آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 7:46 م

وقود الاصلاح الحسيني «26»

الشهيد عامر بن مسلم العبدي

حسين نوح المشامع

قال تعالى في سورة آل عمران: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ 207.

وفي سورة الحشر: ﴿فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِر، وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً 23.

وقال الإمام الحسين : ﴿من كان باذلاً فينا مهجته، موطناً على لقاء الله نفسه، فليرحل معنا «01»

لا نزال مع اصحاب الإمام الحسين الذين اختفت تفاصيل سير أكثرهم عن منبرنا الحسيني، والذين استشهدوا في الحملة الاولى، مضحين بأنفسهم في سبيل معتقدهم، مقدمين ارواحهم فداء لإمامهم، رغم علمهم أنه مطلوب وحده، ولو ظفر به ما أبه بغيره. ونحن هنا نحاول تجميع سيرهم المتناثر هنا وهناك، بين صفحات التاريخ المظلم، ولو إنها زهيدة لا تشفي عطش الباحث والمحقق، وقد تكون كتبت بأيدي معادية لفكر الإمام الحسين .

ولا يخفى أن هذه النماذج البشرية أصبحت شوكة في عيون الجائرين والمعتدين على حقوق المساكين، وأوجدت نهجاً تحررّياً مشبعاً بروح التقوى والإخلاص، ظل على مدى التاريخ سبباً في سلب النوم من عيون الجبابرة والمتكبرين، يقض مضاجعهم على الدوام، وهذه النماذج قد أظهرت هوية إنسانية جديدة، قدمها الحسين درساً في الحريّة والمروءة حتّى لغير المسلمين.

وبين أيدينا هنا الجوهرة السادسة والعشرين من هذه السلسلة المباركة، جوهرة التحقت بركب شهداء الإصلاح الحسيني، واستشهدت ضمن الذين استشهدوا في الحملة الاولى في يوم عاشوراء، وهي من جملة الأصحاب الغَيارى الذين دافعوا عن الحقّ، وُلبّوا نداءَ إمامهم سيّد شباب أهل الجنة، أبي عبدالله الحسين سلام الله عليه وهي:

اسم الشهيد: عامر بن مسلم العبدي

الشباك: ضريح شهداء كربلاء

سنة الوفاة: عاشوراء عام 61 هـ

مكان المدفن: كربلاء

سبب الشهرة: استشهاده مع الإمام الحسين

الاسم والنسب:

عامر بن مسلم ينتمي إلى بني عبدالقيس. وأورد المامقاني: أن أباه قتل في صفين مع أمير المؤمنين علي ، وبعض المصادر تنسبه إلى عميرة بن أسد، وذكر بعض المتأخرين أنه من أبناء حسان بن شريح بن سعد بن حارثة السعدي، ويذهب آخرون على صحة نسبته إلى العبدي والسعدي؛ باعتبارهما يعودان إلى عدنان. وذكره الشيخ الطوسي في عداد أصحاب الحسين ، واعتبره مجهولاً. وقيل ان اسمه: عامر بن مسلم العبدي، من عبدالقيس، من عدنان ”عرب الشمال“. «02» وذكره الفضل بن العباس بن ربيعة في مرثيته لشهداء الطف بقول:

أرجعوا عامراً وردوا زهيراً ثم عثمان فارجعوا غارمينا «02»

قصّة التحاق الشهيد بالإمام الحسين :

كانت دار يزيد بن ثُبَيت العبديّ مَأْلفاً للشيعة يتحدّثون فيها، وبعد أن بلغ عبيدالله بن زياد إقبالُ الحسين ومكاتبة أهل العراق له.. كَتَب إلى عامله بالبصرة أن يضع المَناظِر ويأخذ الطريق؛ لذا أجمع يزيد بن ثُبيت على الخروج إلى لقاء الإمام أبي عبدالله ، وكان له بنون عشرة، فدعاهم إلى الخروج معه، فانتدب له اثنان: عبدُالله وعبيدالله. وقال يزيد لأصحابه: إنّي قد أزمعتُ على الخروج، فمَن يخرج معي؟ فقالوا: إنّا نخاف أصحابَ ابن زياد! فخرج هو وابناه، وصَحِبَه عامرُ بن مسلم ومولاه سالم، وسيف بن مالك، والأدهَم بن أُميّة. «04»

وجاء إنه لمّا رأى عامرُ بن مسلم الامام قال له: ”السلامُ عليك يا ابنَ رسول الله“، ثمّ أخبره بالذي جاء به، فدعا له الإمامُ بخير، ثمّ ضَمَّ رحْلَه إلى رَحلِ سيّد الشهداء عليه السّلام، ولم يفارقه حتى استشهد في كربلاء. «03»

واقعة الطف واستشهاده:

وکان عامر من شيعة البصرة، وعندما سمع بخبر الحسين خرج هو ومولاه سالم مع يزيد بن ثبيط العبدي من البصرة، والتحقوا بالإمام في منطقة الأبطح من مكة، وقتل عامر يوم عاشوراء في الحملة الأولى. وكذلك مولاه سالم فهو من المستشهدين بين يدي الإمام الحسين في الحملة الأولى. «02»

وذكر ابنُ شهرآشوب والشيخ الطوسيّ أنّ عامر بن مسلم العبديّ ومَولاه سالم «رضوان الله عليهما» قد استُشهِدا في الحملة الأُولى في طفّ كربلاء. «03»

وأمّا «سالم» مولى عامر بن مسلم العبديّ.. فقد نال الشرفَ الأسمى مع صاحبه عامر العبديّ، فحَظِيَ بالشهادة حين بَرَز وقاتَل حتّى قُتِل، فدُفِن مع شهداء كربلاء وعاشوراء. وكان سالم هذا سالماً في دينه وعقيدته، وقد امتلأ شوقاً إلى التضحية وهو يسمع الإمامَ الحسين عليه السّلام يخطب قائلاً: ألاَ وإنّ الدَّعيَّ بنَ الدَّعيّ.. قد ركَزَ بين اثنتَين: بين السِّلّةِ والذِّلّة، وهيهاتَ مِنّا الذِّلة. يأبى اللهُ لنا ذلك ورسولُه والمؤمنون، وحُجورٌ طابتْ وطَهُرت، وأُنوفٌ حَمِيّة، ونفوسٌ أبيّة، مِن أنْ نُؤثِرَ طاعةَ اللئام، على مَصارعِ الكِرام! ألاَ وإنّي زاحفٌ بهذه الأُسرةِ على قلّةِ العدد وخِذلانِ الناصر.

ثمّ أنشدَ عليه السّلام أبياتَ فَروةَ المُراديّ:

إذا ما الدهرُ جَرَّ على أُناسٍ بكَلكَلِه أناخَ بآخَرينا

فإنْ نَهْزِمْ فهَزّامونَ قِدْماً وإن نُهزَمْ فغيرُ مُهَزَّمينا

وما أنْ طِبُّنا جُبنٌ ولكنْ مَنايانا ودَولة آخَرينا

فقُل للشامتينَ بنا: أفيقوا سيَلقى الشامتون كما لَقِينا «04»

السلام على الشهيد عامر بن مسلم رضي الله عنه:

تم السلام عليه في زيارة الشهداء والزيارة الرجبية: ب ”السلام على عامر بن مسلم“. ووقع التسليم على مولاه سالم في الزيارتين، ولكن في الزيارة الرجبية باسم «مسلم مولى عامر»، وفي زيارة الناحية باسم «سالم مولى عامر بن مسلم». «02»

ونال «سالم» مع صاحبه «عامر» شرفاً آخَر، ذلك هو في زيارة الإمام المهديّ صلوات الله عليه وعلى آبائه الطاهرين، في الشهداء بكربلاء، حيث جاء فيها: السلامُ على عامرِ بنِ مُسلم.. السلام على سالمٍ مَوْلى عامرِ بنِ مُسلم. «04»

وهنا تنتهي حلقتنا السادسة والعشرون باستشهاد ”عامر بن مسلم ومولاه سالم“ مناصراً لأبي الضيم وابو الأحرار ومدافعاً عنه، بل مناصراً للحق الالهي، منقذاً نفسه من نار سعرها جبارها لغضبه، متجهاً إلى جنة عرضها السماوات والارض، أعدها ربها لرحمته.

«01» «شبكة ويكي شيعة»



- «02» «شهداء الطف من البصرة - مركز تراث البصرة»



- «03» «الشبكة الحسينية المقدسة»



- «04» «شبكة الامام الرضا »