آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 9:19 م

إتحاف الأنام ب ”هجر“ السلهام

أثير السادة *

الأحساء ليست هجر التاريخية، هذا هو حجر الزاوية في استنتاجات الباحث حسين السلهام التي قدمها في كتابه الصادر مؤخرا“تاريخ هجر”، والذي انطلق منه لبناء تصور مختلف لجغرافيا التاريخ على هذا الساحل المليء بالملابسات والمفارقات التاريخية، فهجر التي يراها في تصوره هي مدينة ساحلية ذات عمق تاريخي بعيد، بينما الأحساء في صورتها المتأخرة هي وليدة الوثائق والقوانين العثمانية، وصنيعة القرامطة في أبعد نصوصها التاريخية.

يختار السلهام من حكم القرامطة على المنطقة لحظة مفصلية لبروز الكثير من التشويه على مستوى الجغرافيا والتاريخ لمدن البحرين القديمة، بما فيها هجر، حيث جرى بعدها تحريف مسميات الأماكن، أو ضياع دقتها إن اخترنا حسن الظن، فهجر التاريخية ليست سوى واحدة من المدن المنضوية تحت مسمى القطيف قديما، أي أن هجر تحديداً هي القطيف، واحدة من المدن المطلة على ساحل الخليج، الغنية بمائها ونخيلها وتجارتها.

وإمعانا في الفصل بين الأحساء وهجر، يقرر السلهام طرد الأحساء من إقليم البحرين التاريخي، بالإتكاء على بيت شعر جاهلي للحارث بن حلزة، يحمل في طياته إشارة للمسير بين البحرين والأحساء، لتصبح المهمة التالية هي البحث عن مكان آخر يموضع فيه هجر وسيرتها، هجر وقصباتها، حصن المشقر والصفا، ونهر المحلم، والأسواق التي تفيض بها سيرة المكان.

هنا يمضي السلهام للإفادة من مسند أحمد بن حنبل، ورواية استقبال النبي لوفد عبدقيس، وسؤاله للوفد“أي هجر أعز”وجوابهم عنه بالمشقر حيث أتبع النبي ذلك القول بذكره لزيارته لعين الزارة،. بهذه الإشارة يربط السلهام بين المشقر والزارة في عوامية القطيف اليوم، ويفتح دائرة الاحتمالات لرسم خارطة جغرافية جديدة لحقبة ما قبل القرامطة، فقصبة الصفا بحسب السلهام ليست إلا صفوى، ونهر محلم هو عين داروش وما اتصل بها من عيون على امتداد القطيف وصولاً إلى عين الكعبة، وعليه سيفتح دائرة التشكيك في تحديد موقع مسجد جواثا، الذي كان يقال بأنه يسقى من نهر محلم، مستفيداً من قول ابن الاعرابي الشهير: جواثا مدينة الخط، والمشقر مدينة هجر، وهذا سيكفيه لترجيح الزارة كمكان لهذا المسجد وضمن حصن المشقر.

لكن أين موقع هجر بالتحديد من إقليم القطيف؟ القطيف التي يتسع مداها ويضيف في المدونات التاريخية؟.. هنا يرشح السلهام المنطقة ما بين الظهران والعجير مكانا لهذه المدينة الدارسة، وبالتحديد شاطيء نصف القمر، محيلا في ذلك على المسافات التي أوردها الجغرافيون على حد قوله، وعلى مسوحات جيولوجية ألمحت إلى وجود ما يشبه قنوات ري قديمة في هذه المنطقة.

ترجيحات وتخمينات تملأ دفتي الكتاب بمثل ما يمتلئ بالأخبار والقصص، يحاول معها السلهام أن يحفر تحت جدار رفيع من المسلمات التاريخية حول هذه المدن المتأرجحة على حد التسميات، يدرك جيداً الالتباسات الكثيرة حول تسمية هذا الإقليم، والإبدال المتكرر عبر التاريخ بين الخط وهجر والبحرين، وما يجري من توسيع وتقليص لمسمى هذا الساحل القديم، ما يجعل من مهمة فرز الجغرافيا التاريخية تبدأ من المدونات التاريخية وإعادة فحصها، واختبار نصوصها عبر المقارنات، واستعادة سياقاتها ومناسباتها.

هل يكفي بيت شعر واحد لطرد الأحساء من البحرين؟ هل تكفي رواية واحدة للقطع بهذه المسافة بين الزارة والمشقر؟ علما بأن هذه الراوية لها نسخ أخرى تموضع الزارة في الخط وليس هجر، هل يكفي النظر إلى النصوص دون الآثار؟ لماذا انحاز لكون هجر مدينة ساحلية؟ لماذا لا يمكن أن تكون الزارة اليوم هي غير الزارة بالأمس، لماذا الشهرة وحدها تكفي هنا؟ ولماذا يقف من النصوص الآحاد موقف المسلم طالما انسجمت مع رؤيته ويلوم الآخرين على تشكيكهم فيها لذات الاعتبار؟.

تلك أسئلة عابرة، لا تلغي جهد السلهام في إثارة أسئلة كانت مهملة من ذاكرة المكان، لكنها تؤكد على أن أهمية الذهاب أبعد من مهمة حشد النصوص والآراء المعزز لأفكارنا، إلى حيث نقف في موقع المعارض لأفكارنا لنكتشف ضعفها فنعززها إن كان ذلك ممكنا، فمسألة إزاحة هجر إلى القطيف، والمراد بها القطيف الممتدة إلى حدود الظهران والعجير، ممكنة نظرياً، وقابلة للنقاش على مستوى الفرض والجدل، لكنها تستوجب جهدا أعمق على مستوى المقاربة اللغوية، والتحليل التاريخي، والمراجعة الجغرافية والجيولوجية، كنا نطمع أن يضعنا على مقاربة لأوصاف البحرين القديمة في الكتب والرسائل والأشعار تعزز من فرضية الكتاب الأساسية وهو وجود انزياحات وصفية جرت بعد حقبة القرامطة، فالكتاب لم يخصص فصلا لجرد قائمة التوصيفات لهذا الإقليم وتواريخها لنتعرف على الأثر ونتحقق منه، ولنتعرف على حدود البحرين وهجر والخط وكيف كانت وأصبحت، ودوافع الإبدال بين هذه التسميات.

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 1
1
رضا احمد
[ السعودية - سيهات ]: 6 / 7 / 2020م - 9:48 م
مع شديد إحترامي للكاتب السيد أثير، هل يجوز أن يرد مجرد كاتب على مؤرخ متخصص بذل من عمره سنوات طوال في البحث والتدقيق والتمحيص إعتمادا على كتب تأريخية وروايات وأن يكون ردك مجرد كلام إملائي ينقصه الدليل!!؟؟