آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 10:36 م

السبع يعيد كتابة «ليالي عَنان»

عبد الباري الدخيل *

”استودعُ الله في بغداد لي قمراً“

لأن التاريخ من الخطورة بحيث لا يمكن تركه للمؤرخين، وذلك لأنهم يحولونه إلى وقائع وأرقام وتسلسل زمني جامد، وقائمة منسية من وفيات الأعيان، انبرى الشاعر والاديب حسن السبع لاعادة كتابة حكاية ”عَنان“ الصبية البغدادية التي شغلت المؤرخين، فنسجوا القصص والقصائد حولها.

حاول السبع - كما وعد عَنان - أن ينتصر للجمال والشعر والادب في شخصيتها على كل الأقاويل والتخرصات.

لهذا فقد حذف تلك التفاصيل، أو أشاح بوجهه الشريف عنها، وراح وراء جمال الروح والحدث رواياً لقطات من سيطرتها على كل رواد الصالون، واصفاً هيبة حضورها في عيون وقلوب وعقول الشعراء والادباء.

كان الشعر ضيف الشرف في صفحات الرواية، لم يتكلف بذكر المطولات، واكتفى بالتلميح والاستشهاد، ولو شاء لفعل، لكن ذائقة الشاعر المرهف حالت دون ذلك.

طعّم السبع روايته بشيء من روحه المرحة، فظهرت النكات والتعليقات بين ثنايا الحكاية، تقرأ فتضحك وكأنك أمام ممثل كوميدي روى نكتة، او «افيه/ تعليق» فاجئك فاستسلمت للضحك.

”ليالي عَنان“ ليست رواية، ولا سيرة ذاتية وان تضمنت الكثير من آراء السبع، انها نص سردي - كما ذكر ذلك - فيه مزيج من الواقع والحلم والأدب والتاريخ والفنتازيا.

يتحدث حسن السبع عن لحظة تجلي يقف فيها بين النوم واليقظة، فيأخذ بيده «ابوالفرج الاصفهاني» إلى دار السلام/ بغداد القرن الثاني.

وفي قصر الناطفي يلتقي بعنان، هذا المكون الغريب، والمزيج من كل بحر قطرة، ومن كل زهرة رائحة.

لا يحب الكاتب السبع أن يكون مؤرخاً لهذا شارك في الحضور، ونقل الاحداث كالصحفي من ميدان الحدث، فجاءت مشاركته اجمل من روايات ابي الفرج.

في رواية ”ليالي عَنان“ تتنقل مع السبع بين قصص الحب، وأبيات الشعر، بين التاريخ والطرفة بكل رشاقة وانت ممسك بالكتاب تود لو أنك معهم في قصر الناطفي المطل على دجلة، تعيش ترف قصور العصر العباسي، وتشارك اليمامي وعنان حديث السمر، وتعاطي الشعر، وتبادل احاديث النخب والعلماء، ويكون لك من «حتى» موقف يعطل الزمان، فتسافر بين فتن الحقيقة المطلقة، وأنفاس المسك، وتتمسك باللحظات المخملية.

بين ما كتبه المؤرخون وما رواه السبع عن ”عَنان“ اميل الى حكاية السبع، ففيها المرأة محترمة، مقدرة، جارية نعم.. لكنها سيدة قصرها، وراعية الصالون الادبي الذي يرتاده نخبة العصر.

مما اظنه رأي حقيقي للأديب حسن السبع هو رأيه في «شيمو/ ابوالشمقمق» فقد كان يقدر فيه عدم بيعه لشعره، واباءه عن التلون ومدح من لا يستحق، وموقفه - اي السبع - من مروان بن أبي حفصة الشاعر المتلون الذي يقايض الشعر بالدنانير، وهذا موقف مبدئي - اظن - أنه خرج من قلب السبع إلى الورق متلبساً بلسان الراوي.

هذه الرواية رغم الأربعمائة والثمانين صفحة من روايات قليلة تتمنى أن لم يدرك شهرزاد الصباح لتسكت عن الكلام المباح.