آخر تحديث: 23 / 4 / 2024م - 9:39 م

بخل وهدر وفقر

علي أحمد آل رضي


علي أحمد الرضي

من حكم أمير المؤمنين في نهج البلاغة:

عَجِبْتُ لِلْبَخِيلِ يَسْتَعْجِلُ الْفَقْرَ الَّذِي مِنْهُ هَرَبَ وَيَفُوتُهُ الْغِنَى الَّذِي إِيَّاهُ طَلَبَ فَيَعِيشُ فِي الدُّنْيَا عَيْشَ الْفُقَرَاءِ وَيُحَاسَبُ فِي الْآخِرَةِ حِسَابَ الْأَغْنِيَاءِ. «4/126»

إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ فَرَضَ فِي أَمْوَالِ الْأَغْنِيَاءِ أَقْوَاتَ الْفُقَرَاءِ فَمَا جَاعَ فَقِيرٌ إِلَّا بِمَا مُتِّعَ بِهِ غَنِيٌّ وَاللَّهُ تَعَالَى سَائِلُهُمْ عَنْ ذَلِكَ. «4/328»

قال المسؤولون في منظمة الأمم المتحدة للغذاء والزراعة ”فاو“ إن الفرد الواحد في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يقوم بهدر 250 كيلوغراماً من الطعام الصالح للأكل سنويا، ويزداد المعدل بشكل خاص في شهر رمضان. الهدر الحاصل في الطعام دفع الحكومات في بعض البلدان والمدن العربية مثل البحرين ودبي، كما ورد في بعض الصحف المحلية، إلى الإعلان عن زيادة أعداد وساعات عمل عمال النظافة خلال شهر رمضان للتعامل مع ارتفاع نسب النفايات الغذائية والحفاظ على سلامة ونظافة الشوارع. أحد أسباب ارتفاع نسبة الهدر خلال شهر رمضان هو المآدب والعزائم الرمضانية، حيث يقوم أصحاب البيت بتحضير كميات كبيرة من الطعام تفوق قدرة الضيوف على الأكل، ومن ثم يتم إلقاء الطعام المتبقي في القمامة! «بي بي سي 17 مايو 2018»

يصنّف الفقراء على أنهم مجموعة من الناس ولدوا لا يتقنوا أي حرفة ولا يفهموا أي علمٍ يمكنهم الإستفادة منه في كسب رزقهم وعيالهم وأنهم غير مقبولين من طبقة الأغنياء ليشاطروهم ولو جزءً بسيطاً من قوتهم وعليهم أن يكدحوا ويتغرّبوا ويجاهدوا وينتظروا الأمل ليتغيّر وضعهم من حال سيئ إلى حال حسن. دروس الحياة علّمتنا أن تبادل الأدوار بين الأغنياء والفقراء واردة وفي غمضة عين، بل ما نراه هذه الأيام واقعاً ليس هي الحقيقة المطلقة حيث الفقير يبالغ في مسايرة الآخرين فهو يلبس الجميل ويأكل الدّسم ويسافر سائحاً بين الأمصار والغني يلهث للمزيد ولو على صحته وسمعته وحتى التضييق على عائلته ولا ضير عنده أن يستمر مدى الدهر متمثّلاً بهيئة الضعيف والمتسوّل، وليس ثريّاً.

في مجتمعنا، عندما نراجع ما مضى نتذكر تلك العائلة الكبيرة التي كانت تسكن في بيتٍ خرب ثمّ أصبح كل شبابها رجالاً يملكون مساكن على النمط الحديث وذلك التاجر والمقاول الذي كان يملك محلات متنوّعة وتجارة واسعة وبعدها لفظته أملاكه وبقي خالي اليدين وذلك المتقاعد الذي تبخّرت مدخراته في صفقة وهمية والموظف المسؤول الذي عانده الدهر والاحلام الوردية التي لا تتحقّق. كما نتذكّر ذلك الشاب الضعيف الذي إقترض ليفتح محلاً صغيراً أخلص في كفاحه وقاوم الفشل بالإرادة والصبر ليقطف ثمار جهده بمحلات متعدّدة وأملاك متنامية.

دورة الحياة متداخلة بحيث كل عمل أو حالة إنسان في أقصى الأرض تؤثّر بطريقة ما على حياة إنسان آخر وقراراته في الطرف الآخر، وهذه الدورة غير متناهية قد تتكرر للفرد ذاته ويتأرجح حقبة وأخرى بين سعة العيش وضيقها.

وتشير تقارير البنك الدولي أنه يعيش أكثر من ثلثي سكان المناطق الحضرية في العالم في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، حيث يقيم ما يقرب من مليار نسمة في الأحياء الفقيرة، ومعظمهم في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وجنوب آسيا، طلباً لفرص العيش ورمق الحياة وهو يجاورون الأغنياء والأقوياء وهروباً من مناطقهم الجافّة والخالية من كل مقوّمات الحياة. عندما يكون العيش في المناطق الصحراوية لا يمكن أن نجزم أن الريف أفضل من المدن.

كما نرى أن بعض الدول المتقدّمة تحتضن جمعاً من فقراء ومهجّري العالم وتُدرج في قوانينها ما يكفل توفّر مقوّمات الحياة لهؤلاء البسطاء إضافة إلى صون كرامة الضعفاء من مواطنيها عبر قوانين ومؤسسات قويّة خيرية وتطوّعية واسعة. وجود مثل هذه الحواضن والقوانين لا تنفي وجود مشرّدين ترعرعوا في الأحياء المهملة وطالهم الإهمال حتى من المؤسسات الخيرية والتطوّعية وبعضهم يرفض المساعدة وفق الضوابط والقانون.

قد لا يفهم الطفل معنى الفقر عندما يترعرع في مجتمع الفقراء وهو يرى كلّ من حوله جائعاً وقوته محدوداً، خلاف أن يلحظ نظراءه من الأغنياء ميسوري الحال يتلذّذون بأصناف الغذاء وهنا يدرك جور الزمان والمكان ويضاف عليهما جور الجيران. ومما لاشكّ فيه أن الفقر وإن إنحصر في ثلّة داخل المجتمع فهو مؤذي وتسري نتائجه السلبية الأخلاقية والإقتصادية الفظيعة المحقّقة بين أفراد المجتمع. وعليه، لا يمكن إلقاء المسؤولية الإجتماعية على جهة واحدة دون مشاركة أبناء المجتمع ومن يعمل في المؤسسات والجمعيات الخيرية هم جميعاً محل شكر وتقدير بادروا وتطوّعوا بوقتهم وجهدهم ومالهم للفقراء والمحتاجين.

يقول مراسل البي بي سي الصحفي برايان لوفكين: إن المشكلة الحقيقية لا تكمن في الهوة بين الأغنياء والفقراء، إنما في غياب العدالة، الذي يتجلى في محاباة البعض، وظلم آخرين. ولعل التحدي الأهم في القرن الحادي والعشرين هو الاعتراف بوجود علاقة بين الفقر والظلم.

قال شاعر الجاهلية، طرفة بن العبد:

وظُلْمُ ذَوِي القُرْبَى أَشَدُّ مَضَاضَةً - - - عَلَى المَرْءِ مِنْ وَقْعِ الحُسَامِ المُهَنَّدِ

العطاء كما الإسراف والبخل من الغنى كما الرضوخ والإستسلام نتيجة الفقر، للمؤمن بلاء وتواجد الفقراء الذين لا يملكون قوت يومهم بيننا ظلم لنا ولهم علينا المسارعة والمساندة في القضاء عليه وعلى نتائجه المريرة بتعزيز التواصل المجتمعي داخل الحي وبين أفراد المجتمع والدعم.