آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 1:33 ص

حينما يتحول الصحفي إلى «ساعي بريد»

نداء آل سيف *

  يقال ان راعي أحد المنتديات الثقافية في المنطقة؛ أرسل مادة خبرية جاهزة إلى صحفية شابة لنشرها بإسمها في الصحيفة التي تعمل بها؛ فما كان من الصحفية إلا الاعتذار عن نشر المادة الجاهزة، مبررة موقفها الرافض؛ بأنها لا تؤمن بلعبة ”تمرير“ الأخبار الجاهزة على هذا النحو!

وإلى هنا، لا شيء يدعو للغرابة في الموقف أعلاه؛ لكن المذهل كان في ردة فعل راعي المنتدى واستغرابه الشديد من موقف الصحفية، مستغربا رفضها تمرير المادة الخبرية الجاهزة، شأنها شأن العديد من الصحفيين الآخرين، بل وذهب بعيدا في محاولة ثنيها عن موقفها، متعللا بأنها في بداية المشوار الصحفي وعليها أن لا تتردد في ”تمرير“ الأخبار الجاهزة!.

شخصيا؛ ليس عندي أدنى شك بأن نزوع بعض الصحفيين المزعومين نحو إعادة تدوير المواد الإخبارية الجاهزة وتمريرها إلى صحفهم، لتنشر تحت أسمائهم، يعدّ مؤشرا فاضحا على غياب المهنية، وبما يرقى إلى ما يمكن وصفه بالفساد المهني والصحفي.

ولمعرفة مدى تفشي هذا الداء في جسد الصحافة؛ لا يحتاج القارئ إلى ميكروسكوب، ولا إلى البحث والتدقيق. اذ يكفي إلقاء نظرة سريعة على تناول الصحف والمواقع الإلكترونية لتغطية معينة لإحدى الفعاليات الأجتماعية؛ للاكتشاف بأن جميع التغطيات المنشورة بأسماء مختلفة هي في حقيقة الأمر معدة بقلم واحد، غالبا ما يكون من أحد القائمين تلك الفعاليات نفسها!

وحتى لا أتهم بالتجني، ينبغي أن أقول ان بعض هؤلاء الصحفيين ”يحمي“ نفسه ويبرء ذمته الصحفية بإضفاء بعض الرتوش على المادة الخبرية الجاهزة، كتغيير العنوان أو تقديم وتأخير كلمة هناك أو هناك؛ أثناء مشاهدته مباراة كرة القدم بين ريال مدريد وبرشلونة، أو أثناء تسوقها في المجمع التجاري، وبهذا يكون «هو وهي» قد حللا راتبيهما، وكفى الله المؤمنين شر القتال!

وللوقوف على أحد أسباب هذا الفساد الصحفي، أظنه يتجلى في عدم تقيد بعض الصحفيين ب «ميثاق شرف إعلامي» يلتزمون به ويقسمون عليه، كما يقسم الأطباء ورجال الأمن قُبيل انخراطهم في ميدان العمل؛ فالصحفي قد يسطو على ما يشاء من مواد صحفية دون أي سلطة عليه! بل والأكثر سوءا هو أن بعض الصحفيين أنفسهم يتعاونون على السرقة، وبدلا من كتابة الأخبار يتحولون إلى «ساعي بريد»؛ فهذه الصحفية تكتب الخبر اليوم؛ لتقوم في اليوم التالي بإرساله إلى صديقاتها في الصحف الأخرى، ربما مقابل كوب كابتشينو من ستار بوكس، أو صحن ورق عنب لا يقاوم!

أؤمن بأن العمل الصحفي هو فن قوامه الذوق السليم والموهبة الفطرية والثقافة الواسعة. ومن وجهة نظري المتواضعة، يمكن القول أن صناعة الخبر لا تقل عن صناعة الفخاريات الراقية، والتي يقوم فيها الصانع الماهر بتشكيلها على هيئة معينة؛ تعكس بصمته وتميزه عن باقي زملاءه. وكذلك شأن الصحفي الناجح فهو بنفسه من يصنع المادة الخبرية ويشكلها بطريقته التي تميزه عن الآخرين، ولتحمل بصمته التي لا يماثله فيها أحد.

لا أحد ينكر جمال التعاون، وتوزيع الأدوار، ولكن في المقابل لا أعتقد أن تمرير الاخبار الجاهزة، يتناسب وهذه القيم. بل انه في نظري القاصر؛ نحن بهذه الممارسة نشوه معاني التعاون وجمال توزيع الأدوار، ونقلب المفاهيم والمواثيق رأسا على عقب؛ فما يحدث من تبادل المواد الخبرية الجاهزة هو فساد صريح، ملون بألوان الصداقة، بل ويعد هذا التصرف مخالف للنظام وآداب المهنة وميثاقها.

وأعجب حقا من اللجان الإعلامية لبعض المنتديات أو المراكز؛ والتي تسعى في المقام الأول إلى نشر فعالياتها وأنشطتها المختلفة، بتوزيع الأخبار والمواد الإخبارية «جاهزة» إلى بعض الصحفيين الذين يجدونها «لقمة سائغة». وكان يفترض من هذه اللجان الحرص على حقوقها وجهودها.

خاتمة المطاف، لابد من القول أن وجود هذا العدد الكبير من المحررين في الساحة يجعلنا نطمع حقا في الاطلاع على تغطيات متنوعة لنفس الحدث؛ وبأكثر من زاوية ورؤية فنية، وهذا ما لن يتحقق الا حينما نسمح للحس الصحفي النائم في داخلنا بالاستيقاظ، وفِي مقابل ذلك ندفع بحس إعادة التدوير والتمرير ”النشيط جدا“ إلى أن يخلد إلى النوم العميق بلا استيقاظ. حينها فقط سوف نحظى بصحافة تتسم بالنزاهة والمهنية، والخالية من الفساد المهني. وكل تغطية خبرية والصحافة بخير!.

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 3
1
محمد حمزة
[ الرياض ]: 4 / 3 / 2017م - 4:45 ص
مقال غاضب بأسلوب ناعم،،
الصحفي مؤتمن، والمهنية تحتم عليه الجد والصدق والنزاهة، والكاتبة كانت صريحة في عرض المشكلة التي أتمنى أن لا تصل لحد الظاهرة..
شكرا استاذة نداء.
2
علي عبدالله
[ القطيف ]: 4 / 3 / 2017م - 3:07 م
مقال جريء، وأعتقد أنه لن يأخذ حقه من الانتشار، والسبب في الجملة الأولى. ذلك أنه يتمرد على مقومات "الشللية الصحفية"، تلك التي ليست بمعزل عن أختها الثقافية والأدبية والفنية؛ هذه الأسرة مجموعة هي ما أفقد مجتمعاتنا التميز المعرفي والثقافي، وصرنا نسخ كربونية، نتكلم بذات الطريقة، ونعبر بذات الطريقة، وحتى مشروباتنا ومأكولتنا لم تعد كما "تشتهي"، بل أن "ما يشتهي الناس"تسرطنت لتجتاح الشطر الأول من المَثَل المعروف.
يؤسفني؛ أننا بينما يطالب العالم برفع سقف حرية الصحفيين ليستطيعون اقتحام مساحة ما وراء الحد، يقبع صحفيونا (رغم جودة قدراتهم غالبًا) في منطقة الأمان، والراحة.. القاتلة، وهي الاستنساخ. مساحة الرأي قُتلت بهذا التشابه، والتعددية.. كذلك ضحية تابعة لهذا النهج الآخذ بالتفشي!
شكرا نداء، لامستِ الجرح
3
علي عباس
[ سيهات ]: 4 / 3 / 2017م - 5:03 م
مقالة اكثر من رائعة تفضح مافيا الفساد الإعلامي.