آخر تحديث: 23 / 4 / 2024م - 9:39 م

تعميم نموذج الرابح - الرابح التفاوضية في توسيع رقع المساحات المشتركة

المهندس أمير الصالح *

في كل يوم من ايامنا نعقد عشرات التعاملات التي تمر معظمها بمرحلة التفاوض. قسم اهل العلوم الادارية ابواب التفاوض الى بابين كبيران وهما:

Integrative

Distributive

مايميز باب التفاوض المعروف ب integrative اي التفاوض التلاحمي هو ب win - win والباب الاخر التوزيعي distributive بانه تغلب عليه خاصية win - loss او بخاصية Fixed pie اي الاستقطاعي او هكذا يسمى.

في مراقبة موضوعية للحراك الاجتماعي يسجل طغيان نوع تفاوضي على نوع آخر. في المجتمعات التي يطغى لون الرابح - الرابح «win - win» في حل الاشكالات والمشاكل، تسود روح التفاعل الايجابي والشعور بالانتماء والانصهار وتمكين الحب. بينما اللون الاخر اذا ماطغى على تعاملات افراد مجتمع ما، فانك تسجل الاستحواذ والوصاية والتذمر والمشاكسة واختفاء البسمة والحدية في التعامل وسرعة التذمر والانعزال والتوجس وزيادة مستوى الانشطار في كل قضايا الدين والمجتمع.

المراقب المستقل والموضوعي لبعض السجالات الاجتماعية، سيسجل انقطاع العلاقات «loss - loss» في بعض جوانبها بين بعض اطراف المجتمع او الموظفين او النادي الواحد نتيجة لعدة عوامل منها تجمد كل طرف في موقعه وتطلعه على الاستحواذ الكامل في الشأن المطروح للتداول والنقاش والتطبيق.

حاولت ان ألقي نظرة فاحصة لبعض المواقف النقاشية في طرح معين، فاخذت شريحة من طبقة متعلمة اكاديمية من نفس الانتماء الديني مع تفاوت طبقي اجتماعي يكاد الا يذكر ومن نفس الوطن وذوي نفس الموروث الثقافي الواحد ودونت ملاحظاتي عن اسلوب معالجة تلكم الاعضاء لـ موضوع واحد من عدة جنبات. وبدأت في تشريح العينة ومواقفها بناء على الفئة العمرية والخبرة الحياتية العملية.

وجدت نقاط جديرة بالاهتمام والطرح للباحثين عن الاستفادة وتقيم الافعال وما قد يترتب عليها في ذات الوسط الاجتماعي:

 شريحة «أ»

شباب «تحت سن الاربعين» مندفع ومتحمس لاحداث التغيير وكأنه الوحيد الذي يعرف الحقيقة الكاملة ولا يكترث بارآء غيره. بل يتهكم آراء الاخرين ويجادلهم. ظانا بانه عنتر ويسجل انتصارات في ساحات التواصل الاجتماعي.

  شريحة «ب»

كبار او متوسطي «48 سنه او اكثر» العمر يتطمشون ويتلذذون بإيقاد واشعال وضخ الوقود لابقاء مسرح صراع الديكة متوهجا. وكأنهم في حالة بحث عن ما يسليهم دونما ادنى حساب لما قد تأوُّل اليه الامور من شحن وتغرير لضحلي التجارب وقصيري النظرة. او ربما حب المغامرة ورصد التطورات ولكن على حساب الاخرين. او لربما انهم كانوا يعيشون نفس جذوة الحماس ولكن خذلتهم الظروف حينذاك وغاب النصير يومذاك وهاهم يرون في الشباب المتحمس أمل لهم.

  شريحة «ج»

كبار او متوسطي العمر يشاركون تجاربهم باخلاص وتفان وينصحون الاخرين بالابتعاد عن توجيه بنادقهم او صرف طاقاتهم لمقاتلة ابناء مجتمعهم

والاجدى استنقاذ ما بمكن استنقاذهُ من البيت الواحد وتوجيه الطاقات لرص الصف الداخلي وزيادة معدل التفاهمات الداخلية والدفاع عن البناء الاجتماعي الرصين والابتعاد عن التشرذم او الانزلاقات المظلمة. وفي ذات الوقت يؤكدون على اهمية توطين ثقافة الحوار والرأي والرأي الاخر لتنقيح الساحة من اي نقاط ضعف او صنمية او استجلاب حروب خارجية او استنزاف موارد لغير اهلها او جلب ترهات وسلوكيات لا تتماشى ووقيم المجتمع المحترم.

  شريحة «د»

كبار او متوسطي العمر او شباب يتفرجون على هذا وذاك في حوار الطرشان احيانا وفي صراع الديكة احيانا اخرى برصد القول لطرف والقول المضاد دونما اي تفاعل بناء او مشاركة ناصحة او تفتيش افاق جديدة للحوار.

بعد هذا العرض البسيط لهكذا شرائح على سبيل النماذج وهناك نماذج اخرى، اتقدم لادارة كل ديوانية افتراضية او واقعية وكل تجمع حواري او تلفزيوني جاد ان يوجه الطاقات لخلق ارضيات اكبر للمساحات المشتركةً بين الاطراف ومعالجة الموضوع بروية وبصيرة. لعل استخدام ادوات تقنية ZOPA» zone of possible agreement» واعداد بروتوكول يضمن النقاشات في جو خال من المشاحنات ومصوب نحو تحقيق الاهداف هو المرجو تأصيله في ثقافة الحوار وطرح الاراء «Win - Win».

طبعا كل هذا الكلام موجه لنسيج الاجتماعي الواحد لكيلا يصلون الى نقض قوتهم بانفسهم لتقلص مساحة المشتركات الداخلية.

ولعل هناك مجربات ضاربة في التاريخ وامثلة حالية ماثلة امام العيان ب سقوط قضايا ناجحة وافكار نيرة لخذلان اهلها لها او تشرذمهم في جدالات عقيمة.

في ادب الحوار الناجح للوصول لمرحلة رابح - رابح «win - win»، تؤصل اخلاقيات التعامل في هذا المنحى لـ ثقافة التركيز على صيانة العلاقات، فصل المشاكل عن الشخصنة، التركيز على الاهتمامات المشتركة وايجاد الحلول للمصاعب المعاشة وليس التموقع والاستحواذات. نسأل الله الموضوعية في اي طرح وخلق مجموعة مقاربات تجسيرية لتحقيق مكاسب لكل الاطراف وزيادة رقعة المشتركات وعلو الهمة في خلق طروف افضل للجميع والارتقاء في روح التفاهم.