آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 2:22 م

من سيقود عربة التغيير: حراك المثقف المحلي ام مثاقفات الفقيه العالمية

المهندس أمير الصالح *

الكثير من الكتب والدراسات صدرت مسلطة الضوء على امكانية الزحزة من الواقع المتهالك للامتين العربية والاسلامية. والكثير الكثير من المقالات تأبن الواقع وتعلك المناحات على تصاعد مستوى الهوان والتشتت في المجتمعات العربية والسلامية.

في غمار ذلك كله يتنبأ البعض من المثقفين في بعض الأقطار العربية واحدهم الكاتب الدكتور هاشم الصالح بان مستقبل التجديد الديني سيناط كمهمة بالأقليات الإسلامية التي تعيش على أطراف العالم الإسلامي بالذات التي تعيش في الغرب لانها ببساطه هي التي تعيش الإسلام بثقافة العصر وتحدياته.

ويستقراء الدكتور هاشم بان هذا الطرف له وجهة نظر عن التجديد الديني تختلف عن الآخرين، فهذا الطرف يتفق مع المركز في قدسية النص الديني وحرمة المساس به تعديلا أو تغييرا، إلا أنه لا يعطي هذه القدسية لفهم النص الديني.

يسترسل الدكتور هاشم بالقول:

" فالتجديد هو مبادرة تتحرك في إطار فهم النص الديني من خلال معاودة قراءته كل ما استجد عند الإنسان من أدوات فكرية وعلمية وحتى نفسية تسمح له بالاقتراب أكثر وأكثر من معنى هذا النص. فالتجديد بهذا المعنى هو جهد يحرص على البقاء تحت مظلة النص، فقراءتنا للنص الديني وفهمنا له هو محل التجديد، ولما كان الفهم محدودا بطبيعته نظرا لنسبته للإنسان يصبح التجديد ضروريا ليتسنى لهذا الفهم أن يتكامل ويزداد رقيا. ومن هذا المنطلق يرفض الدعاة لهذا النوع من التجديد أن يستدرجوا للبحث عن مشروعية التجديد، لأن الأمر الضروري تكون مشروعيته جزءا منه وليست خارجة عنه.

فأول مطلب للتجديد الديني الوصول إلى النص الديني، فالنص الديني تتراكم حوله دوائر من الفهم المتعدد والقراءات المختلفة والتفاسير المتباينة، مما يعوق من التواصل مع النص، فالكثير من هذه القراءات صارت لشدة التصاقها بالنص لها سلطة تتحكم في فهمنا ووعينا بالنص. فالتجديد هنا لا يعني إلغاء هذه القراءات وحذفها بالكامل، لأنها تمثل تراكما معرفيا لا يُستغنى عنه، ولكن المطلوب تخليص هذا النص من سلطة وهيمنة هذه القراءات لتتاح الفرصة لظهور فهم وقراءة جديدة.

ففهم النصوص الدينية في ظل وجود ارتقاء حضاري وتقدم فكري وازدهار اقتصادي، يختلف عنه عندما يكون هناك تراجع حضاري وتأخر فكري وعلمي واقتصادي. ففهم مجتمع ووعيه بنص ديني معين ربما أفاده في ظل ما كان يحيط به من ظروف، ولكن هذا النجاح لا يمنع من مراجعة هذا الفهم ولا يعطيه الحصانة من النقد. ومنفعة أخرى للتجديد هي تخليص النصوص الدينية مما هو غير ديني، فقدسية الدين قد تغري الكثير إلى توظيف الدين في خدمة مآربهم.

فمهمة التجديد هي تقصي الكثير من الأمور التي ليست من الدين، ولكنها أخذت اللباس الديني مع الزمن، ومن ثم يكون من مهمة التجديد تجريدها عن دينيتها. الكثير مما هو موجود الآن عند المذاهب والطوائف الإسلامية المختلفة، ربما كان نتاجا لثقافة المذهب والظروف السياسية والاجتماعية التي مر بها.

ولا علاقة للدين بها ولكن تشكل هذه الأمور اليوم عناصر مهمة في رسم صورة المذهب عند أصحابه وعند الآخرين. فالبعض يرى أن التجديد الديني خير وسيلة لإنجاح مسألة التقارب بين المذاهب وتخليص المسلمين من ويلات الطائفية. وهناك من يرى أن ممارسة التجديد الديني تجعل المجتمع أقدر وأجرأ على ممارسة التغيير والتجديد في نواحي المجتمع كافة، فعندها يكون التجديد الديني ليس فقط خطوة مهمة ونافعة للدين، وإنما لنهوض وتنمية المجتمع.

فسبب تأخر المجتمعات الإسلامية وتخلفها عن اللحاق بركب الحضارة الإنسانية عجزها عن تجديد فكرها الديني، لأن العجز في دائرة كبيرة بكبر دائرة الدين تجعل من المجتمع أضعف من أن يأخذ زمام المبادرة في تجديد الجوانب الاقتصادية والتعليمية والثقافية. فالفشل في تجديد الفكر الديني يعني الفشل في الجوانب الأخرى. فالتجديد في الفكر الديني بهذا المعنى هو البداية لعودة الروح والحياة للمجتمع.

ثمة نقطة مهمة وأخيرة، وهي أن نعي أن الدين ما جاء إلا ليرتقي بالإنسان، وبالتالي فالاشتغال على تجديد فهمنا للدين محوره الإنسان، وكل تجديد لا تكون بوصلته إنسانية فهو ليس بتجديد وإنما هو شيء آخر، ولعل هذه الحقيقة هي ما تفسر لنا إخفاق الكثير من محاولات التجديد في تغيير واقع الأمة الإسلامية في الماضي والحاضر. فالمناخ الإنساني للتجديد هو الذي يضمن إيجابية التجديد" انتهى النقل لتعليق الدكتور هاشم.

إذكاء للفكرة، شخصيا عقدت عدة زيارات لمراكز اسلامية وعربية في الغرب والتقيت ببعض المثقفين ورجال الدين هنالك. وكان منطلق الفكرة لزيارتي هو معاينة من ارض الواقع عن كيفية الحفاظ على الهوية للاقليات الاسلامية والعربية. وقد وفقت في زيارات والتشرف بالالتقاء ببعض وجوه عربية اسلامية في الغرب ك الشيخ طالب الخزرجي والشيخ محمد خليل والشيخ حسن والشيخ القزويني والشيخ الحلو والشيخ المرحوم السيد السويج وغيرهم، وبعض الشيوخ والعلماء واهل الادب الزوار للمراكز الاسلامية او الثقافية هنالك. وكان من ضمن نشاطات التأمل الفردي هو التمحيص والوقوف على تاثير المحيط في اقوال وخطابات رجال الدين والمثقفون العرب من المتغربين في المهجر او الزائرين له.

من ضمن محصلة القناعات التي انتهيت بها هي وقوفي على اهمية ان يُنتدب كل داعية او خطيب جماهيري او عالم دين او مثقف الى بيئات مختلفة في الغرب والشرق لزيادة التحصيل العلمية له وخلق صورة بانورامية في شتى الامور لاسيما السلوكية في ذهنه والارتقاء بفنون الاتصال البشري مع المجتمعات الاخرى لديه.

وهذه الممارسة اي التجوال في العالم هي قريبة من ممارسة اوربية متأصلة في القرن الثامن عشر حيث ان معظم الفلاسفة قبل شروعهم في التدريس لابد ان يقومو بجولة لمدة سنة في عواصم الدول الاوربية الكبرى آنذاك للانتهال من معين ثقافات مجتمعاتها وصياغة صور بانورامية ونظرات عالمية في فكر الفيلسوف وتوسع مداركة الانسانية، لطفا راجع كتاب ”افكار جديدة من اقتصاديين راحلين“

المؤلف: تود جي باكولز.

وتاريخيا قيل بان هناك فقه الشافعي القديم وفقه الشافعي الجديد؛ والتغيير في آراء الشيخ الشافعي لم تكون لولا ترحاله في البلدان ووقوفه بنفسه على تحديات عصره ومحاولاته الجاده في موائمة قراءاته الفكرية مع روح الزمن وتصحيح مايتصادم من آراءه.

وكل تلك الامور والشواهد تحث اخواننا واباءنا واحبتنا في السلك الديني والعلمي والادبي على ضرورة قضاء بعض الوقت في بلدان متفرقة ومتعددة الانماط والثقافات والديانات لاسيما دول الحضارة الحالية لمواكبة روح العصر واستشراق حلول من زوايا عدة لكل البشر وليست حلول ذات صبغة جغرافية محددة او نفس نرجسي واحد.

شخصيا أؤمن بان هناك فرص كبيرة يمكن ان تلعبها الاقليات العربية والاسلامية في بلدان المهاجر الغربية في صياغة الخطاب التواصلي مع العالم لاسيما وانهم اي الاقليات تحت المجهر الاعلامي والامني على مدار الساعة وفي مواجهة النقد الحضاري والتحدي في الحفاظ على الهوية.

نتلمس في قادم الايام والسنون نجاح ابناء الاقليات، لاسيما القادة الروحيون والمثقفون، بلعب دور اكبر في احداث التغيير في نمطية السلوكيات وغربلة المفاهيم والاصداع بالنقد البناء في كل ما ينسب للدين، لانهم يتمتعون بفضاء وسماء اوسع في عالم الكلمة وحرية التعبير.

ولا ننكر هنا اهمية حراك المثقف المحلي ولكن نعلم مسبقا ان السقف محدود ولن يصل لشاطئ الغربلة الكاملة.

..... انتهى........