آخر تحديث: 23 / 4 / 2024م - 9:08 ص

البلح المجفف ”السلوق“

المهندس أمير الصالح *

مقدمة:

ما قبل عهد النفط اثبت إنسان هذه المنطقة إبداعاته وفنونه وابتكاراته ليحافظ على كرامته وجذوره وأرضه وواحته متكيفا مع المتاح من المواد الأساسية للبقاء. لم يكن في ذاك الزمان استيراد وتصدير للمواد الغذائية ولا صناعات ثقيلة مستوردة ولا صناعات تحويلية، ولكن كان هناك إنسان عامل مجد ومنتج مبدع وفنان خلاق بما يتوفر له من مواد في نطاق بيئته. ورثه أباه ديون تقدر ب صفر وتعهد بتوريث أبناءه معدل دين يساوي صفر. نجح الأجداد بالإيفاء بعهودهم فشكر الله سعيهم وأثابهم الله الجنة.

ما بعد حياة النفط حيث التدفقات المالية الوفيرة، بعض أبناء الوطن سال لعابهم نحو حياة الدعة والترف والمفاخرة وأحلام الثراء الفاحش بسبب إغراءات ما تعرضه الإعلانات الإغرائية عبر الشاشات الفضية وقصص الثراء الفاحش الغير منطقية في بلدان الواق واق؛ حتى أنك ترى أولئك الناس يتذمرون ليل نهار على وضعهم المالي وينقمون على والديهم ويمرغون أنفسهم في التعاسة لكثرة عقد المقارنات بين وضعهم ووضع أهل الثراء!

في المقابل، بعض الأبناء يقدرون والديهم على كبير حنانهم ولمدهم إياهم بالتشجيع والموأزرة والإرشاد المستمر ليكون حال الأبناء أفضل من حال الآباء. والبعض الآخر يحب والديه امتثالا لأمر الله وتعبدا وبرا بهم. فتخرج البعض من أولئك الأبناء كطبيب أو مهندس أو معلم أو طيار أو محاضر أو مدرب أو تاجر أو مستثمر. فكان ذاك مصداق حقيقي بان السعي وبذل الجهود لخلق واقع أفضل واجتياز العقبات حتى مع أصعب الظروف الاقتصادية التي عاشها أبناء ذاك الجيل له ثماره ولو بعد حين. فشكرا لكل الآباء والأمهات الذين بذلوا مهجتهم وتضافرت جهودهم حتى أنشئوا جيل محل اعتزاز وافتخار.

نص المقال:

لعل البعض يتساءل: ما هو الرابط بين العنوان والمقدمة. العنوان مستوحى من منتج زراعي مشتق من بيئة مسقط رأسي حيث كان الأجداد يبذلون الجهود ويبتكرون الطرق ويجتهدون في المحاولات المتكررة حتى يحرزوا تقدما ما على صعيد الصناعات المتاحة «الصناعة الغذائية في هذا المقام» آنذاك حسب المواد الأساسية المتوفرة ويسجلوا بنجاحهم ذلك الكرامة المالية والكرامة النفسية والكرامة الاجتماعية بما تصنع أيديهم وتبتكره وتتقنه عقولهم. كان ومازال البلح والتمر والرطب الجني هو الإنتاج الأكثر شهرة في إقليم هجر ولا سيما واحة مدينة الإحساء وما جاورها قبل وخلال عصر ثروة النفط. فعلى صعيد الاكتفاء الغذائي آنذاك، اجتهد الأجداد والجدات في عقد عدة تجارب معملية حتى استنبطوا طرق وإجراءات إعداد عدة أطباق غذائية من مواد أساسية متوفرة مصدرها النخلة. فكانت العصيدة والمعمول والخبز الأحمر وكيك التمر وعصير التمر والممروس والدبس ومخلل الرطب والبلح المجفف «السلوق» أحد تلكم العناوين الصادقة في نجاحاتهم لابتكار منتجات غذائية.

وباستكشاف تجارب في واحات مجاورة، نجد أن واحة الخط «القطيف» أبدع الإنسان هنالك ذات الإبداع في إنتاج عدة منتجات غذائية مكونها الأساس تمور وبلح النخيل. ولعل من أوضح الأمثلة حلو عفوسة وحلو رنجينة وتمرية وغيرها من الأمثلة.

قد يطول بنا المقام في سرد أمثلة عن إبداع إنسان مناطق نمو النخيل في وطننا الحبيب كالمدينة المنورة والقصيم والخرج وغيرها من المناطق حيث صناعة غذائية مشتقة من ثمر النخيل مثل لشعثة والحنيني وغيرها كانت مساعدة في خلق أمن غذائي في حينه. ولكون النخلة رمز وطني لوطننا الغالي يجب الحفاظ عليها أوردت هذا الأمر بهدف الحث على تأصيل رعاية النخلة وإكرام الفلاحين ودعمهم من كل الأطراف شاملا المستهلك والمُصنع والمُتاجر والمسؤول.

وكمثال أورده للمقارنة، في دولة إيطاليا وبالمقارنة مع صناعات غذائية مشتقة من منتجات ثمرة الطماطم «البندورة» نجد أمور ملفتة في فن ابتكار وتسويق منتجات ومشتقات الطماطم الإيطالي. فالعصير ومعجون الطماطم ومعجون خلطات البيتزا بأنواعها المختلفة والطماطم المجفف والطماطم المقشور «المعلب» وشوربات الطماطم المحضرة مسبقا والكاتشب وصلصة المكرونة بأنواعها المختلفة ينم عن دعم صناعة كبيرة من جهات عدة وخلق مولدات اقتصادية داخل ذات البلاد ناتجة عن فنون توظيف ثمرة منتج زراعي هنالك.

لقد آلمني كما آلم البعض أن هبط سعر المن «240 كيلو جرام» من أجود التمور نوعا ولعدة أعوام متتالية بأقل من ربع قيمته قبل عدة سنوات. فهذا مدعاة للقلق لكون ذاك يجعل الكثير من الفلاحين العاملين في حالة تردد من الاستمرار في استثمارهم الزراعي لاسيما مع زيادة التكاليف التشغيلية وزيادة أسعار فواتير المعدات والأسمدة والكهرباء. ولأن السوق عالميا متجه أكثر للانفتاح التجاري على الاستيراد والتصدير فإن تمور مستوردة من خارج البلاد كدول شمال أفريقيا سيكون لها نصيب في المنافسة داخل السوق المحلي. فضلا عن أن هناك شعور متزايد بان أبناء الجيل الحالي أكثر ميلا وتفضيلا لتناول الشوكولاتة السويسرية من أن يتناولون بلح أو تمر محلي حتى مع غلاء سعر الشوكولاتة وعز موسم البلح! أؤومن بأن أهل الوعي من التجار والمصنعين وأهل المسؤولة الاجتماعية من المستهلكين لهم روح التأثير في التعاضد مع الفلاحين لزيادة الطلب المحلي على البلح والرطب ومنتجات الصناعات التحويلية للتمور. نتطلع لسماع المزيد من إطلاق تسهيلات مالية وحزمات إعفاءات ومنشطات مالية لدعم الفلاحين والمصنعين المحليين في حقول منتجات النخيل ومشتقاتها. ونسأل الله جميعا أن تدوم النخلة عزيزة في بلادنا فالنخلة بحق رمز الشموخ والوفاء والعطاء.

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 1
1
محمد عبدالمحسن
[ الدمام ]: 19 / 9 / 2020م - 9:56 م
النخلة هذه الشجرة المباركة تنمو في عدة أماكن في العالم شرقاً وغرباً، لكن نموها أفضل في الأماكن التى درجة حرارتها مرتفعة وذات رطوبة معتدلة كما هو الحال في واحة الأحساء والقصيم والمدينة المنورة والخرج، توجد أماكن آخرى تنمو فيها النخيل رغم ارتفاع مستوى الرطوبة ومنها الأماكن القريبة من الساحل كواحة القطيف.
انتشرت الصناعات التى قوامها التمر في عدة مناطق وأصبحت بلادنا من الدول المصدرة لهذا المنتج المبارك..!!..