آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 11:39 م

الاختلاف وبث الكراهية

محمد المحفوظ *

مع إيمان الجميع من أهل المذاهب الإسلامية، أن وحدة الأمة، من الثوابت والمقدسات، وأن هناك أدلة نقلية من الكتاب والسنة عديدة ومتظافرة، تؤكد على هذه الحقيقة، وتحث عليها.. إلا أنه لماذا مع أي مشكلة صغيرة أم كبيرة، تجري هنا أو هناك، تصبح وحدة المسلمين في مهب الريح، ويتسابق الجميع إلى انتهاكها.

والكل يصر أن الوحدة المطلوبة، أن تصبح جميع الأطراف الأخرى مثله في الأفكار والقناعات.. وإذا لم يتحقق هذا، فلا وحدة على حد تعبيرهم بألفاظ ومقولات متفاوتة، بين الحق والباطل.

والذي يزيد الألم ألما، هو الادعاء المتبادل كمبرر للتضحية بالوحدة، وإدخال الأمة بأسرها في أتون التوترات والصراعات المذهبية والطائفية، أنه هو وحده الذي يمثل حبل الله المتين.. وأن الوحدة التي يحث عليها القرآن الكريم، تقتضي من الطرف الآخر أن يخرج من غيه وانحرافه، ويلتحق بركبه ومسيرته.

لهذا أي لعدم جدية الجميع في التعامل مع مطلب وحدة المسلمين والحفاظ على مكاسبهم ومصالحهم العليا، فإن هذه القيمة يتم التضحية بها لأتفه الأسباب والمشاكل.

وأسوق هذا الكلام، ليس لتبرير الإساءات القائمة في الاجتماع الإسلامي المعاصر، فهي إساءات مرفوضة سواء صدرت من مسلم سني أو مسلم شيعي.. فإننا نرفض الإساءات إلى رموز ومقدسات المسلمين، ونعتبر أن هذه الإساءات من التصرفات المشبوهة التي تزيد من ضعف المسلمين ومحنهم على أكثر من صعيد.

ولكن ما أود أن أقوله: لماذا ولأتفه الأسباب تتحول العلاقات الإسلامية الداخلية، إلى علاقات سيئة ومتوترة.. مع إيمان الجميع بضرورة حسن العلاقة، وبأهمية الحفاظ على عزة المسلمين ووحدة الأمة.

ففي الوقت الذي نرفض السب والشتيمة للرموز والمقدسات جميعا، في ذات الوقت نرفض أيضا إدخال الواقع الإسلامي بأسره في حروب طائفية ومذهبية.

فالإساءات لا تعالج بتوتير الأجواء واتهام الجميع وإطلاق أحكام جائرة بحق من أدان الإساءة، ورفع الغطاء الديني عنها.. إذ يقول تبارك وتعالى ﴿أمن هو قانت ءاناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجوا رحمة ربه قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولو الألباب «الزمر 9».

فوحدة المسلمين من الضرورات الشرعية والسياسية والحضارية، التي ينبغي الحفاظ عليها وعدم التضحية بها لأي سبب كان.

فنحن بحاجة إلى التفكير الجدي، لإيجاد آليات متكاملة، لمعالجة المشاكل والأزمات التي تحدث بين المسلمين لأي سبب من الأسباب، دون التضحية بالوحدة أو إدخال الجميع في حروب المهاترات والتسقيط والاتهام.. فالخطأ ينبغي أن نحاصره، كخطوة أولى لمعالجته.. والخطايا ينبغي رفع الغطاء الديني عنها بصرف النظر عن مرتكبها والقائم بها.

هكذا يجب أن نعالج مشكلات المسلمين الداخلية.. فمن الضروري في هذا السياق فك الارتباط بين واقع الاختلافات والتباينات المذهبية وبين نزعات العداء والكراهية.

فالاختلافات ينبغي أن لا تقودنا للانخراط في حملة إعلامية ومنبرية لبث الكراهية وتعميق نزعة العداء بين المسلمين.. فالعلاقات العدائية بين المسلمين، تدمر أوطانهم، وتفتت مجتمعاتهم، وتدخلهم في حروب طائفية مقيتة، تضعف الجميع ولا رابح منها إلا أعداء الأمة والإسلام.

فما نسمعه في العديد من المنابر، هو تعميم لمفهوم الكراهية المذهبية، وتغطيته دينيا وثقافيا.. وهذا بطبيعة الحال ينذر بمخاطر عديدة، تمس الواقع الإسلامي المعاصر بأسره.. فالاختلافات المذهبية مهما علا شأنها، ينبغي أن لا تقودنا إلى الانطلاق في حملة بث ا لكراهية المذهبية.. لأن هذه الحملة ومتوالياتها، وردود الفعل المتوقعة تجاهها، ستحول العالم الإسلامي كله إلى كرة من اللهب متنقلة، ومدمرة للكثير من حقائق الانسجام والألفة بين المسلمين.

فالإسلام بكل قيمه ومبادئه، هو دين الرحمة والقول الحسن، ومن يدعو إلى القتل والنبذ والاحتقار باسم الإسلام، هو يشوه هذا الدين العظيم، ويناقض ثوابته، ويؤسس لحروب داخلية بين المسلمين تدمر مكاسبهم وتقضي على مصالحهم.

فالاختلاف المذهبي لا يشرع لأحد، الخروج عن ثوابت الإسلام، أو بث الحقد والضغائن في صفوف المسلمين.

فالمذاهب الإسلامية هي حقيقة عقدية وتاريخية وثقافية، لا يمكن نكرانها أو التعامل معها بنزعة استئصالية.

فهي عميقة وضاربة جذورها في التاريخ الإسلامي، ولا يمكن أن ننهي تبايناتها وخلافاتها بين عشية وضحاها.

لذلك فإننا نعتقد أن المطلوب هو الأمور التالية:

1 - أن لا نعيد إنتاج مشاكل المسلمين التاريخية، لأنها مشاكل أصبحت جزءا من التاريخ.. ووجود مواقف متباينة تجاهها، لا يشرع لأحد شن الحروب المتبادلة، بدعوى الخلاف حول هذا الحدث التاريخي أو ذلك.. فالباري عز وجل يقول ﴿تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسئلون عما كانوا يعملون «البقرة 134».

2 - من الصعوبة بمكان لاعتبارات عديدة، أن تتطابق وجهات نظر أهل المذاهب الإسلامية في كل شيء، لأن هذا خلاف طبائع الأمور، ودونه خرط القتاد كما يقولون.. ولكن عدم تطابق الآراء في كل القضايا والأمور، لا يبرر لأحد تجاوز حدود الأخلاق في النظر إلى موضوعات الخلاف والتباين.. فالمطلوب دائما أن نحترم قناعات بعضنا البعض.. والاحترام هنا لا يساوي قبول كل طرف ما لدى الطرف الآخر.. وإنما تقدير قناعة الآخر والتعامل معها ومع أصحابها وفق مقتضيات الاحترام وعدم الإهانة.

3 - إن بناء علاقات إيجابية بين أهل المذاهب الإسلامية، قائمة على الاحترام المتبادل والمعرفة العميقة، يتطلب من جميع الأطراف العمل من اجل توفير كل العوامل والأسباب المؤدية إلى العلاقة الإيجابية.

فكلنا يتحمل مسؤولية العمل من أجل تعزيز خيار التفاهم والتلاقي بين المسلمين مهما كانت الصعوبات والمثبطات.

فطريق الدفاع عن مقدساتك، هو بيانها وتوضيحها بالأدلة والبراهين..

ووجود أطراف غير مقتنعة بما تقول، لا يعطيك حق التعدي عليهم وهتك حرماتهم.. وفي المقابل فإن رفضك لقناعات الطرف الأول، لا يعطيك حق إهانة وتوهين مقدساته.

فالمطلوب: نزع الغل والحقد من نفوسنا، والعمل على بناء ثقافة اجتماعية، تحترم المختلف وتحاوره بعيدا عن الطعن في المسلمات والثوابت.

كاتب وباحث سعودي «سيهات».