آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 7:41 م

الإعلامي المثقف

محمد الحرز * صحيفة اليوم

شخصية هادئة، يحمل ملامح صمته أينما ضمه مجلس، لكنه الهدوء والصمت الذي لا يحجب عمق ثقافته ولا عمق نظرته للأمور، يفتنك إصغاؤه إذا ما تحدثت إليه، ويفتنك أسلوبه أيضا إذا ما تكلم، وتأسرك طيبته إذا عرفته عن قرب. وهو في كل ذلك قليل الكلام. ومن لا يعرفه ويلتقيه أول مرة، يتكون عنده انطباع أنه شخص وحيد، ويزيد من حدة هذا الانطباع نحافة جسمه. بيد أن الأمر خلاف ذلك تماما، فسرعان ما تكتشف قربه من الناس ومعرفته الحصيفة بهم وخبرته في الاحتكاك بهم. ناهيك عن موقعه كصحفي وإعلامي متميز أهله كثيرا في معرفة خبايا ما يدور في أروقة الثقافة والمجتمع والسياسة.

في بداية التسعينات الميلادية تعرفت عليه، وكانت جريدة اليوم هي الوجهة التي كنا نلتقي عندها، يومها كان أبو محمد مشرفا على الصفحات الثقافية بالجريدة. أتذكر تماما عندما أعطيته أول مشاركة لي في الملحق الثقافي وكانت مادة نقدية عن التجارب الحديثة في الشعر المحلي، كنت قلقا ومترددا إذا لم تحظ بالقبول والنشر. لكن المفاجأة السارة أنني وجدتها منشورة في الملحق بعد أسبوع. سرعة نشر المقال والاستقبال الذي لقيته عند مجموعة الأصدقاء شجعني كثيرا على المضي قدما في طريق الكتابة، وفي كل ذلك كان عبدالرؤوف المشجع والمحفز والمرشد أيضا.

لا أنسى يوم اتصلت به وقلت له: نحن مجموعة من الشعراء نحب أن نتعرف عليك ونزورك في المنزل «وقتها كان يعمل بالأحساء مشرفا على مكتبها هناك». رحب ثم تواعدنا.

ذهبت إليه برفقة صديقي الشاعر عادل الرمل الذي كنت أتقاسم معه حب الشعر منذ أن كنا على مقاعد الدراسة، وحينما كان الشعر خبزنا اليومي الذي امتزج بذكرياتنا عنه إلى الحد الذي كنا نتسابق على حفظ الأبيات الشعرية وإلقائها لاحقا. كان صديقي متوقد الذهن في الكتابة، ذكيا في حواراته وأفكاره، وكان رافدا حقيقيا لي في مشواري. بهذه الروح الوثابة والمتحفزة للاطلاع على الجديد في الثقافة الجديدة التي جاءت تحت مسمى الحداثة، والتي كان عبدالرؤوف أحد روادها الذين كتبوا وتبنوا توجهاتها، التقيناه في مجلسه، وهذا كان اللقاء الأول الذي تعرفت عليه عن قرب.

كانت تدور في ذهني أسئلة عديدة كنت قد حضرتها مسبقا حول الحداثة ورموزها في الساحة عن محمد العلي، محمد الثبيتي السريحي، عبدالله نور، وغيرهم من جيل السبعينات والثمانينات، خصوصا وأن أبا محمد كان قريبا منهم، والناقد الذي كان يتذوق القصيدة الحديثة، ويعرف الكثير عن منجزاتها عند هؤلاء. لكنه كان مهتما أكثر عن معرفتنا الشخصية، وكيف تسنى لنا الاهتمام بهذا التوجه خصوصا في الأحساء التي لم يكن الحراك حول معترك الحداثة قد أطل برأسه في ساحاتها؟ وحين علم أننا مجموعة من الشباب الشعراء «الصديق الشاعر والمترجم عبدالوهاب أبو زيد، الصديق الشاعر جاسم الصحيح» الذين كنا نبحث عن الجديد في عالم الشعر، ومتحمسين للاطلاع عليه، فتح لنا مكتبته، والتي كانت تضم العديد من المصادر المهمة، وأذكر أنني استعرت منه بعض كتب أدونيس، وبعض الكتب النقدية.

هذا اللقاء شكل لي انعطافة حقيقية على مستوى الثقافة، كان عبدالرؤوف ولا يزال إحدى الركائز التي أفتخر به كصديق، وأفتخر به أنه أصبح جزءا من حياتي الثقافية والإنسانية على العموم.