آخر تحديث: 18 / 4 / 2024م - 1:06 ص

الافلاس الفكري

فاطمة الناصر

للمجمعات معالم فكرية تقتضيها البيئة التي يعيشون بداخلها باحتواها التربوي والديني والتاريخي والثقافي والتعليمي، لذلك نجد الأفراد يكتسبون ما يتوارد بينهم من معارف هذه المعارف ليس بالضرورة أن تكون سليمة من الناحية الموضوعية والمنطقية، ومن هذا الجانب يبنى لدى كل فرد منطلق فكري حسب قدراته الادراكية التي تتفاوت بشكل كبير من شخص لآخر.

ولا يخفى عن الناس الدور الفعال والمهم للفكر من ضمنها رفع الجهل والغفلة المتفشية واشاعة العلم والبحث الحر، اكساب الأفراد مهارات حوارية منطقية وموضوعية مستندة على الدليل، يساهم بزيادة الوعي الناجم من الاطلاع اللامحدود، واتساع الأفق للتنمية والتطور الثقافي والاقتصادي وغيره، يرتبط الفكر بالنضج الذي يحتاجه الأفراد لوضع الخطط والحلول عند حدوث أي مشاكل حضارية.

وجود أسئلة ملحة أو برغبة الاطلاع على فكر الآخرين، يُفضي بالسائل أن يبث بسؤاله في مواقع التواصل سواء كان هذا السؤال المدلى به يحقق تنمية من النواحي المعرفية المطلوبة أو انه لا يحقق الا التفاهة، هذا يعتمد على مدارك السائل وهدفيته، نأتي لمن سيجيب عن تلك الأسئلة، بيئتهم التربوية والاخلاقية والعلمية والثقافية وغيره تقدم بصورة جلية فكرية وعقلية المجيب وتبين مستواه العلمي أو الأخلاقي، وكثيرا ما نجد أن الغالبية التي تقتحم مسار الاجابة لا تمتلك البنية الأساسية للإجابات حتى البسيطة، انما تعتمد على آراء سطحية ومما تلقته تربويا ومدرسيا وجامعيا ونحن نعلم أن تلك المحطات تعتمد على التلقين وليس على التفكير الحر.

ومن خلال تتبع الحاصل والغالب في مواقع التواصل نتوصل إلى محدودية الأفراد الذين يملكون فكرا ناضجا ووَعَّيا ينم عن تأمل وبحث دقيق وهم الذين لا يبانون كما يبان مفلسي التفكر والذين يحملون هما واحدا تواجدهم في الساحة رغم تشويههم لشخصهم بتبنيهم الكثير مما تم غربلته ليحل محله بحوث ودراسات جديدة ومنها ما توارد في كثر من كتب المسلمين ”المرأة مخلوق من ضلع أعوج“ وهو من الاقوال اليهودية التي دست في كتبنا وتم تلقينها للأجيال، ”المرأة ناقصة عقل ودين“ وهو من الأحاديث الضعيفة والتي تواجدت في الكتب الدينية وأولها الكثير من العلماء بتشكيكك وتعليل ايديولوجي، لذا استهجنها الكثير من رواد الفكر ووجدوا بها نقيضا ينافي ما وجدوه من انجازات المرأة العلمية والفكرية والفنية والأدبية على الصعيد الشخصي والاجتماعي والعالمي، لقد حققت الكثير وأسهمت في التطوير والتنمية ولم يقتصر ذلك بأمومتها وشأنها الأسري إنما تخطت الأصعدة الأخرى من غير أن تتداعى كينونتها.

فكيف تتكون حضارة لها عراقتها وأصالتها وأفرادها مفلسين الفكر في القضايا النسوية، حيث لا يمكنهم مواجه ما ينسب إليها من شبهات أو تصحح الالتباسات، بسبب نزوغ البعض عن البحث والاتكال على تلقي المعرفة مسموعة والتي تُختصر بشكل كبير، هل من الصعب علينا أن نجعل من وقتنا جزءً للقراءة والبحث والسؤال الفكري.

كم من الوقت يحتاجه علمائنا ومفكرينا حتى يتسنى لهم تنقيح كتبنا التي يتداولها القاصي والداني ويطلع عليها ليجد ما بث فيها حول المرأة والتي تخالف نصوص القرآن الكريم بشكل واضح ومريع، إلى متى تدار في أذهان الناس تأويلات غير صحيحة حول بعض النصوص القرآنية والتي تكون خاصة لأشخاص معينين ثم يبتدع البعض أنها تشمل النساء عامة مثل ”ان كيدهن عظيم“ ”وقرن في بيوتكن“ عند التوقف لتفسير هاتين الآيتين من كتب التفاسير نجد الأول خصت النسوة اللاتي اجتمعن لرؤية نبي الله يوسف وأما الثانية فقد خصت نساء النبي محمد.

من المقلق جدا أن الهمز واللمز والذي نهى الله سبحانه ورسوله الكريم فعله، أصبح عادة حين الرغبة بإهانة أو تحقير المرأة ولم نجد هذا الفعل الشائن يرفع شأن حضارتنا انما يجعلها مدعاة للازدراء لدى الشعوب الأخرى.

فهل يمكنن لحضارتنا أن تواكب التطور الاقتصادي والثقافي وغيره والافلاس الفكري يتوسد الأدمغة!