آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 4:39 م

ما بعد التكريم

رضي منصور العسيف *

قال تعالى: ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِّلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ النحل/ 120

سألته بعد حفل التكريم: ما هو شعورك وأنت تستمع لتلك الكلمات التي كانت تعبر عن ذلك الحب والتقدير الذي يكنه لك الأصدقاء؟!

أجابني: أشعر بالسعادة الممتزجة بالخوف، نعم إني خائف.. خائف من المستقبل، أخشى ألا أواصل المسيرة.

قلت له: لا تقل هذا فأنت ممن أصبح العمل الاجتماعي يجري في شرايينك... لا أعتقد أنك ستتوقف بعد هذا التكريم...

نظر إلي ثم قال: نسأل الله القبول والتوفيق لمواصلة العمل...

سكت قليلًا...

ثم قال: لنبدأ فصلاً جديدًا...

شددت على يديه وقلت على بركة الله.

التكريم هو مكافأة لأولئك الذين قدموا خدمات جليلة لمجتمعهم، الذين ساهموا في تقدم مجتمعهم في شتى الحقول، الذين رسموا خارطة النجاح لمجتمعهم، وكانوا شموع أضاءت الدروب وحولت المجتمع إلى روضة غناء.

هم أهل العطاء الذين لم يبخلوا على مجتمعهم بوقتهم، بجاههم، بفكرهم، فصاروا يعطون ويؤثرون على أنفسهم، كل ذلك لأنهم يؤمنون برسالة مفادها أن «المجتمع يستحق ذلك» أنا «مسؤول عن مجتمعي». وكما يقول تعالى: ﴿وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ مريم: 31

في هذه المقالة المختصرة أذكر بعض النقاط:

التكريم انطلاقة جديدة

التكريم لا يعني التوقف عن العمل، التكريم يعني انطلاقة جديدة لعمل جديد، التكريم يعني انتهاء مرحلة من العمل وبدأ مرحلة جديدة لها طريقتها ولها استراتيجيتها الجديدة.

المكرمون كانوا مثابرون وصلوا للقمة وعليهم أن يحافظوا عليها، ويرتقون إلى مرحلة الإبداع ليصنعوا قممًا جديدة.

ضرورة تنمية الطاقات

في كل مجتمع هناك مجموعة من الطاقات والكفاءات وعلى قيادات المجتمع أن تستقطب هذه الكفاءات وتنميها وتوجهها فيما يعود على المجتمع بالرقي والازدهار.

إن رعاية الطاقات هو أمرٌ في غاية الأهمية، فمن شأنه أن يقفز بالمجتمع إلى قمم النجاح. ذلك لأن الكفاءات حين تجد المناخ المناسب والتشجيع المناسب فإنها ستعطي أكثر وستوظف إمكانياتها فيما يعود على مجتمعها بالخير والفائدة.

بناء كفاءات جديدة

لكي تستمر مسيرة العطاء لابد من بناء كفاءات جديدة.

إن المجتمعات الحية هي التي تنتج كفاءات جديدة في شتى الحقول، وهي تستفيد من خبرات الكفاءات القديمة في إنتاج كفاءات جديدة.

إن عالم اليوم متغير ومتطور وهو يتطلب التحديث المستمر في الأفكار والعمل، وعدم الجمود وهذا يعني أننا مطالبون بهذه العملية «البناء الجديد» ولذلك لابد من عقد دورات التأهيل والتطوير لتلك الطاقات التي تتفجر حماسًا لخدمة مجتمعها.

أخلاقيات ما بعد التكريم

أ» إحذر الغرور والتكبر

يقول الإمام السجاد في دعاء مكارم الأخلاق: ولا تبتليني بالكبر.

فإن الغرور هو الخطوة الأولى للسقوط والفشل. وهو مقبرة النجاح، ورد عن الإمام زين العابدين : رب مغرور مفتون يصبح لاهيا ضاحكا يأكل ويشرب، وهو لا يدري لعله قد سبقت له من الله سخطة يصلى بها نار جهنم. [1] 

كما أن هذه الصفة الذميمة تسلب من الإنسان تلك المكانة الاجتماعية فيصبح بلا صديق، ف «ليس لمتكبر صديق» كما قال الإمام علي [2] ، بل شيئاً فشيئاً يتأخر علمياً ف «لا يتعلم من يتكبر» كما ورد عن الإمام علي . [3] 

ب» الطموح المستمر

الناجحون لا يقفون عند حد معين، بل هم يطمحون للقمم، وهم في تفكير مستمر لعمل جديد، ومشروع جديد.

سلاحهم في هذه الحياة هو العزيمة والإصرار لتحقيق النجاح، يقول الإمام علي : من ساء عزمه رجع عليه سهمه. [4] 

علينا أن نتسلح بسلاح الطموح اللامحدود فلا نقف على حدود الشاطئ بل لابد من التطلع إلى تلك المحيطات، لابد أن تنظر إلى النجوم وأنت تقف على الأرض متسلحًا بالعزيمة والهمة العالية.

[1]  ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج 3 - الصفحة 2234

[2]  ميزان الحكمة، محمد الريشهري، ج3، ص2659.

[3]  موسوعة العقائد الإسلامية، محمد الريشهري، ج2، ص270.

[4]  ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج 3 - الصفحة 1968
كاتب وأخصائي تغذية- القطيف