آخر تحديث: 25 / 4 / 2024م - 9:08 م

قراءة لكتاب: ”آيات الله الوطنيُّون: القومية في عراق ما بعد صدام“

الدكتور أحمد فتح الله *

قراءة لكتاب: ”آيات الله الوطنيُّون: القومية في عراق ما بعد صدام“ «Patriotic Ayatollahs: in Post-Saddam Iraq»

  • المؤلف: كارولين مرجي صايج «Caroleen Marji Sayej»
  • المدينة: إيثاكا، نيويورك، المطبعة: مطبعة جامعة كورنيل.
  • سنة النشر: 2018م.
  • عدد الصفحات: 216 صفحة.

الكتاب مكون من:

تصدير «Preface»

قائمة المختصرات «List of Abbreviations»

ملاحظة حول تعريب المفردات «A Note on Arabic Transliteration»

مقدمة: صنع العراق وتفكيكه: «Introduction: The Making and Unmaking of Iraq»، ص: 1-14.

الفصل الأول:

آيات الله والنضال من أجل الحفاظ على الشرعية في المجال العام الجديد «The Ayatollahs and the Struggle to Maintain Legitimacy in the New Public Sphere»، ص: 15-40.

الفصل الثاني:

السيستاني، وصي على العملية الديمقراطية «Sistani، Guardian of the Democratic Process، ص: 41-69.

الفصل الثالث:

السيستاني، مرشد فقط «Sistani، a Guide Only»، ص: 70-90.

الفصل الرابع:

هاديئون تحولوا إلى نشطاء «Quietists Turned Activists»، ص: 91-126.

الفصل الخامس:

روايات طائفية محلية وإقليمية «Local and Regional Sectarian Narratives»، ص: 127-163.

الخلاصة:

إعادة التفكير في الدين والسياسة «Conclusion: Rethinking Religion and Politics»، ص 164 - 176.

مع هوامش، ومراجع، وفهرسة.

تبحث دراسة كارولين مرجي صايج بدقة في التأثير الهائل للسيد علي السيستاني على السياسة العراقية، الرجل الذي كان أكثر قوة على خلفية الدولة الممزقة التي ظهرت بعد الغزو الأمريكي عام 2003م. يتجنب كتاب الصايج، الذي تم بحثه جيدًا بطرحٍ مقنع، المزالق لكثير من الكتابات حول هذا الموضوع، والذي غالبًا ما يسيء فهم مكان الدين في المجتمعات العربية ويقلل من قوة رجال الدين.

في مواجهة السؤال الدائم حول كيف يمكن للديمقراطية - أو شيء يشبهها - أن تأتي إلى الشرق الأوسط، يجادل القليل في إشراك رجال الدين في إدارة الدولة. وفي الواقع، هناك تاريخ ثري يوضح كيف أن الإسلام السياسي قد فرض تحديات كبيرة على الحكم ”الجمهوري“. ومع ذلك، فإن أكبر شخصية دينية في العراق هي التي تحدت الحكمة التقليدية عدة مرات وأنهت الجمود السياسي بشكل فعال لتعزيز القومية، وليس الفئويَّة.

قد تبدو الوحدة الوطنية هدفًا بعيد المنال في بلد السيارات المفخخة، وانبعاث عنف داعش، و”النزاع الطائفي“ بين الشيعة والسنة، والفساد العميق بين السياسيين والقبائل. وفقًا لإحصاءات وكالة المخابرات المركزية، فإن سكان العراق هم 75-85 في المائة عرب و15-20 في المائة أكراد، مع حوالي 5 في المائة من البلاد تنتمي إلى مجموعات عرقية أخرى مختلفة، بما في ذلك التركمان واليزيديين والبدو والأشوريين والفرس.

إن الهدف النهائي للعديد من القادة العراقيين هو إحياء القومية العراقية، خاصة بعد أن مزق الصراع الطائفي البلاد لسنوات عديدة بعد الغزو الأمريكي عام 2003م. ويرى بأن أحد أسباب انتشار الطائفية في العراق هو أن التعابير عن الهوية والثقافة الشيعية تم قمعها في ظل حكم صدام حسين، باعتباره ”قيادة سنيَّة“. وخلق هذا القمع انقسامات طائفية عميقة في المجتمع العراقي. عندما واجهت البلاد معارضة شيعية في الغالب أبان الحرب الإيرانية العراقية 1980-1988م، وازداد الاستقطاب الطائفي كسبب آخر للطائفية، والذي ينطبق على العالم العربي بشكل عام، حيث أن البدائل الرئيسية للعلمانية والقومية كانت إلى حد كبير الظواهر الحضرية التي تجذب مجموعات صغيرة من النخب المتعلمة. كان في العراق، كما في البلدان الأخرى، حافزًا ضئيلًا للطبقة الدنيا للالتفاف حول العَلَم الذي يرمز فقط لمعاناتهم في ظل النخب الديكتاتورية القمعية.

في العالم العربي غالبًا ما تكون قضية الهوية محل نزاع وتبدو القومية وكأنها بقايا من أوائل الستينيات، عندما كان ارتداء ”تنورة قصيرة“ موضوعًا أكثر شيوعًا للمناقشة في المجتمعات العربية من الدين أو الهويات الدينية. استند مفهوم القومية «العربية» للرئيس جمال عبد الناصر إلى وحدة عربية متخيلة - فكرة انعكس فشلها في رفض العراق الانضمام إلى الجمهورية العربية المتحدة القصيرة العمر التي شكلتها مصر وسوريا عام 1958م. وبعد انتصار إسرائيل المخزي على مصر والأردن وسوريا في حرب 1967م، انهارت الأفكار القومية القديمة. لكن منذ عام 2003م، ربما بحكم الضرورة في إنقاد ”الدولة العراقية“ الضعيفة والممزقة، طرحت ”المرجعية“ «القيادة الدينية»، بقيادة السيد علي السيستاني، نفسها كوسيط للسلطة ورجالها كلاعبين سياسيين بارزين.

في كتابها «آيات الله الوطنيين: القومية في عراق ما بعد صدام»، تؤرخ كارولين مرجي صايج بدقة تأثير السيستاني في البلاد وتحوله المطرد من سياسي بسيط «غير موسع» إلى شخصية ذات فهم عميق للمؤسسات. تقدم صايج أطروحتها طوال هذا الكتاب المدروس جيدًا عن طريق الاستشهاد بالعديد من أحكام وإجراءات السيستاني على مدى الخمسة عشر عامًا الماضية.

بعد أشهر فقط من الغزو الأمريكي، تحدى السيستاني بول بريمر، الذي قاد عملية إعادة الإعمار الأمريكية للعراق وكان يضغط من أجل صياغة دستور جديد على الفور. وتوضح الصايج أنه بدعم ثلاثة آيات الله الآخرين في النجف الذين أيدوا فتاويه، السيد محمد سعيد الحكيم ومحمد إسحاق الفياض وبشير النجفي، طالب السيستاني بدلاً من ذلك بإجراء انتخابات سريعة حتى تعتبر العملية السياسية مشروعة في نظر العراقيين العاديين. وفي بعض الأحيان منع العنف الطائفي، وأَلْهَمَ التصويت بحجب الثقة عن رئيس الوزراء حينها، الذي وجده يشعل المشاعر الطائفية. بينما تصرف المحاورون الأجانب والسياسيون العراقيون بطرق استبدادية، اتخذ السيستاني وزملاؤه مكانة أخلاقية عالية من خلال التوصل إلى حلول وسط «مرضية للجميع» مع محاولة الحد من نفوذ القوى الحزبية، مثل الأحزاب السياسية والميليشيات المدعومة من إيران، على حساب الشعب العراقي. كما أصر السيستاني وحلفاؤه على أن الهويات المتعددة في العراق بإمكانية أن تتعايش، وأنه يجب عليهم القيام بذلك من أجل إنشاء أُمَّة مستقرة وموحدة.

تقول الصايج أن ”الحوزة العراقية“، وهو مصطلح جماعي لعلماء الدين وطلبتهم، دخلت حديثًا في السياسة منذ عام 2003م، ”كانت تركز على بناء الدولة“. ”بدون تدخلات“ آيات الله ”، ربما لم تكن الإجراءات“ الديمقراطية ”التي تتطلب مشاركة عراقية واسعة النطاق قد تطورت [بعد] على الأقل ليس بهذه السرعة.“ وتضيف أنه يمكن رؤية تحول مماثل في دور المؤسسة الدينية في المجتمعات العربية الأخرى. بعد عقود من دفعهم جانبًا أو تقليصهم إلى أكثر من مجرد ختم مطاطي للزعماء الاستبداديين ”العلمانيين“، واتخذ ”الدين المؤسسي“ موقفًا أكثر استقلالية في السياسة والتفسير والتوجيه، عند كل من السنة والشيعة، خاصة منذ انتفاضات الربيع العربي عام 2011م.

ومع ذلك، فإن الصايج حريصة على ملاحظة أن السيستاني وزملائه في النهاية تبنوا خطابًا حول الديمقراطية لا يعكس لا الغرب ولا جارة العراق القوية في الشرق، إيران. وكتبت: ”في النهاية، لم يكن“ المحررون ”«الأمريكيون» حماة الديمقراطية في العراق بعد عام 2003م، بل آيات الله“.

ويبدو واضحًا أن المؤلفة تقف بشجاعة مخالفة للعديد من المؤلفين الذين كتبوا حول هذا الموضوع، حيث تسيء الكثير من المؤلفات حول السلطة الدينية في الشرق الأوسط فَهَم مكانة الدين في المجتمعات العربية وتقلل من قوة رجال الدين. وخلافًا لما يفعله الأكاديميون الأمريكيون والعرب الذين يقضون القليل من الوقت في إجراء البحوث في هذا المجال، تتعامل صايج مع الإسلام بناءً على ميزاته «خصوصياته»، بدلًا من استبعاده كأداة تستخدمها الشخصيات الدينية، وكذلك المواطنون العاديون، لتطوير أجندة سياسية.

جزء من عبقرية السيستاني، حسب رأي الصايج، هو قدرته على الحكم على الرأي العام، سواءً كان يعرب عن تفضيله لرئيس وزراء أو إصدار أمر لمحاربة داعش، فإنه بطريقة ما يظل متناغمًا مع مشاعر العراقيين. تتوافق جهود السيستاني لإبعاد رجال الدين عن إيران مع الآراء المتغيرة: بين عامي 2015م و2018م، انخفضت نسبة الشيعة العراقيين الذين لديهم مواقف إيجابية تجاه إيران من 88 في المائة إلى 47 في المائة؛ خلال الفترة نفسها، وفي ذات الفترة زادت المواقف السلبية تجاه إيران من 6 في المائة إلى 47 في المائة. تقول المؤلفة أن العراقيين الذين تحدثت معهم في الصيف الماضي قالوا لها إنهم قلقون من أن إيران تخطف العراق من أجل تشكيل الحكومة الجديدة التي تم تعيينها العام الماضي على النحو الذي تريده.

إذا كان للقومية فرصة في العراق، فإن الولاء للعشيرة والطائفة الدينية يجب أن يفسح المجال للولاء للدولة. لكن تطور القومية لا يعتمد بالضرورة على دولة علمانية لا يتمتع فيها الدين والسلطة الدينية بسلطة تذكر. في حين أن الشخصيات الدينية والأيديولوجيين في القرن العشرين غالبًا ما أعلنوا أن العلمانية والقومية ليس لهما مكان داخل الإسلاموية «Islamism»، في حين أن الإسلامين الوسطين «mainstream»، المعارضين للجهاديين الراديكاليين، لهم رأي مخالف لهذا.

إذا كان القرن العشرون دليلًا، فإن التاريخ ليس في جانب السيستاني في سعيه للوحدة الوطنية، لكن عراق اليوم يبدو أنه يختلف عن عراق الأمس. لقد عَلَّمت السنوات الخمس عشرة الماضية العراقيين درسًا قاسيًّا ومكلفًا. وحدت هزيمة داعش في الموصل في ديسمبر 2017م البلاد إلى حد ما، على الرغم من أن داعش تعيد تشكيل نفسها مرات أخرى في أجزاء أخرى من البلاد.

السيستاني، وهو في أواخر الثمانينات من عمره، قد يضطر قريبًا إلى الاعتماد على الأساس «groundwork» الذي بناه لمواصلة مهمته لتوحيد البلاد. السؤال هو: هل يستطيع العراقيون تحدي تاريخهم بدون السيد علي السيستاني؟

في الختام، رغم أن الكتاب يحوي تحليل مفصل للخطاب السيستاني، لم تقدم المؤلفة المصطلحات التي استخدمها السيستاني، على سبيل المثال: ”جيوش خاصة“ و”قوات الأمن“ باللغة العربية؛ مما يترك المجال للتخمين أنه يقصد ”الجيش الوطني“ أو قوات ”الحشد الشعبي“.

الكتاب أيضًا خلا من تفسير سبب جذب السيستاني إلى ما هو أبعد من أتباع الشيعة مقابل المبررات الأخرى للانضمام إلى الحشد الشعبي، مثل توفير مجرد حماية لمجتمعاتهم. في البداية، تولى السيستاني ما يشبه دور وزير الدفاع، لضمان الولاء والتجنيد للقوات المسلحة العراقية. فيما بعد، نراه يتولى دورًا مخصصًا لوزير الخارجية العراقي؛ فبعد عام 2003م، شدد السيستاني على أن الأمم المتحدة هي التي تقع في موقع مثالي ”على إرساء الأمن والاستقرار في العراق خلال المرحلة الانتقالية“، على عكس الولايات المتحدة، المحتل الأجنبي. كما انتقد التصريحات السياسية في المنطقة، مثل فكرة ”الهلال الشيعي“ والولاء غير القومي عند الشيعة؛ بمعنى ولائهم لدولة غير عربية، وتحديدًا إيران.

ملخص القراءة:

”آيات الله الوطنِيُّون“ كتاب يستعرض مساهمات كبار رجال الدين في بناء الدولة والأمة العراقية بعد تدمير نظام صدام حسين وحزب البعث علي يد الأمريكين عام 2003م، ويشير إلى أنهم قد لعبوا دورًا سياسيًّا جديدًا وغير متوقع بعده. بالاعتماد على دراسة فتاوى وخطب وبيانات باللغة العربية من قبل آيات الله الأربع الكبرى «السيستاني، الحكيم، الفياض، والنجفي» في العراق لم يسبق فحصها من قبل، تستنتج الكاتبة أن تصريحاتهم ورواياتهم الجديدة شكلت المناقشات العامة منذ عام 2003م. وتجادل «الصايج» أنه على عكس الرؤية المعيارية «التقليدية» حول المؤسسات الدينية، فإن آيات الله العظمى كانوا من بين أكثر الأصوات تقدمية في الأمة العراقية الجديدة. وبعد تتبع التموقع التحولي لآية الله السيستاني باعتباره ”حارس الديمقراطية“ بعد عام 2003م. تصل إلى أن السيستاني، على وجه الخصوص، كان فاعلًا في عرقلة الخطط الأمريكية التي كانت ستستبعد العراقيين من عملية بناء الدولة وتبقي العراق في حيص بيص من صراعات طائفية، عشائرية، قبلية، إثنية، وآيدولوجية، ووضع العراق على مسار الدولة القومية التي يكون للدين، أو بالأحرى المؤسسات الدينية، دور فاعل في تكوينها دون اختطافها من الشعب.

 

تاروت - القطيف