آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 9:48 م

فن التكيف!

وسيمة عبيدي * صحيفة اليوم

نشرت CNBC عربية المختصة بالشؤون الاقتصادية تحقيقا صحفيا بعنوان «كم يوما تستطيع الشركات الصمود دون تدفق نقدي؟» وكان الجواب صادما حيث كانت النتيجة أن أغلب الشركات لن تستطيع الصمود أكثر من أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع فقط. لقد تضررت جميع دول العالم من جائحة كورونا. بعض الشركات أفلست وأشخاص فقدوا وظائفهم، ولولا عمل بعض الموظفين من منازلهم لكان عدد الشركات والأشخاص المتضررين أكثر، لذلك لم يعد خيار العمل من المنزل مجرد رفاهية بل ضرورة يجب أن تدرس فكرة استمراريتها بجدية خاصة للأعمال التي بالإمكان القيام بها من المنزل وللشركات ذوات الإدارة الناجحة والنظرة المستقبلية التي تضع خططا بعيدة المدى ومستقبلية لمواجهة أي طارئ وتدرب موظفيها عليها بالضبط كتدريبهم المستمر على خطط الطوارئ كنشوب حريق أو غيره لا سمح الله.

تحدثت مع الكثير من الموظفين والمدراء لمعرفة آرائهم بهذا الخصوص وأبدى الأغلبية رغبتهم في مواصلة العمل من المنزل لجميع الأسباب سالفة الذكر في مقالي السابق. على الرغم من إيجابيات العمل عن بعد الكثيرة إلا أن فكرة العمل من المنزل لن تنجح إلا بإتقان الموظف لبعض المهارات والتي بانعدامها سيصبح العمل عن بعد صعبا. مثلا، يجب أن يمتلك الموظف حدا أدنى من مهارات التكنولوجيا واستخدام الحاسب الآلي، إضافة لأمن المعلومات وكيفية التعامل مع محاولات الاختراق أو التهكير خاصة إذا كان عمله قائما على قاعدة تكنولوجية. أهمية امتلاك الموظف لمهارات إدارة الوقت بفاعلية وعدم السماح لأي مشتتات منزلية أو عائلية بإلهائه عن العمل. أهمية القدرة على التواصل الفعال مع كل الجهات التي لها علاقة بعمله سواء إدارة، زملاء، عملاء، زبائن أو غيره. أخبرني بعض المدراء بأنهم يواجهون مشكلة انضباط بعض الموظفين مع وقت الدوام وقد ناقشنا مسبقا أهمية المرونة في الدوام وتفضيل الإنتاجية على الوقت الذي يقضيه الموظف في العمل فأيهما أفضل، إنتاجية 100% في نصف وقت الدوام أو 50% في كامل وقت الدوام؟ من أكبر سلبيات العمل من المنزل هي العزلة وافتقاد الحياة الاجتماعية ومن ثم فقد المهارات الاجتماعية في التعامل مع الناس والمعاناة من الخجل أو الاكتئاب على المدى الطويل لكننا واقعا نعيش حالة من العزلة والتباعد الاجتماعي حاليا سواء في المنزل أو المكتب بسبب جائحة كورونا. شخصيا أعتقد أن ذلك يعتمد على شخصية الإنسان نفسه ورغبته في حياة اجتماعية نشطة أو فاترة بعد انتهاء الجائحة بإذن الله.

لفكرة العمل من المنزل سلبيات وإيجابيات كثيرة كغيرها من الأفكار لكنها تبقى فكرة قابلة للنقاش والتطبيق لتأثيرها الكبير والمهم على حياة الفرد والأسرة والتي تعتبر الخلية الأساسية التي يتكون منها المجتمع.

إن المجتمعات التي تسعى للتقدم والتطور هي المجتمعات التي تتقن فن النجاة في أي ظروف صعبة وهي التي لا تقاوم التغيير إنما تتكيف معه وتتبنى منهج الاستفادة منه وتطويعه لصالحها وتنمي قدرتها على تحويل أي محنة لمنحة وأي نقمة لنعمة.