آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 1:33 ص

كن لطيفا

فاطمة الناصر

يسود مجتمعنا العربي الضيق العاطفي، ومحدودية التفاعل الوجداني، نابع ذلك القصور عن انخراط الناس في مشاغل الحياة الكدية أو الترفيهية، لذلك نجد تهاونا واضحا في الاستشعار بالآخر والتوقف عند حاجته وتلبيتها معنويا أو ماديا، أصبح منح اللطف عند البعض للآخر قائم على المصلحة، متى ما تحقق المطلب وتم الوصول للغاية أشرق الوجه الآخر للقسوة، وفي وقت الذوات البشرية بأمس الحاجة إلى اللطف لصعوبة الحياة وتقلبات الصحة، نجد البعض تتبلد لديهم تلك المشاعر وينحبس السلوك المرن.

أجرى الأوروبيين دراسة اجتماعية حول ذلك وتم بث تلك الرؤية تلفزيونيا، في حلقات مختلفة كل حلقة تحتوي على حالة تستدعي التعاطف معها فكان التفاعل متفاوت، ومن ضمن تلك الحلقات طفل في التاسعة من عمره يجلس على مقعد في احدى الشوارع يرتجف من شدة البرد لأنه لم يملك معطفا يقيه ذلك الصقيع، هذه الحلقة كان التعاطف واللطف سريعا ومن غير تفكير في التعامل مع هذه الحالة، كل من لقيه بهذا الوضع قدم له شيئا وان كان سيفقدهم الدفء، اهتم العرب بهذه التجربة وقرروا أن يجروها في احدى الدول العربية، فكان المشهد طفلة تنتفض من البرد وتطلب من يتلطف عليها بأي شيء يقيها من البرد كان التفاعل قليلا جدا مع الحالة، البعض رفض المساعدة وآخرين قبل أن يتعاطف لكن توقف للتفكير قبل أن يعطي، وواحدة فقط من احتضنت الطفلة وقدمت اهتماما رائعا.

بغض النظر عن تلك الدراسات الاجتماعية، التي تحدد سلوك نوع معين من الأفراد وفي بيئة محددة، لنتأمل عن قرب بعض العلاقات الاجتماعية التي حولنا، والتي تنذر بزوال المشاعر اللطيفة ليقبع مكانها القسوة والفظاظة، حتى نسي البعض قول رسول الله ”الابتسامة في وجه أخيك صدقة“، ”والمؤمنون في توادهم وتراحمهم“، وقول الإمام علي ”العتاب حياة المودة“، ”يا كميل إن لم تحبّ أخاك فلست أخاه“ والعديد من الأحاديث التي يوجهنا إليها النبي محمد وآله الأطهار لنتخذها سلوكا فعليا في علاقاتنا الاجتماعية، فالمشكلة الحقيقة تخلفنا عن الفعل العاطفي دائما، لذلك سنشير إلى الحل الذي نتمنى انجازه عمليا وهو تقديم منهج أخلاقي واعي ومرن ولا يقتصر على ذلك، إنما السعي أيضا إلى فتح دورات وورش تدرب المتقدمين بشكل ممنهج أخلاقيا وعاطفيا ومتابعتهم، هذه الطريقة انتهجها اليابانيون في مدارسهم فلديهم مادة أخلاقية دراسية الزامية تعطى في كل المراحل، وبالتالي لا نستغرب من تنظيم وأخلاق الشعب الياباني.

نجد أن اللطف يتهيأ حتى في المعادن فكما نعرف أن الحديد مادة قاسية وتتأكسد حين تتعرض للماء والهواء ليتكون الصدأ، ليصبح الحديد معدنا غير عملي وفعال في التعامل معه لكن اذا أضفنا معادن لطيفة في التعامل والتأثير، ستغير من تفاعلاته وهذا ما يحصل بالفعل عند اضافة الكروم والكربون، حيث يتفاعل الكروم مع الأكسجين بلطافة قبل أن تتمكن ذرات الحديد القاسية من ذلك ليتكون أكسيد الكروم الذي يصنع طبقة كيميائية واقية غير مرئية على كامل الحديد، وهذا ما يفعله التعامل اللطيف مع الآخرين كما يقوم بفعله الكروم، كما وجد أن السيوف الحديدية قديما أثناء المبارزة تنقصف فأضيف إليها كمية قليلة من الكربون الذي يعمل على جعلها أكثر صلابة وقادره على المواجهة، ولو تهيأنا أن مادة الكربون هو اللطف المبذول نحو الحديد الذي زوده بالمتانة والقوة حتى لا يفقد صلابته، كذلك ان التعامل بلطف مع الأفراد المتعبة نفوسهم والمنكسرة مشاعرهم والمنهكة ذواتهم بفعل الكثير من ظروف الحياة القاتمة التي لا يعلمها الا الله سبحانه، تمنحهم القدرة والقابلية للصمود والمواجه ضد تلك التقلبات القاسية.

دعت احدى القنوات الأوروبية مجموعة من الناس من مختلف الأطياف لمشاهدة فلم وجهزت لهم مكان لذلك، تفاجأ كل منهم خلال العرض أن ذلك الفلم ما هو إلا أفراد أسبغوا عليهم اللطف من باب العلاقات الانسانية، احدى اللقطات عرضت مسنا يشكر زوجته المسنة لطفها وتحضيرها كوبا من القهوة له كل صباح، وفي مشهد آخر صبيا يشكر صبيا آخر يدرس معه في المدرسة لطفه ووقوفه بجانبه أثناء تنمر الصبيان الآخرين عليه فذلك يجعله مطمئنا، أيضا ظهر في لقطة أخرى شاب من أصول أفريقية يعاني من شلل في قدميه يشكر امرأة على لطفها وتفانيها الدائم في تشجيعه وتقبل حالته، ولم تتوقف المشاهد عند هذا الحد، لكن المهم في كل ذلك، أنها حركت مشاعر المدعوين، الذين بذلوا كل ذلك اللطف غير متوقعين الامتنان المتولد في ذوات من قدموا لهم ذلك.

إن اللطف وسيلة مهذبة ورائعة تقرب بين الأفراد وتنفض غبار القسوة والفظاظة، وتخلق العاطفة الجياشة التي تجعل من المجتمع ملهم في الانسانية، فكونوا لطفاء مع أهلكم وأصدقائكم وكل من تشاركونه الحياة.

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 2
1
هلال الوحيد
[ القطيف ]: 27 / 12 / 2017م - 6:51 ص
نصيحة جيدة ونحتاجها.
الف شكر على التذكير بالفصائل.
2
طاهرة آل سيف
[ صفوى ]: 27 / 12 / 2017م - 10:56 ص
أعجبني المقال نفتقد التعبير عن التعاطف تبعاً للأحداث المتلاحقة للأيام لربما ، ولكن أرى الأساس يأتي من التعاطف فيما بين أفراد الأسرة الواحدة وقيام التربية على أسس قيمة ، لكن لا أتفق مع كون شعب دون شعب متعاطف ولا فئة دون فئة ، إنما هي مشاعر انسانية مجردة قد يصيبها البعض ويخطؤها الآخر ، كل الشكر لك