آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 2:34 ص

الإفلاس

المهندس أمير الصالح *

معظم نماذج العمل للشركات القائمة تبني فلسفة النمو للاعمال لديها على اسس متعددة ومنها على سبيل المثال لا الحصر:

- التدفق المالي المتنامي التاريخي الناتج عن المبيعات الاساسية او المبيعات الثانوية المتولدة من البيع الاساس «طلبات» / المنتجات الثانوية «المشتقات»

- الاصول المتنامية في قيمتها بسبب نمو القيمة السعرية

- الابتكار والتطوير لا سيما في حقول شركات الادوية والاتصالات

- الندرة والتخصص في النشاط التجاري او المتاجرة / التصنيع في الموارد الطبيعية النادرة

- العقود المبرمة لانشطة مستقبلية وهذا حقل زاخر لا سيما في ايامنا هذه في قطاع النفط واللحوم والقهوة والحبوب وحديثا التنبأ بسلوك المستهلك في مواقع جغرافية معينة

- تسييل الارباح المستقبلية على انها ارباح حالية كما فعلت شركة الطاقة Enron

في عالم التجارة تبنى كل شركة نماذج الاعمال على استراتيجية او مزيج من الاستراتيجيات لانجاز الاهداف المتوخاه في تحقيق العوائد المالية والارباح. والمستثمرون من رجال الاعمال وكبار المتمكنين من المتقاعدين او اصحاب الاموال او صناديق الادخار ينجذبون للاسهم ذات العائد التشغيلي الدوري السنوي أو الارتفاعات في القيمة الاسمية وذات التدني في نسبة الدين / القيمة debt/ equity ratio. فيضع الكثير من الناس مدخراتهم وصناديق استثمارهم وحصيلة تقاعدهم في تلكم الشركات دونما التدقيق في فلسفة الارقام التي بُنيت عليها القوائم المالية. الاعتماد على تقارير شركات التدقيق المالي كما كان سابقا شركة ارثر اندرسون او الاخوات الاربع الاخرى لم يعد شهادة او صك نجاح كافية في نظر المستثمر الواعي لتزكية اعمال اي شركة في اي قطاع.

في ايامنا هذه، الاغلب من الناس مصدوم بخبر اعلان عملاق تأجير السيارات، شركة هيرتز العالمية Hertz، افلاسها. ثم تلاحق بخبر اعلان افلاس شركة بيتزا هت وتوالت الاخبار عن اعلان افلاس شركات محلية ودولية. كثيرا ما يتناقل عبر الاذاعات والتغريدات اعلان افلاس شركات عملاقة كشركة GE وشركة دلتا للطيران وغيرها من الشركات العالمية. وكثير ما ينطلق البعض في نقل صور متعددة لمفهوم اعلان الأفلاس دونما تمحيص او تدقيق للدلالات القانونية حسب تلكم الدول.

في ابسط دلالة للأفلاس في تلكم الدول المتقدمة، الافلاس يعني عجز الشركة المعنية عن الايفاء بالتزاماتها المالية على مدى زمني قائم او منظور في المستقبل القريب جدا وعجزها في ذات الوقت عن اخذ اي قرض بنكي لنفاذ الضمانات او انكشاف الحسابات او اهتزاز واستنزاف سجل الثقة المالي او عدم وجود غطاءات مالية كافية او انهيار قيم الاصول. في هكذا حالات يحق لتلكم الشركة بابلاغ السلطات المالية في دولها رسميا للبدء باجراء اعلان الافلاس قانونيا. وباعلان الافلاس رسميا يضمن مجلس ادارة الشركة المفلسة قانونيا اعادة هيكلة الشركة المعلنة للافلاس وحمايتها من المرافعات القضائية من ملاك الاسهم للشركة حين اعلان الافلاس في مقابل التزامات استيفاء متعددة النسب نحو حاملي الاسهم القائمة «القديمة» والملاك ما قبل اعلان الافلاس مع جدول مفتوح للسداد وهذا حد فهمي وقراءتي وهناك قراءات كثيرة. ولاعادة هيكلة الشركة المفلسة تطرح اسهم جديدة ويمكن تمويل الاكتتاب الجديد للشركة المنبعثة من ركام افلاسها باصدار اسهم جديدة.

هل يعني اعلان الأفلاس لاي شركة مساهمة وعالمية هو اختفاءها من الوجود؟ حسب اطلاعي لا يعني اعلان الافلاس تمام الاندثار وانما اعلان الافلاس في احد جزئياته حماية قضائية للشركة المعلنة للافلاس من حاملي الاسهم الحاليين واعادة اطلاق ذات الشركة باصدار اسهم جديدة او تصفيتها بالكامل. وهنا قد ترى افول قيم اسهم من ايدي البعض وبزوغ قيم اوراق مالية جديدة في ايدي البعض الاخر لمسمى ذات الشركة. السؤال المترتب على ذلك: هل كل افلاس هو افلاس مبرر باداء السوق ام ان هناك مكامن شيطانية يجني منها اطراف مستفيدة ارباح واموال طائلة. هناك تحقيقات صحفية عالمية تثبت بان بعض التلاعبات في القوائم المالية لبعض الشركات المفلسة تتم بتواطئ من مدير تنفيذي ومدير مالي واطراف متنفذه داخل ذات الشركة قبل او قبيل افلاسها. وتلكم التلاعبات المالية الاحترافية تنم عن ضعف الوازع الاخلاقي والمهني لمتنفذين من اصحاب النفوذ وفي قمة الرأس الهرمي في تلكم الشركات، فتذهب اموال المستثمرين ادراج الرياح والموعد في محاسبتهم يوم القيامة.

اذا تجاوزنا مفهوم الإفلاس المالي الى الإفلاس الاكاديمي او الإفلاس المهني او الافلاس الاخلاقي فاننا ننصدم اكثر واكثر في حجم الانزلاقات التي توردها وكالات الانباء او التي قد لا يتم تسليط الضوء عليها. في واقع عالم التجارة، تشريع اعلان الافلأس يأتي كمكافئة وتشجيع الناس الجريئين واصحاب العقول التجارية لاقتحام عالم التجارة والتخارج منه بسلام دونما خسران ممتلكاتهم الشخصية. ولكن الإفلاس الاخلاقي والمهني وادعاء الانسان اي انسان ما لا يعرفه واسباغ القاب كبيرة وتنصيب البعض في مناصب تنفيذية قيادية على من هم معدمي القدرة والعلم والنتاج والضمير امر يحتاج ان تُسن له قوانين اكثر صرامة لحماية المجتمع والعالم من آثاره وتبعاته المدمرة وتجريم المخادعين والمنتحلين.