آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 8:59 م

تنبؤات درامية أم سينما متواطئة.. «2»

عبد العظيم شلي

لم يكن الإنسان العربي الوحيد الذي قدمته السينما الأمريكية بصورة مغرضة ومشوهة، بل هناك جنسيات أخرى كان لهم نصيب من الذم والاستهزاء والقدح ضمن أفلام عديدة، وأيضاً أظهرتهم عدوانيين وخطرين يضمرون الشر دائماً لأمريكا، وأثناء الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، أنتجت سينما هوليوود وغيرها من الشركات الأمريكية، سلسة من الأفلام الموجهة نحو السوفيت بالحط من قدرهم وتحقيرهم، وتصغيرهم، بل التغلب عليهم في كل المعارك المفترضة.

يقول الدكتور جاك شاهين: ”الصورة التي انطبعت عن الشخص الروسي في ذهن المشاهد الأمريكي للعروض التلفازية، تتمثل في صورة امرأة روسية بدينة، ترتدي ملابس روسية مضحكة، وتتناول ساندويشات الهمبورجر الأمريكية، هذه الصورة ظلت تعرض جزءاً من دعاية نظمتها شركة ويندي لمنتجاتها عن الهمبورجر حتى عام 1985، حين التقى ريجان بجورباتشوف، ولم يلغ عرضها إلا بعد أن قدم الموظفون الروس احتجاجات وشكاوى من استمرار عرض صورة الإنسان الروسي على هذا النحو الذي انطبع وترسخ في ذهن المشاهد الأمريكي، كما أعرب الرسميون الروس عن استهجانهم وعدم رضاهم عن عدة أفلام أمريكية، منها، الفجر الأحمر، الليالي البيضاء، رامبو، غزو الولايات المتحدة الأمريكية، روكي 4، تظهر الروس أعداءً للولايات المتحدة الأمريكية، كما وجد بها بعض الأمريكيين إهانة وتحقيراً أيضاً“.

وهناك صور مشوهة ليس حول الشخصية الروسية فقط، بل طالت الإنسان الآسيوي، يواصل جاك شاهين: ”إن أثر الصورة الذهنية ليس جديداً على عالم الإعلام الغربي، فإعطاء صورة تحط من قدر الإنسان الآسيوي سبق أن خلقت مشاعر عداء ضد الآسيويين في الغرب قبل الحرب العالمية الثانية وأثناء احتدامها، وقد قامت الشركة الدولية للأفلام السينمائية التي تشكل جزءاً من امبراطورية وليام راندولف هيرست للأفلام بإنتاج فيلم سينمائي أطلقت عليه أسم“ باتريا ”وهو عن حرب وهمية نشبت عام 1916، تصور فيه القوات اليابانية وقد انظمت إلى القوات المكسيكية للقيام بهجوم على الولايات المتحدة الأمريكية، وتتقدم قواتها فتغزو كاليفورنيا، وتجري محاولات يابانية لاغتصاب بطلة الفلم، واقتراف عدد من الأعمال الوحشية، هذا في الوقت الذي كانت فيه اليابان في الواقع تحارب إلى جانب بريطانيا، وهذا يعني أنها كانت حليفة وليست عدوة“.

حين خلصت من الاقتباس الأخير تساءلت: ما هذا التنبؤ للماكينة السينمائية الأمريكية، بالنظر لليابان بأنها عدوة وهي حليفة لهم في الحرب العالمية الأولى، نعم عدوة مؤجلة!! إنها رؤية تنبؤية بعيدة المدى من يظن بعد مرور 11 عاماً أن تنضم اليابان في الحرب العالمية الثانية لدول المحور، وتقف إلى جانب هتلر ألمانيا النازية، وموسوليني إيطاليا الفاشية، لتقاتل قتالاً عنيفاً ضد دول الحلفاء، والخدعة انطلت عليها حين تم استدراجها أمريكياً في مهاجمة مينائها بيرل هاربر، ومع احتدام الحرب قاومت اليابان أمريكا بضراوة وشراسة، بعد أن أوقعت بها خسائر فادحة وجمة في المعارك البحرية وسط الأمواج العاتية في المحيط الهادئ، وكادت موازين القوى تميل لصالح اليابان، ولكن من الذي جعلها توقف الحرب، وتعلن عن هزيمتها، بعد إلقاء القنبلة الذرية مرتين على مدنها هيروشيما وناجازاكي، زلزلت أرض اليابان زلزالها، وأخرجت الراية البيضاء استسلاماً، ومنذ ذلك الوقت واليابان ذليلة صاغرة، ولم تزل خاضعة وخانعة للأمريكان!

كيف يقرأ صناع السينما الأمريكية ما تؤول إليه الأحداث قبل وقوعها بسنين، ما هذا التنبؤ الغريب، وهذه النظرة الثاقبة بعيدة المدى، كيف يتسنى لهم إستشراف المستقبل؟! رب قائل يقول: هناك بعض من الأفلام قدمتها هوليوود حسنة وقد ترى أنها محقة وعادلة وغير متجنية، هذا صحيح، لكن وفق إطار محدد وسياسة مرسومة وضمن منظومة معينة لا تحيد عنها، فعبر تاريخها ولحد الآن هل رأينا فيلماً يمجمد السوفيت «الروس» أو عملاً يرفع راية العرب والمسلمين، ولا عملاً ينصف دولة من العالم الثالث! دائماً تستغل تفوقها السينمائي والإبداعي للإيهام بأسر عقول المشاهدين بتوريات براقة باسم الحرية والديمقراطية، وتارة باسم الإنسانية، لتوظف الدراما وفق ما يخدم مصالحها أولاً وأخيراً، ويحقق أهدافها الاستراتيجية بعيدة المدى، إنها سينما مجندة للجند والساسة بعضلات مفتولة، وبقوة لا تقارع حتى هزيمة فيتنام تحولت إلى نصر!