آخر تحديث: 16 / 4 / 2024م - 4:10 م

الصحة السلوكية

فاطمة الناصر

كم من الأيام العالمية التوعوية لم نلتفت لها ولم ندرك أهميتها حتى بعد انقضائها، تنسحب بهدوء من غير أن نتناول معانيها ونكتشف هدفها، رغم أن الاطلاع على مضامين هذه الأيام يرفع سقف المعرفة الفكرية والعملية، حيث صادفنا منذ أيام 10 أكتوبر يوم الصحة النفسية العالمي أو ما يعرف بالصحة السلوكية وكانت الحالة المختارة لتوعية الأفراد والمجتمعات عنها هو الاكتئاب، فهي من الحالات التي تسترعي التثقيف الصحي حولها، وكيفه التعامل مع الأفراد المصابين بها، وكما هو جلي أن العامة لا تمتلك رؤية واضحة حول الأمراض النفسية المتفشية في عصرنا الحالي، لذلك إن التوقف عند مسألة الصحة النفسية والتأمل في حالاتها، يُمكننا من توخي الحذر والحرص على أنفسنا من الإصابة بتلك اللوثة، فسلامة النفس ينعكس على سلامة الجسد.

فالطب النفسي وُلِد نتيجة الأحاسيس السلبية من المعاناة والألم والتعاسة التي تتولد في نفس الفرد، وتبنى الأطباء تلك الأحاسيس التي تمردت على أصحابها لتتحول إلى سلوكيات شاذة خارجة عن إرادتهم، وتابع بعضهم بعض الحالات محاولا التوصل إلى السبب والمسبب والعلاج، فالطب النفسي مرَّ بمراحل وتجارب حتى وصل إلى مقدرات متمكنة نوعا ما من تخفيف العلل النفسية والتي تختلف قابلية المصابين للشفاء الكامل منها.

وقابلية الشفاء تعتمد على مرونة المصاب وتقبله لعلته، ”ونقل ناصر قائمي أنه ثبت في ميدان علم النفس، عند تجربة أحداث مؤلمة هناك من يتأثر نفسيا وهناك من لا يتأثر، وآخرين يتجاوزون تلك الابتلاءات بقوة أكثر فتنشأ لديهم عزيمة فولاذية على التحمل قد تحميهم ضد أي ضغوطات في المستقبل“، من الممكن اعتبار المرونة كمضاد حيوي يساهم في التأثير على الصحة النفسية وتعزيز قدرات المريض على تخطي الكثير، بحيث يمكنه من الانخراط في المجتمع بشكل اعتيادي.

تُعد الأمراض النفسية تهديدا لقدراتنا إن أهملت من الناحية العلاجية، ونُظر إليها أنها عرض طارئ يختفي مع الوقت، فبعض الأفراد يتوهمون أن الاكتئاب يمكن تخطيه بالرياضة أو ممارسة الهوايات، لكن الحقيقة خلاف ذلك علميا، حيث يحتاج المريض أن يخضع لجلسات في العيادة حتى يحدد مستوى التطور المرضي ويشخص العلاج، بعض المرضى يخشون أخذ العلاج خشية الإدمان وهذا التصور غير صحيح، فالعلاج النفسي كأي علاج يحتاج استمرارية في تعاطيه حتى يتلاشى المرض.

الكثير من العامة لا يمكنهم استيعاب حالة المريض النفسي حتى خلال التعامل وإن أبدى سلوكا لا إراديا متقلبا، فقد تعتريه نوبة بكاء حادة أثناء عمله أو دراسته ونحوه من غير سبب وتتغير تلك الحالة خلال دقائق معدودة إلى ضحك مبالغ به ومن الممكن إن حادثته تجد عبارات غير مترابطة وحديثا يجافي العقل وتقلبات مزاجية مفاجئة وهو ما يعرف باضطراب ثنائي القطب، فإن كان من حوله يمتلكون حصيلة معرفية حول الأعراض النفسية فإنهم سيتعاطفون ويتمكنون من مراعاة الحالة، أما إن كان عكس ذلك فسنجد الفوضى وسوء الفهم والإضرار بالمريض حاصل باعتباره سلوكه متعمدا بغرض جذب الاهتمام إليه.

بعض الجهل الملحوظ عند العامة حول الصحة النفسية يتطلب منا استغلال هذه الأيام بالاطلاع والتثقيف، وأن لا نتوقف عند مرض نفسي معين إنما شمولية الاطلاع تمنحنا ذكاء في التعامل والاحتراز، من الجدير بالذكر أن عوامل البيئة والمجتمعية والأسرية تسهم أن تنشئ فنانين أو علماء أو ناشطين سياسيين يعانون من الأمراض النفسية، طبعا لا يمكننا نربط عامل الانجاز والإبداع بالمرض العقلي، فمن ناحية علمية بحثية أن أعراض المرض النفسي السلبي يكبل القدرات، لكن المرونة وعامل الإرادة وبعض المقومات الداخلية، تقلب المتوقع.