آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 9:52 ص

مقبرة الكتب

فاطمة الناصر

غالبا يجد القراء أن الكتب المكدسة على رفوف مكتباتهم والتي يمتطيها الغبار دون أن يمسها كائن كان أو الكتب المهملة في مخازن تجميع الأوراق لإعادة تدويرها وتصنيعها وفق متطلبات البشر أو المكتبات العامة التي خلت أروقتها من قراء نهمين لتصبح الكتب متوسدة بعضها البعض تنتظر من يوقظها من سباتها، هي المقبرة التي تضم تلك الكتب التعيسة، غائبة عنهم حقيقة من هم حفارين القبور.

صحيح أن الكتب تهمل كباقي الأشياء إن لم يكن لها قارئ حذق، لكن لم نسأل أنفسنا من كوَّن المقبرة وحضرها بتلك المساحات العملاقة لتستقبل المزيد من الكتب حتى تبقى قيد الاهمال والنسيان؟ نعم الكل يعرف إذ تمعن في الأمر، يدرك أن من يقرأون تلك الكتب التي تكون غالبا جيده لكن لم تتوافق مع ميولهم أو ذوقيتهم ولم تلامس رغبتهم، هم من يحفرون القبور لتلك الكتب بما يستعرضونه من أراءهم السلبية والمعتمدة على عنصر نفسي وأحاسيس خاصة، والذي يتجافي عن التأويل المنطقي القائم على الاستدلال العقلي أو الرأي المستند على البحث الواسع.

المشكلة أين تكمن؟ في أن يرى أي قارئ نفسه القاضي الذي يحكم على الكتاب إما بالسجن أو الحرية بتقديمه رأيا يعتبره مراجعة والتي يدونها ويحفظها على مواقع التواصل، فيصل لها أي باحث عن كتاب ويبدأ يحصي التقييمات ويتأمل الآراء، التي تكون سببا إما لزرع التردد أو دفعه لاقتناء ذلك الكتاب.

والفرق بين الرأي والمراجعة هو أن الرأي قائم على حكم وتقدير لعمل أو موقف معين وكثيرا ما يتأثر بالظروف والملابسات، وهذا ما نلاحظه في أغلب ما يبديه القراء حيال أي كتاب ينتهون منه وهي تعتمد على نظرة محددة للفرد وترتبط بالعقل الانساني وليس بالضرورة ناتج عن التفكير، فالرأي قد يتكون بتأثير العاطفة وليس من عمل التفكير، ومن المُسَّلم نجد ذلك في تدوينات القراء، فنلاحظ البعض يقول حين يتأثر بشخصية من شخصيات الرواية كان خبيثا ومريبا وآخر لنفس الشخصية يقول كان ذكيا وواضحا، اعتمد كلا القارئين على العاطفة رغم أن الحدث الذي اعتمد من خلالهما على المشاعر يمكن تأويله حسب دراسات اجتماعية ونفسية.

أما المراجعة هو أن يراجع المقال أو التقرير أو أي كتاب بشكل نقدي ويبحث في أفكاره ويعيد النظر فيه، وأن يحدد جدلية الكاتب على سبيل المثال «لا يمكن أن نتفهم شعور الأصم» يجب تحديد كيفية دعم المؤلف لهذه الفرضية؟ من المهم أن نبحث لما الكاتب افترض ذلك بالنظر إلى البيئة والمجتمع وغيره، كما أن استخراج الفكرة الرئيسية يساعد في تقديم مراجعة ابداعية، ومن الأفضل خلالها تجنب حرق محتوى الكتاب بمعنى أن تحكي ما هو مكتوب كعملية نسخ ولصق وهو الشائع غالبا بين القراء، فيسلب ذلك بريق الكتاب ويقتل فضول الآخرين لقراءته.

سابقا كان القراء بجميع أطيافهم يقرأون الكتب ويدونون ملاحظاتهم الشخصية عند الهامش أو دفتر صغير ويتم نقاشه بين فردين أو مجموعة لتدارس أفكاره بغض النظر إن كان الكتاب لا يوافقونه أو يوافقونه، فقد كان تشارلز داروين مهتما بقراءة العديد من الكتب وأبهره العديد منها ووجد بعضها هراء، فحين كان يرافق صديقه جرانت وبدأ في اطراء لامارك ونظريته التطورية، وقد قرأ له داروين أعماله المتخصصة في تصنيف اللافقاريات ولم يجد ما كتبه منطقيا، يقول وهو يتذكر ذلك الاطراء بسنوات: استمعت له في دهشة وصمت، دون أن يؤثر حديثه على عقلي، بقدر ما استطعت. حين نلخص فعله نجده لم يندفع في ابداء قراراته حول أعمال لامارك، وحين يبدي أن ذلك العمل لا يتوافق مع بحثه من المؤكد أنه سيقدم دراساته ضمن عمل مقروء ومقنع.

لذا نستنتج أن أي كتاب لا يتوافق معنا ليس بالضرورة أن نحفر قبره وندفنه ونجعله بعيدا عن متناول القراء الآخرين الذين قد يتوافق معهم ذلك الكتاب، وتأكد عزيزي القارئ الحصيف أن الكاتب يكتب ليقدم فكره وعلمه بعد عمل مضني من البحث والتمحيص فعملية التأليف ليست هينه كما يبدو للبعض، وأسرَّ بذلك داروين لأحد أصدقائه باكتشافه أن «الكتابة من أكثر الأعمال مشقة وصعوبة».

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 2
1
هلال الوحيد
[ القطيف ]: 11 / 4 / 2018م - 9:57 م
جميل جدا.
موت الكتاب موت الأمة وحياة الكتاب حياة الأمة.

يكتب الكاتب كتابه في سنين ونقرأه في ساعات.

استثمار لا أفضل منه أن تشتري عمر غيرك بمبلغ زهيد.
2
طاهرة آل سيف
[ صفوى ]: 12 / 4 / 2018م - 9:38 ص
موضوع مهم والتفاتة جميلة ولكن ! ليت جملة داروين «الكتابة من أكثر الأعمال مشقة وصعوبة»قائمة في أذهان من فكروا في اصدار الكتب في زماننا هذا، برأيي مقبرة الكتب لم تُحفر بمعاول القراء فقط بل ساهم في حفرها الكتاب أيضاً ، كثيراً من الكتب ليتها لم تنشر للبيع لسطحية ماتحتويه حين اتجه مجموعة من الأشخاص ( ممن يسمون بمشاهير السوشال ميديا ) وغيرهم الذين لم يكونوا كُتّابا بالأصل ليؤلفوا كتاباً يحمل إسمهم ويسارع لاقتنائه جمع ليس باليسير من الناس مما أسهم في رواج الكتب السطحية والإبتعاد عن القيّمة منها ، مع الأسف اطلعتُ على احد هذه الكتب وحفرتُ مقبرته بنفسي . تقبلي تحياتي وأشكرك على ماكتبتي .