آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 5:37 م

«كورونا».. فيروس طبيعي أم مصنّع؟

يوسف مكي * صحيفة الخليج الإماراتية

الخاسر الأكبر، من انتشار الوباء هو دول العالم المتقدم، التي لن يكون بمقدورها تصريف منتجاتها، بعد هزيمة كورونا.

يبدو أن شعوب العالم الثالث، ومنها الشعب العربي، لفرط ما عانت هيمنة الغرب على مقدراتها وحقها في الحرية والاستقلال، عبر عقود طويلة، باتت تفسر ما يحل بالعالم من كوارث وأوبئة، على أنها جزء من مخططات جهنمية لسيطرة رأس المال على العالم. وفي هذا الاتجاه، ومنذ بروز وباء كورونا، تتوالى التفسيرات والتحليلات لأسباب بروز الفيروس، الذي أقام الدنيا، ولم يقعدها، باعتباره، صناعة صينية، تارة وغربية تارة أخرى، والهدف هو إحكام القبضة على الاقتصاد العالمي.

في حديث جمعني مع صديق عزيز، قبل عدة أيام أفاد باعتقاده الراسخ، أن مؤامرة أمريكية، تقف خلف بروز فيروس كورونا، وأنه جرى تصنيعه في مختبرات أمريكية، بهدف السيطرة على العالم. وليؤكد اعتقاده هذا، ذكر أن عالماً مختصاً، قد تنبأ قبل عقد بما يجري الآن. هذا النوع، من المماحكات برز أيضاً بكثافة، في عدد من الصحف العربية والعالمية، وفي مواقع التواصل الاجتماعي، تدعمه شهادات من قبل مختصين مغمورين، تصب كلها في اتجاه الانحياز لنظرية مؤامرة تصنيع الفيروس.

وابتداء يجدر التمييز، بين الجدل القائم حول تصنيع فيروس كورونا، ووجود أسلحة جرثومية. والتمييز هنا مهم وجوهري. لأن هدف تصنيع كورونا، ونشره في أرجاء المعمورة، لو صار واقعاً، هو فعل عدمي، لا تبدو ضمن ما هو منظور، إمكانية استفادة أي طرف منه، في حين أن وجود أسلحة جرثومية، هو جزء من حالة التنافس بين دول الهيمنة، على اقتناء أسلحة دمار شامل، تشمل الأسلحة النووية والكيماوية والجرثومية، والعنقودية والتقليدية... والهدف هو استخدامها، عند الضرورة، وفقاً لرؤية صناع القرار، في حالة الحرب.

وقد استخدمت مختلف أنواع تلك الأسلحة، بأشكال مختلفة في الحروب التي جرت، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. أما بالنسبة لكورونا، فإن انتشار هذا الفيروس، لم يتم بحالة حرب. وحتى إذا ما ثبت تصنيعه في مختبر ما، كما هو الاتهام الأمريكي للصين، أو اتهام بعض الأوساط السياسية لأمريكا بتصنيعه، فإن ذلك لا يعني انعقاد النية على وجود مخطط لتلويث العالم به، فذلك ما لم تتوفر أية دلائل تؤكده.

يحدث أحياناً، أن تنعقد النية على تصنيع نوع جديد من تلك الأسلحة، ويحدث انفلات غير مقصود، لبعضها، يصعب السيطرة عليه خارج المختبرات. وقد حدث ذلك حتى في بعض المفاعلات النووية في روسيا واليابان، لكن ذلك لا يمكن توصيفه ضمن فكرة المؤامرة.

وإذا ما طرحنا السؤال، من هو المستفيد من القوى الصناعية المهيمنة، من انتشار كورونا، سنجد أن معظم الأجوبة، لن تكون في صالح طرح السؤال. إن أكثر المتضررين من انتشار وباء كورونا، هي الدول الرأسمالية المتقدمة. وقد نالت حصة الأسد، من انتشاره. وفي هذا السياق، نعني الولايات المتحدة ودول أوروبا الغربية، والصين الشعبية وروسيا. وخسائرها من انتشار الوباء تقدر بالتريليونات.

تعطلت المصانع الكبرى، وتراجع استهلاك البشر للسيارات ووسائل النقل، والطاقة، والسياحة والرياضة ووسائل الترفيه. ومع هذا التراجع، تراجعت البنوك وأسواق المال. وامتنعت معظم المولات والأسواق الكبرى، والشركات، بمختلف أنشطتها، عن تقديم خدماتها للمستهلكين. والأنكى أن البشرية بأسرها، تعيش في مرحلة سبق لنا أن أطلقنا عليها مرحلة اللا أدرية، حيث لا يوجد حتى هذه اللحظة بصيص أمل، بإمكانية الخروج سريعاً، من هذه الجائحة.

نزعم هنا أن لا مستفيد أبداً، من هذه الجائحة، فالجميع خاسر. والدول المتقدمة، التي تعمل جاهدة الآن، للتخطيط لمرحلة ما بعد كورونا، بحاجة إلى عقد من الزمن، على الأقل لاستعادة عافيتها، والعودة إلى ما كانت عليه قبل انتشار الوباء. وينبغي أن يأخذ بالحسبان، أن قدرة العالم، على الاستهلاك، فيما بعد كورونا، لن تكون كما قبله. بمعنى أن الخاسر الأكبر، من انتشار الوباء هو دول العالم المتقدم، التي لن يكون بمقدورها تصريف منتجاتها، بعد هزيمة كورونا، بنفس الوتيرة، التي كانت سائدة قبل انتشاره.

يضاف إلى ذلك، أن نظرية المؤامرة، هذه تلغي التنافس والحالة الصراعية، بين البلدان الرأسمالية المتقدمة، وتحيلها إلى علاقة توافق وتراض. بمعنى آخر، إن إقدام أي دولة، مهما بلغت من القوة والجبروت، لن تمر بسلام، ومن غير حساب، من قبل نظيراتها الدول المتقدمة الأخرى. واتهام كهذا لم يشر له، من قبل أحد، باستثناء تصريحات ترامب التي لم توضع على محمل الجد، حتى من قبل المتنفذين في إدارته.

ويبقى الحديث بحاجة إلى المزيد من التأصيل والتحليل، في أحاديث أخرى قادمة.