آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 4:19 م

أمهات يدمرن أطفالهن ذهنياً ووجدانياً!

نداء آل سيف *

وصلتني في الأيام الأخيرة رسالة من احدى طالباتي، كتبت فيها «معلمتي نداء... انقذيني من امي... أمي تتحكم في كل أموري وكل اشيائي لا تترك لي اي فرصة... أنا كبيرة وعمري 9 سنوات لكن أمي لا تسمح لي بإختيار ماذا أريد من المطعم مثلا أو لون حقيبتي المدرسية أو ماذا أكتب إلى صديقتي في عيد ميلادها ولا حتى الدمية التي أضعها على سريري.. أريد أن اتنفس واتحرك...»

كانت هذه الكلمات، البرئية والمؤلمة في آن واحد، جزءا من معاناة طفلة كما قرأتم عمرها 9 سنوات تعيش تحت سلطة أم، يبدو انها لا تفقه في أمر التربية شيئا، فهي لا تترك لطفلتها أي قدر من الحرية التي هي حق من حقوقها، تحت وهما لحرص على صغيرتها. ومن الواضح ان هذه الطفلة قد طفح بها الكيل فكتبت لي مستنقذة وفي الوقت ذاته تطلب مني أن لا أبوح باسمها خوفاً!.

حقيقة الأمر، لا شك عندي في أهمية الحرص على الطفل النابع من حب أولياء الأمور لأولادهم. لكنني في الوقت ذاته أجزم بوجوب الموازنة بين مشاعر الخوف من جهة، وبين إعطاء الطفل بعضا من الحرية التي تساعده على النمو بدنياً وذهنياً ووجدانياً، بالإضافة إلى مساعدته في التعبير عن رأيه ومشاعره.

ولعل المؤلم بل الأشد كارثية في نظري القاصر، هو أن تصرفات الوالدين وتحديدا الأم، قد تكون نابعة أحيانا مما يمكن وصفها بلعنة وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، فهناك أم قد ترغم طفلتها على اللعب بلعبة معينة لا لشيء سوى لتصويرها في لقطة ”سنابية“، وأخرى تضرب قد طفلتها لأنها لم تلتفت إلى كاميرا الجوال لتصويرها وهي تكتب أو ترسم أو... ولا أبالغ في هذا الأمر، فمن خلال عملي مع الأطفال لسنوات شاهدت عشرات المواقف المؤلمة جدا فقط من أجل التباهي والتفاخر أمام الآخرين، وهذا موضوع آخر قد أتناوله في وقت آخر.

اعتقد أنه ينبغي على الوالدين عدم إلغاء شخصية الطفل، وإنما إعطائه مجالا لإثبات رأيه ووجوده ولو في الأمور الحياتية العادية غير المصيرية. افهم أن اختيار الأم لطفلتها نوع الغذاء الذي تقدمه هو نوع من الحرص والإهتمام بصحة الطفل، التي قد لا تعرف نوعية ما تحتاجه في هذا العمر من الطعام للوصول إلى جسم سليم... وأفهم أيضا أن إصرارها على وضع جدول لتقسيم الوقت مثلا، هو من أجل الاستفادة من الوقت في حل الواجبات المدرسية اولا ومن ثم اللعب، لكن ما لا أفهمه ولا يستوعبه عقلي هو إصرار الأم على إلغاء شخصية طفلتها في اختيار الدمية التي تلعب بها أو الرسالة التي تعبر بها عن مشاعرها لصديقتها!!

ان نظريات التربية الحديثة تشدد على أهمية الحرية المقننة التي من شأنها أن تنمي الذكاء وتوقد شرارة الإبداع لدى الأطفال بالإضافة إلى أنها تفسح المجال أمامهم للبحث والابتكار والتطوير، وتهيء لهم أجواء الانطلاق نحو القوة والتفوق. فهل يعقل أن نحرم أطفالنا هذه الفرصة بحجة واهية مثل الخوف عليهم أو أن «أطفال هالزمن ما ينعطوا وجه»!

أن خطورة هذه القيود وهذا الإلغاء لشخصيته الطفل أنها ستنعكس مع مرور الأيام بصورة سلبية جدا وقد لا تحمد عقباها، فهذه الطفلة التي لا تستطيع حتى إختيار الدمية التي تلعب بها ستكون مستقبلا مطالبة باتخاذ قرارات مهمة في حياتها سواء على الصعيد العملي أو الإجتماعي، فكيف نتخيل مستقبل طفلة ليس لها الحق في اختيار لون حقيبتها، أن تحسن اختيار شريك حياتها! بل وإذا سلمنا الأمر بأن الأم ستواصل «سحب البساط» وتختار لابنتها الزوج، فكيف لهذه الأخيرة أن تحيا معه هل يمكنها إبداء رأيها أو حتى اختيار ايا من القرارات؟ وقس على هذا عشرات المواقف المستقبلية.

ان من الخطأ الكبير حرمان الطفل من حقه واستقلاليته وتحويله إلى آلة مهمتها تنفيذ اوامرنا ورغباتنا وقراراتنا، والإصرار على تجاهل حقه وحريته وضربها بعرض الحائط. وهذا الفعل أو الجريمة أن صح التعبير هي بداية الطريق لتحويل هذا الطفل إلى شخص تابع بدلا من تنمية الروح القيادة عنده، وبداية ايضا للخوض في مشاكل سلوكية لا نهاية لها، ومنها العدوانية والعصبية أو الخوف والتردد والانطوائية، والعزلة، والذي يبدو من أبرز مظاهره ضعف التحصيل الدراسي.

في المحصلة الأخيرة، بودي أن نلتفت جميعا إلى ما يقوله المختصون في التربية، حيال منح الحرية للطفل. وأن من شأن ذلك أن يعود على الصغار بطفولة سعيدة وتأثير نفسي سليم، ومساهمة ايجابية في تكوين شخصية سوية مستقلة وغير عدوانية، لا تتصف بالجبن، ولا الخذلان، ولا تقبل أن تكون إمعة، وأيضا تجعل الطفل ذا شخصية تتسم بالجرأة، والشجاعة، والمرح، وذا شخصية قوية يقدر ذاته ويحترمها، مع تأكيدهم على ضرورة المتابعة والتوجيه التربوي الذي يكون بين الحب والحزم وليس بين الحزم والعنف.

إن حرية الطفل تأتي متوافقة طبيعياً مع الحقوق المتمثلة في تزويده بحاجاته المعرفية، والجسمية، والاجتماعية، وحاجته للحب، والانتماء، والتوجيه التربوي، والتقدير، والتشجيع، وحاجته كذلك إلى تكوين أصدقاءه واللعب معهم.