاء والمفكرين، حتى استقر التحول لنموذج مأسسة المرجعية وتحديد مراجع التقليد واختيار المرجع الأعلى من قبل مجلس أهل الخبرة وتبلورت نظرية ”ولاية الفقهاء“.

وطرح السيد فضل الله نموذج جديد تمثل في نظرية ”المرجعية المؤسسة“ وإنهاء المرجعية الذاتية، وجعلها مؤسسة متكاملة، وفي هذا الشأن ألف السيد فضل الله كتاب المعالم الجديدة للمرجعية الشيعية.

وطرح مؤخراً السيد كمال الحيدري نظرية المرجعية الإنسانية والدينية، وحدد معالمها بأنها مرجعية علمية دينية شمولية وأنها لا تختزل في فئة خاصة ولا طائفة معينة أو دين معين وله كتاب بعنوان مشروع المرجعية الدينية وآفاق المستقبل.

من خلال التأمل والبحث في كل الأطروحات السابقة يتضح أن الاتجاه المعاصر كان في مسار تطوير وتجديد هيكلة بنية وآلية المرجعية الدينية لتحقيق التكامل في التجربة والتطبيق، ولكن اتصف طرح السيد كمال الحيدري باتجاه ومسار مغاير بانسنة المرجعية فهو اتجاه مختلف وجديد في بنية المرجعية بإدخال بعد الإنسانية في البنية المرجعية والتركز على مد جسور وبناء علاقات مع كل الاتجاهات الدينية التي يؤمن بها البشر.

والتساؤل المطروح هل تتوافق المبادئ الإنسانية الحديثة السائدة وفق التصور الغربي مع تطبيق التشريعات الدينية، فعلى سبيل المثال في تطبيق أحكام الميراث هل يطبق المشرع الديني النص الشرعي بحسب التشريع الديني للذكر مثل حظ الأنثيين أم يطبق المبدأ الإنساني والمساواة في الميراث.

ويتضح مما سبق أن نصوص الدين ومبادئ الإنسانية العصرية على طرفي نقيض فالدين يهتم بالمسائل العقائدية والتعبدية وهو أيضا رسالة أخلاقية تؤكد على إعلاء القيم الأخلاقية التي تحفظ كل ما يخص الإنسان. وأما المبادئ الإنسانية بحسب العقل الغربي، فإنها ترتكز على خلفية سيادة العقل وإلغاء الدين.

ونموذج طرح الحيدري للمرجعية الإنسانية قد يفتح منظومة المرجعية الدينية علي البعد الإنساني والدخول في فكر الحداثة والتنوير التي تقوم على تفكيك جوهر الدين.

والتساؤل الآخر هل هذه الأطروحة في اتجاه تكامل بنية ومنظومة المرجعية الدينية في تطبيق النصوص والتشريعات الدينية أم أنها اتجاه جديد للعودة للمرجعية الذاتية وتطبيق المبادئ الإنسانية؟

وضمن هذا الأطروحة تثار تساؤلات هي محل استفهام هل يوجد قبول لمظلة المرجعية الإنسانية من أتباع المذاهب والأديان؟