آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 2:44 م

الحسين ابن الرسالة «ما هذا بَشَراً»

ليلى الزاهر *

عندما يتحدث التاريخ عن العلاقة التي ربطت بين الإمام الحسين وجدّه النبي محمد ﷺ سوف نشهد حالة من التّمازج العاطفي الغريب فكلاهما محبٌّ للآخر فقد كان الرسول الكريم يصطب الحسين معه أينما حلّ حتى في أثناء ذهابه لتأدية الصلاة في مسجده النبوي. إذ كان الحسين لصيقا بجده يتسلق على ظهره وهو ساجد، ولاينفك عن الابتعاد عن حضنه الشريف، والرسول الكريم ﷺ يستشعر السعادة بذلك ويظلّ يداعب الحسين ويلاطفه ويقبّله بحب وحنان.

وقد تأكدت معاني هذا الحب بأقواله المأثورة عنه ﷺ حينما قال:

”أحَبَّ اللهُ مَن أحبَّ حُسينًا“ و”حُسينٌ سِبْطٌ من الأسباط“

والتصريح بهذه العلاقة لها أبعادها المقصودة. فقد تعمّد الرسول الكريم الإفاضة في هذه العلاقة لتكون واضحة لذي عينين، فلا يُخطئ أحدهم بوصفها علاقة جدّ بحفيده فحسب، وإنما علاقة وطيدة رسمها الرسول الأعظم بخطوط من نور تُصرّح بالعشق الحسيني، وتعطيه مكانته كإمام مفترض الطاعة.

الإمام الحسين جسر عظيم عبر عليه الكثير من الناس إلى السعادة الأبدية في الوقت الذي كان هو فدية تتوهج بالدماء، لأنه بذلك أدّى دوره المنوط به كسيد شباب أهل الجنة، إذ كان من أهم واجباته آنذاك بعث الإرادة الخاملة أو النائمة التي ارتسمت بملامح قوية على وجوه البعض فكانوا مصداقا للعبارة التي تقول: «قلوبهم مع الحسين وسيوفهم عليه».

والنصوص الصريحة التي نُقلت عن الرسول الكريم في شأن الحسين، وثّقت معصوميته ومكانته فيالقلوب، وكادت تزهو كإشراقات مضيئة في طريق أنصار الحسين الذين التحقوا به في مواجهته العسكرية وهم بين فشل محتم لقلة الأنصار والعدد وانتصار عظيم مستمد من النصرة للرسول الكريم لأنهم يعتقدون بأن الانتصار لسبط الرسوله هو انتصار للرسول ﷺ حتى وأن قلّ الناصر والمعين، فطالما سمعوه يردد بأن الحسين ريحانته وسبطه وسيد شباب أهل الجنة.

وبنتيجةٍ لابد منها كان الشعور بالذنب عظيما عند أولئك الذين لم ينتصروا للإمام أو حضروا أرض المعركة متأخرين. لقد أجج مصرع الإمام موجة عنيفة من مشاعر الحزن والشعور بالأثم في نفوس من عاهدوا الحسين ولم يفوا بعهدهم معه. لقد عجزوا أن يكونوا في صفوف من صرخ «لبيك ياحسين».

وظلت نفوسهم صرعى تجابه الألم وتبحث عن جواب تقدمه للرسول الأعظم عندما يجتمعون به غدًا.

ويظلُّ الحسين هذا النموذج الذي يعلو ويرتفع شأنًا عاما تلو عام حتى يُقال في ساحة البلاغة والمجاز «ما هذا بَشَراً».

إنّ تسليط الضوء على شخصية الحسين منذ ولادته ونشأته في أحضان الرسالة أمرٌ هيّأ له قاعدة جماهيرية قوية علا صوتها عبر قرون عديدة ولن ينخفض أبدا لأنه تشريع إيماني قبل أن يكون المُخطط لذلك قوة إلهية أبت أن يندثر ذكر الحسين برغم كلّ الظروف وبالرغم عن المحاولات العديدة التي تكالبت على محو صوته ومحو أثر مرقده الشريف.