آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:57 ص

«المرأة»... أمّ القضايا في السعودية

ميرزا الخويلدي * صحيفة الشرق الأوسط

قضية المرأة في السعودية، هي الحجر الأكبر في وجه العربة... عندما تتحرك فسينطلق القطار، وتسير قافلة الإصلاح. هي معنى رمزي للتحول الثقافي والفكري والاجتماعي، بل هي أم القضايا الساخنة في بلد اعتاد طويلاً على الجمود في طبيعته الاجتماعية.

ليست قضية السماح بقيادة سيارة، أو منحها الحقّ في السفر، المسألة تتعلق برفع الوصاية الذكورية القاهرة على المرأة التي سلبتها شخصيتها وجعلتها كائناً ملحقاً بالتبعية للرجل. والمهم أيضا أن الدولة تصنع التغيير، وتفتح طاقة الأمل، وتشرع الأبواب نحو الإصلاح، بعد أن حسمت أمرها لصالح تحديث المجتمع، وتمكنت من استيعاب موجات التشدد التي قيدت المرأة دهراً وقيدت معها حركة المجتمع. فصاحب الرأي الديني أو الفكري يمكنه أن يقول ما يشاء، لكن في النهاية هناك الحاجة لصاحب القرار الذي يرعى مصالح الناس ويضمن ضرورات تقدمهم.

كان غازي القصيبي شخصية فريدة. ولكنه حين لامس موضوع المرأة في السعودية «تكَسّرَت النّصالُ على النّصالِ»... كل ما كان يحلم به القصيبي حين كان وزيرا للعمل توطين وظائف جديدة وخلق فرص عمل للمرأة السعودية. كان مشروع القصيبي «السماح» للنساء بالعمل في مهن تخدم المرأة خصوصاً، كمحلات بيع الملابس والمشاغل النسائية وغيرها، وهو قطاع يمكنه أن يوفر عشرات الآلاف من فرص العمل للنساء، بعضهن يعتبرن العائد من هذا العمل قوام معيشتهنّ ومعيشة عائلاتهن. لكنه صُدم بموقف متشنج من التيار المحافظ، ومن بعض التجار أيضاً.

وقتها، التقيتُ الدكتور القصيبي في حوار نشر في هذه الصحيفة: ««الشرق الأوسط» 22/ 5/ 2008»، سألته: لماذا أخفق في موضوع توظيف المرأة؟، أجاب: «إن لساني تحوّل إلى حبلٍ من كثرة الحديث»، قلتُ له: هل هذه «الشكوى» هي كل ما على النساء أن يتوقعنها من وزير العمل؟، أجاب: «لو كففنا عن الحديث عن ضوابط عمل المرأة، وسعينا بهدوء وبلا ضجة إلى توظيف المرأة في الأماكن التي ترتضيها المرأة، لانتهت نصف مشاكل البطالة النسائية»، ثم أضاف: «ماذا أفعل والبعض يودون لحديث الضوابط أن يستمر إلى الأبد، حتى الحبل تعب من ترداد: «بحق الله! كفوا عن الحديث عن ضوابط التوظيف وابدأوا في التوظيف»»، ثم قال: «هناك للأسف في مجتمعنا رجال يشعرون أن أي قدر من الاستقلالية تحققه المرأة، سواء كان ماديا أو معنويا أو حتى رمزيا، يصيب رجولتهم في الصميم، شفاهم الله!».

هذا صحيح، وهي عقدة العقد... فمنذ «مطرقة الساحرات» حتى عصر الصحوة، كانت المرأة عنواناً للإجهاز على المجتمع وخنق حريته والتضييق على تطلعاته، ونجحوا في تغييبها، وبغياب المرأة؛ فقدنا صورتنا الطبيعية التي تشكل الأنثى حيّزاً مهماً من ملامحها، أصبحنا أكثر خشونة وقسوة وصرامة. فكلما تمادى مجتمع في إقصاء المرأة أو احتقار دورها ومكانتها، غاص أكثر في التطرف والتحجر والتزمت الفكري. بغياب المرأة أصبحت الشخصية الاجتماعية تتمادى في ذكورتها بنحو عدواني ومتطرف، ذكورية أنتجت ثقافة الإقصاء والتعالي وهدر حقوق الآخرين.

اليوم، تعود المرأة ليست أنثى كسيرة الجناح يفرضون وصايتهم عليها، وإنما بصفتها كائنا مبدعا وشريكا كاملا في العائلة الإنسانية، تتحصّن بالقانون الذي يمنحها المساواة، وبعودتها يستعيد المجتمع برمته ثقته وروحه وتطلعه نحو المستقبل.