آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 9:52 ص

قصة قصيرة

ذاكرة مثقوبة

عبد الباري الدخيل *

غادرتُ العيادة بعد أن طمأنني الطبيب أن الحالة مستقرة، وأن الدواء استطاع أن يحدّ من تفشي المرض، وفي انتظار صرف الدواء من الصيدلية جلست في المقهى القريب، وطلبت شاياً وقمتُ أتأمل في المارة أقطّع أوصال الوقت.

في هذه الأثناء سمعت خلفي صوت حوار يخطف القلوب لعمقه ونوعيته.. لم أترك الفرصة تفوت ففواتها غصة..

فتحتُ الملاحظات في هاتفي وجعلت أسجل حوارهما:

هي: ماهي اللحظات التي يشعر فيها الإنسان أنه خارج العالم؟

هو: عندما يكون في محضر الحب

- فقط؟

- أو في صدمة الفراق

- وماذا عن المكتبة والكتب؟

- المكتبة صومعة، والكتاب محبوب

- أنت.. متى تشعر أنك خارج العالم؟

- هذا سؤال أصابني بالعجز.. فلا أنا قادر على الجواب.. ولا تركه يرحل

- حاول

- الرجل يكون خارج العالم عندما يكون في حضن من أحب.. أمه أو وزوجته الحبيبة

- والمرأة؟

- المرأة تكون خارج العالم عندما يكون في حجرها رضيعها، أو زوجها حبيبها

- أحس أنك ابتعدت عن ميناء السؤال

- يا له من سؤال غرس في قلب الحقيقة فحرّك محبوس المشاعر وعجز القلم عن كتابة أي الأقوال.. فاستسلمت للصمت

- ليس بالضرورة ما يجعلنا خارج العالم أن يكون شيئًا مفرحًا.. حتى شعور الألم أو  الحزن يجعلنا خارج العالم.. حتى تلك الذكريات التي كثيراً ما تذكرها في قصصك.. هل تذكر  عندما تكتب ذكريات، وأقول لك عدت للذكريات مجدداً؟.. حتى هذه تجعلنا خارج العالم..

- الفرح والحزن شريكان يتقاسمان السلطة على قلوبنا.. وما الذكريات إلا عبيد وإماء في بلاطهما.. هذا يحمل سوطاً وتلك تحمل وردة.. فإن أصابك السوط بكيت، وإن شاهدت الوردة ابتسمت

- تذهب بعيداً ولا تأتي بجواب

- في سلالي حروف كثيرة وددت أن أطرزها فستان لك

- لي؟ وااااو

- نعم.. وهل يكون الشعر جميلاً إلا إذا وهبَ للملكات؟

- وبأي لون ستكون حروفك.. أعني تلك الحروف التي ستنسج منها وتخيط فستاناً لتلك الملكة؟

- هكذا أنتِ تعودين بزاويتك لتضعينها حولي

- نحن مقيدون بكل الزوايا التي تحيط بنا في هذا العالم الذي بدوره يحيط بنا.

- نحن نصنع الزوايا ثم نندم لأننا أصبحنا مقيدون في حبالها

ثم انقطع الكلام، وعمّ الهدوء المكان، انتظرتُ قليلاً ثم التفتُ لأطمئن عليهما فلم أجد أحداً، ناديتُ عامل المقهى وسألته: أين الرجل والمرأة اللذان كانا يجلسان هنا؟

قال: لم يكن يجلس في المقهى أحد غيرك.

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 2
1
أبو محمد
[ صفوى ]: 30 / 1 / 2021م - 6:55 م
تحية لك ايه الكاتب الرائع وابغا اقول لك برافو عليك. تعليق سريع زين انه ما استعجل واخد الدواء هههههههه
2
عبدالله
[ تاروت ]: 2 / 2 / 2021م - 7:21 ص
أكثر ما يُرهق الأدباء، هو ثرثرة عقولهم ...