آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 1:13 م

ظاهرة الإرهاب والرواية

محمد الحرز * صحيفة اليوم

شغلت ظاهرة الإرهاب حيزا كبيرا في الأدب العالمي، وأخذ الاهتمام بها يطال المجال الروائي باعتباره المجال الأكثر قدرة ومرونة في معالجة أسباب هذه الظاهرة ونتائجها، ورؤية أدق التفاصيل الاجتماعية والسياسية والدينية والاقتصادية التي تتعلق بها من وجهة نظر الروائي.

وكلما تعاظم الإرهاب على السلم الاجتماعي العالمي، كان الحرص على مكافحته يمثل الأولوية القصوى للدول والمجتمعات، والأولوية القصوى في وضع الخطط والبرامج والاتفاقيات فيما بينها مهما اختلفت المصالح وتباعدت الاهتمامات. ناهيك بالطبع عن العديد من مراكز البحوث والمعاهد والجامعات التي تضخ الكثير من الدراسات الممولة من طرف الحكومات والمؤسسات، والتي يكون هدفها على الأغلب الاستثمار في هذه الظاهرة اقتصاديا وسياسيا وإعلاميا، وتوظيفها فيما يحقق مصالحها الكبرى.

أصل الآن إلى السؤال الذي أود طرحه بهذا الخصوص: إذا كان العالم يرى ويراقب تفشي الإرهاب شرقا وغربا، ويرى في نفس الوقت، طرق تصديه وسبل مكافحته سواء على المستوى العملي أو الفكري، فإن النتيجة التي نصل إليها في هذه الحالة هي: ألا يمكن في سياق هذا الكلام تصوير الإرهاب ومكافحته مثل لعبة القط والفأر، حيث اللعبة قائمة. لكنها لا تنتهي؟!.

قد يوحي السؤال بأن ثمة أصابع خفية تحرك الدمى من خلف منصة المسرح العالمي، وتوزع الأدوار على الممثلين حسب الوظيفة والأهداف والتوجهات. لكن الأمر في ظني ليس بهذه السهولة واليسر، ومن الصعوبة بمكان التكهن بمسار الأحداث بما يخدم مصلحة هذا الطرف أو ذاك، مهما تجمعت أسباب القوة والهيمنة عند هذه الدولة أو تلك.

في تقديري الإبداع الروائي هو الوحيد القادر على الانفلات من هذه اللعبة، لأن شروط تشكله ليس خاضعا للتجاذبات والتأثيرات بين انتشار الإرهاب من جهة وسبل مكافحته من جهة أخرى، كما هو عليه الحال في الخطابات الموجهة الفكرية منها أو السياسية أو التحاليل السسيولوجية والسيكولوجية، فالرواية بسبب قيامها على النظرة الفردية وتغلغلها في خبايا المجتمع، وتمثلها للشخصيات من خلال السرد والوصف والحوار بإمكانها أن تقدم وجهات نظر متعددة ومتنوعة، تطرح فيها الأسباب والحلول بعيدا عن تلك التجاذبات، وبعيدا أيضا عن الهيمنة السياسية والحزبية والأيدلوجية. قد يعترضنا معترض بالقول: هذا مطلب مثالي، فالأعمال الروائية لا تخلو من تلك التجاذبات والتأثيرات، فالفرد المبدع في النهاية وضمن إطار اجتماعي يظل خاضعا ومتأثرا لما تقول به خطابات الهيمنة والرموز الاجتماعية والدينية.

لا يخلو هذا الكلام من وجاهة، وهناك العديد من الروايات التي تناولت هذه الظاهرة وكأنها لا ترى فيها سوى مجرد استعادة لحروب تاريخية حدثت بين الشرق والغرب، هذه فئة من الروايات لا تتناول إنسان الحضارة الحديثة وتشرحه من الداخل، بل تكتفي بتشريح المقولات المحايثة له، حتى وإن جاءت على شكل شخصيات روائية.

ولا أريد هنا الدخول في استشهادات روائية حتى لا يطول المقام. لكن من جهة أخرى، هناك بالمقابل روايات قدمت وجهات نظر جديرة بالتأمل لما تطرحه من معالجة تذهب إلى الجذور عبر شخصيات وأسلوب روائي مبتكر، لا يخضع بالنهاية إلا لمتطلبات الفن ورؤاه وشروطه.

وقعت بين يدي رواية «يرى من خلال الوجوه» للروائي والكاتب المسرحي الفرنسي إيريك إيمانويل شميت، الصادرة من دار مسيكلياني 2019م.

يعالج فيها الروائي ظاهرة الإرهاب الذي ضرب بلجيكا من خلال شخصية شاب صحفي فقير ومعدم. لكنه يمتلك موهبة رؤية الموتى. فكل شخصية يقابلها في حياته يرى معها ميتا له صلة بهذا الشخص على عدة هيئات. وانطلاقا من هذا السرد الممزوج بالحقيقي والغرائبي تتجلى المعالجة. وهنا إشارة لما يمكن أن تقدمه الرواية من رؤية مختلفة ومبتكرة.