آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:00 م

أرقام اقتصادية أم رفاهية

ناصر موسى الحسين صحيفة الوسيل القطرية

لا يقاس الرفاه الاقتصادي بالأرقام الضخمة للموازنات ولا بمظاهر المدنية أو استخدام الأساليب الحديثة والتقنيات المتقدمة في التفاصيل والمعاملات اليومية للمجتمعات، ولا بوفرة السلع وتعدد خياراتها، ولا بالطبيعة الجميلة والهواء النقي.. فالرفاه مفهوم معقد نوعًا ما وهو نسبي أيضًا، ولكن يمكننا بسهولة معرفته عبر التعرف على ضده، فالأشياء تعرف بأضدادها كما يقول العلماء، والضد هنا هو العوز أو الإعسار أو الحرمان، ومجتمع الرفاهية يقابله مجتمع الحرمان. الحديث عن الرفاهية يتداخل كثيرًا مع مفاهيم أخرى مثل التنمية الاقتصادية، خاصة مع ملاحظة النمو في أعداد السكان. كما يرتبط بالاستقرار الاجتماعي إذ تنعكس التنمية الاقتصادية بشكل مباشر على المجتمع، فهي تعزز ثقته بالدولة، وتحفزه للإنتاج، وتزيد دافعيته في الحفاظ على المكتسبات، بينما تدفع الأزمات الاقتصادية مجتمعاتها إلى الاضطراب، فتنشأ الظواهر السلبية وفي مقدمتها الاضطرابات الأمنية، كما يتراجع في ظلها مستوى الاهتمام بالصحة، ويتفشى الجهل، وتكبر الفجوة بين المجتمع والدولة. وفي هذا الصدد فإن أحد محركات الهجرة لدى الشعوب - عدا الهروب من الحروب والظلم والديكتاتورية والتوترات - هي التطلع إلى الرفاهية. ولقد شهدت دول العالم الكثير من الهجرات الفردية والجماعية بسبب الحروب أو الكوارث البيئية وغيرها، وهي هجرات طبيعية. أما في دول المجلس، وخلال العقود الماضية فقد سجلت حركة تنقل بينية محدودة لأفراد وعائلات، وذلك لوجود تباينات بين دولة وأخرى على المستوى الاقتصادي. وفي السنوات القليلة الماضية لاحظنا أرقامًا غير قليلة في حركة الهجرة من دول المجلس إلى مناطق خارج الإقليم. قد تكون هناك أسباب أخرى غير اقتصادية تسببت في ارتفاع أرقام المهاجرين نحو الدول البعيدة، ولكن من المؤكد أن الوضع الاقتصادي أحد هذه الأسباب، وهذا يحتاج إلى دراسات وأبحاث للوقوف على الأسباب وتفاصيلها وبالتالي إيجاد الحلول التي تحقق الاستقرار لمجتمعات دول المجلس.

تبني المجتمعات تطلعاتها نحو الرفاهية في سياق المقارنة وهذا يؤكد نسبة المفهوم: فهناك المقارنة بالمجتمعات الأخرى، إذ تبحث عن النماذج التي تتوفر فيها - بالإضافة إلى الاحتياجات الأساسية الضرورية كالتعليم والصحة الأمن والوظائف - مقومات وعوامل الرفاهية، ومن بين هذه العوامل معدل الدخل المرتفع، وهو من المعايير العالمية في تصنيف المجتمعات من حيث الرفاهية. وأيضًا القدرة الشرائية العالية، فامتلاء الجيب بالنقود قد يكون تضخمًا وليس رفاهية. بالإضافة إلى الخدمات المتقدمة، وهي أيضًا من المؤشرات الرئيسية لتقدم المجتمعات ورفاهيتها. وهناك المقارنة بحجم الموارد الاقتصادية: فمن الطبيعي التساؤل عن مدى توظيف الموارد الاقتصادية في حياة المجتمع وجعلها عاملا لتحقيق جودة الحياة، وإلا فالموارد بحد ذاتها لا تعني شيئًا للمجتمعات، ما لم تتحول إلى مصدر للازدهار والتنمية والعيش الرغيد. وعندما تملأ الأرقام الاقتصادية الضخمة فضاءنا فإن ذلك يعني بالضرورة أننا حققنا مرتبة متقدمة في الرفاهية.. فأرقام الصادرات النفطية الضخمة لدول المجلس - على سبيل المثال - لا يمكن اعتبارها معيارًا للرفاهية إذا لم تنعكس إيجابيا على مختلف الأبعاد التنموية وتوفير أسباب الرفاه. خلاصة القول: يستخدم مصطلح الرفاه كتعبير عن جودة الحياة، وهي غاية نبيلة تنسجم مع الهدف من خلق الإنسان، بل مقدمة ضرورية ليستطيع الإنسان ممارسة دوره كخليفة في الأرض، فجودة الحياة تعني العدالة والمساواة والحرية، وهي قيم أساسية وغايات رفيعة يشترك الجميع في مسؤولية تطبيقها على أرض الواقع، وتضطلع الحكومات بالدور الأكبر لأنها تملك الإمكانات والوسائل لتحقيقها إذا أحسنت إدارة الموارد، كما تتطلب وعيًا لدى أفراد المجتمع بالعوامل التي تجعل منه مجتمعًا ناهضًا يملك الرفاهية ويأخذ بأيدي الآخرين نحوها.