آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 8:44 م

لقاح ومناعة القطيع ضد الاعتقاد في نظرية المؤامرة

عدنان أحمد الحاجي *

يبدو أن نظريات المؤامرة تلبي الاحتياجات النفسية ومن المستحيل تقريبًا اجتثاثها. علاج واحد: منعها من الاستحكام في المقام الأول

بقلم : غريغ ميلر

14 يناير 2021

المترجم : عدنان أحمد الحاجي

المقالة  : رقم 25 لسنة 2021

The enduring allure of conspiracies

Greg Miller

01,14.2021

في الفترة التي سبقت حرب استقلال أمريكا، جادل الثوار بأن فرض ضريبة على الشاي أو الطوابع ليست مجرد ضريبة، ولكنها مناورة افتتاحية في مؤامرة مشؤومة للاستبداد. كان الموقعون على إعلان الاستقلال مقتنعين - استنادًا إلى ”سلسلة طويلة من الانتهاكات والاستحواذ بالقوة“.

”الوثيقة نفسها عبارة عن نظرية مؤامرة مكتوبة“ كما قالت نانسي روزنبلوم Nancy Rosenblum، المنظِّرة السياسية الفخرية بجامعة هارفارد. الوثيقة تشير إلى أن الأمر أكثر تعقيدًا مما يبدو، وأن هناك شخصًا لديه نوايا سيئة يعمل خلف الكواليس.

إذا كانت نظريات المؤامرة قديمة قدم السياسة، فهي أيضًا - في عصر دونالد ترامب وكيو أنون QAnon «انظر[1] » - مواكبة لآخر ما ورد من عناوين أخبار. في وقت سابق من هذا الشهر، الديمقراطية الأمريكية التي ولدت من نظرية مؤامرة من القرن الثامن عشر واجهت أشد تهديدًا لها حتى الآن - من نظرية مؤامرة أخرى، مفادها أن «جميع الأدلة تفيد العكس» الانتخابات الرئاسية لعام 2020 تم تزويرها. هل نظريات المؤامرة في الحقيقة هي أكثر انتشاراً وتأثيراً اليوم، أم أنها تبدو كذلك؟

البحوث غير واضحة. رأت روزنبلوم وآخرون أدلة على أن الإيمان بنظريات المؤامرة يتزايد ويتخذ أشكالًا جديدة وخطيرة. ولم يوافق على ذلك آخرون. لكن الباحثون يتفقون عمومًا على أن نظريات المؤامرة كانت ولا زالت موجودة دائمًا وستظل موجودة دائمًا. هذه النظريات تستفيد من الجوانب الأساسية للإدراك البشري وعلم النفس، مما قد يساعد في تفسير لماذا تترسخ بسهولة - ولماذا تبدو من المستحيل وأدها.

بمجرد أن يعتقد شخص ما بنظرية المؤامرة بالكامل، ”هناك القليل جدًا من الأبحاث التي تُظهر أنه يمكنك التراجع عن ذلك“ كما يقول ساندر ڤان دير ليندن Sander van der Linden، باحث علم النفس الاجتماعي بجامعة كامبريدج، الذي يركز بحثه على طرق مكافحة المعلومات المضللة، ”عندما يتعلق الأمر بنظريات المؤامرة، فالوقاية خير من العلاج.“

اخذ المؤامرات في الحسبان

عندما بدأ جوزيف أوسينسكي Joseph Uscinski في دراسة نظريات المؤامرة قبل عقد من الزمان، كان واحداً من حفنة من الباحثين - معظمهم من متخصصي علم النفس وعلم السياسة - المهتمين بالموضوع. يقول أوسينسكي، برفسور العلوم السياسية بجامعة ميامي بفلوريدا: ”لم يهتم أحد بهذا الأمر في ذلك الوقت“. نظريات المؤامرة الأمريكية American Conspiracy Theories، كتاب صدر في 2014 الذي كتبه بالاشتراك مع اخصائي علم السياسة جوزيف بارنت Joseph Parent، أصبح علامة بارزة في أبحاث نظرية المؤامرة.

لدراسة كيف تغيرت معتقدات المؤامرة بمرور الزمن، قام أوسينسكي Uscinski وبارنت Parent وحشد صغير من مساعدي البحوث بتحليل أكثر من مائة ألف رسالة كتبت إلى محرري صحيفة نيويورك تايمز التي صدرت بين عامي 1890 و2010. ومن بين تلك الرسائل، حددوا 875 حرفًا لها دخالة في حديث «كلام» المؤامرة - حيث أن جماعة من الجماعات كانت تتصرف في الخفاء لسرقة السلطة، أو لدفن الحقيقة، أو جني بعض الفوائد الأخرى على حساب الصالح العام.

العديد من الرسائل ادعت وجود مؤامرات جيوسياسية: في عام 1890، كانت إنجلترا وكندا تتآمران لاستعادة الأراضي من الولايات المتحدة، وفي عام 1906، كان من المفترض أن ترسل اليابان جنودًا متنكرين للاستعداد للاستيلاء على هاواي. آخرون ركز وا على المؤامرات السياسية المحلية، مثل تستر الرئيس هاري ترومان على الاختراق الشيوعي للحكومة في الخمسينيات من القرن الماضي. لا يزال بعض المؤامرات الأخرى غريبة، كالرسالة التي اسلت الى الصحيفة في عام 1973 تزعم أن ممارسات السحاق مؤامرة موعزة من وكالة المخابرات المركزية الأمريكية.

تذبذبت النسبة المئوية للرسائل الموجهة إلى محرري نيويورك تايمز والتي تحتوي على حديث عن نظريات المؤامرة بمرور الزمن. لكنها لا تُظهر أي اتجاه عام عبر الفترة المدروسة، من 1890 إلى 2010، وفقًا لبحث أجراه الباحثان في علم السياسة جوزيف أوسينسكي وجوزيف بارنت.

عندما رسم أوسينسكي وبارنت رسمًا بيانيًا لانتشار رسائل نظرية المؤامرة في صحيفة نيويورك تايمز هذه بين عامي 1890 و2010، كانت النتيجة خطًا متعرجًا للغاية أثبت، لو أثبت أي شيء، اتجاهًا نزوليًا طفيفًا بمرور الزمن «تشير قمة المنحنى الأبرز إلى المكارثية والخوف الأحمر في أوائل الخمسينيات، انظر [3] ,[2] ». تشير أبحاث استطلاعية حديثة أجراها أوسينسكي إلى أن هذه الصورة العامة ظلت كما هي - مع ارتفاع وانخفاض في الاعتقاد في نظريات مؤامرة معينة بمرور الزمن، ولكن لا يوجد دليل على زيادة شاملة. ”الفرضية العامة المطروحة في وسائل الإعلام هي أن الكل أصبح مساندًا لنظرية المؤامرة، والآن هو عصر نظرية المؤامرة الذهبي“ كما قال أوسينسكي. ”لم نجد كهذا الشيء على الإطلاق.“

تشير أبحاث أوسينسكي إلى أن التفكير في نظرية المؤامرة موزع بالتساوي الى حد ما على الطيف السياسي، حيث أصبحت أصوات الديمقراطيون أكثر ارتفاعًا بشان نظريات المؤامرة عندما كان الجمهوريون في السلطة، والعكس صحيح. الديمقراطيون يميلون إلى الشك في الشركات والمحافظين. بينما الجمهوريون أكثر احتمالًا في أن يكونوا أكثر ريبًا في الشيوعيين والليبراليين. في فصل من الكتاب بعنوان ”نظريات المؤامرة هي نظريات للخاسرين“، كتب أوسينسكي وبارنت أن المؤامرات هي وسيلة لأولئك الذين فقدوا القوة أو يفتقرون إليها لتبرير خسائرهم وتوجيه غضبهم الى شيء آخر ولم صفوفهم وإعادة تجميع أنفسهم.

خلال فترة رئاسته، كان دونالد ترامب هو الاستثناء وليس القاعدة، كما يقول أوسينسكي. ليس من السهل على أحد من أقوى الناس في العالم أن يدعي أنه ضحية مؤامرة «لم تنجح، على سبيل المثال، عندما ألقى حلفاء بيل كلينتون باللوم على ”مؤامرة يمينية واسعة“ بشأن مشاكل الرئيس أثناء محاكمته في أواخر التسعينيات من القرن الماضي». ومع ذلك، قدم ترامب نفسه منذ البداية باعتباره سياسيًا من خارج الدوائر السياسية، كما يقول أوسينسكي: ”لقد اعتبر نفسه، ليس فقط ضحية من ضحايا الطرف الآخر، ولكن ضحية كلا الحزبين والنظام بأكمله وما يسميه الدولة العميقة... لذلك كل شيء قد زُور ضده“. يضيف أوسينسكي أن التحقيق في تدخل روسيا ومحاكمته في 2019 ساعدا في تغذية هذه السردية، والتي استمرت خلال الفوضى التي أعقبت انتخابات 2020.

شكل جديد - وخطير - من أشكال نظرية المؤامرة

تجادل روزنبلوم بأن ترامب يلخص نوعًا جديدًا من ”المؤامرة بدون نظرية“ التي تعتمد على الإدعاء الصرف والتكرار ولا تعتمد على الدليل والمنطق. «روزنبلوم هي المحررة المشاركة لمجلة المراجعة السنوية للعلوم السياسية». وتغريدات ترامب التي لا أساس لها من الصحة بأن الانتخابات تم تزويرها، كما تقول، تقف على عكس مؤيدي مؤامرة اغتيال كينيدي المهووسين بالمسارات التي سلكتها الرصاصات التي اغتالته أو بمؤيدي مؤامرة 11 سبتمبر الذين خاضوا في تفاصيل بيانات بشأن درجة حرارة احتراق وقود الطائرة. وتقول: ”إن التفكير في نظرية المؤامرة هذا الذي يحدث اليوم يتخذ شكلاً مختلفًا للغاية وجديدًا وخطيرًا“، لأنه يسعى إلى نزع الشرعية عن الخصوم السياسيين والهيئات الحكومية والصحافة وغيرهم ممن يعارضونهم.

”التفكير في نظرية المؤامرة تزعزع الأرضية التي عليها نتجادل ونتفاوض وحتى نختلف“ الكثير من الناس يقولون: المؤامرة الجديدة والهجوم على الديمقراطية، كما كتبت هي والمؤلف المشارك راسل مويرهيد Russell Muirhead في كتابهما الذي صدر عام 2019. ”تجعل الديمقراطية غير عملية - وفي النهاية، تجعل الديمقراطية تبدو غير جديرة“.

من أكثر الأفكار تأثيرًا في دراسة نظرية المؤامرة أن الأشخاص الذين يعرّفون أنفسهم على أنهم محافظون سياسيًا هم أكثر احتمالًا للإيمان بنظريات المؤامرة. في مقال اُستشهد به على نطاق واسع عام 1964 في مجلة هاربر Harper’s Magazine، جادل مؤرخ جامعة كولومبيا ريتشارد هوفستاتر Richard Hofstadter بأن ”الأسلوب البارويني paranoid“ منتشر عبر الحركات السياسية المحافظة في القرن العشرين، والتي يغذيها عدم الثقة في ”الأمميين cosmopolitans والمثقفين / المفكرين“. يقول أوسينسكي إن بحثه في استطلاعات الرأي لم يجد دليلاً على أن المحافظين أكثر ميلًا إلى الإيمان بنظريات المؤامرة من الليبراليين، لكن الباحثين الآخرين ما زالوا يعتقدون أن هناك شيئًا لهذه الفكرة.

في سلسلة من الدراسات الحديثة، أجرى ڤان دير ليندن Van der Linden وزملاؤه استطلاعات عبر الإنترنت على أكثر من 5000 أمريكي من مختلف الأطياف السياسية، وطلبوا منهم تقييم تفضيلاتهم السياسية والرد على الأسئلة التي وضعها علماء النفس لقياس التفكير التآمري والبارانويا. أحد اسئلة الاستطلاع، على سبيل المثال، طلب من المشاركين تقييم موافقتهم على مقياس من 0 إلى 100على العبارة التالية: ”أعتقد أن الأحداث التي يبدو ظاهريًا أنها تفتقر إلى وجود علاقة بينها غالبًا ما تكون نتيجة أنشطة سرية.“

الأشخاص في طرفي الطيف السياسي كانوا أكثر ميلًا إلى التفكير في المؤامرة من أولئك الموجودين في وسط الطيف، لكن المحافظين يميلون إلى أن يكونوا أكثر اعتقادًا بالمؤامرة من الليبراليين، كما أفاد الباحثون في مجلة علم النفس السياسي العام الماضي[4]  ”نعتقد أن هذا دليل مقنع... لهذه الاختلافات بين الليبراليين والمحافظين“. ”لن أقول أنه تأثير كبير، لكنه لم يكن شيئًا قليلًا أيضًا،“ كما يقول ڤان دير ليندن:

ويعتقد أن هذا الاختلاف قد يكون متجذرًا في سايكلوجية المجموعة. "هناك الكثير من الأبحاث التي تظهر ذلك، في حين كان الليبرالييون أكثر انفتاحًا وتمردًا وما إلى ذلك.

يميل المحافظون إلى التركيز على إدارة عدم اليقين والتهديد وقيم المجموعة ”. نظريات المؤامرة هي إحدى الطرق لفهم الأحداث التي تبدو غامرة وقد تبدو كما لو أنها تهدد المجموعات والقيم التي يُقرن بها معظم الناس، كما يقول.“ إنها بالتأكيد آلية لمحاولة استعادة الشعور بالقوة والسيطرة على السردية. "

ڤان دير ليندن كان سريعًا في ملاحظة أن الليبراليين ليسوا محصنين ضد التفكير في نظرية المؤامرة. تبدو نظريات المؤامرة بشأن التكنولوجيا أكثر شيوعًا بين الليبراليين، على سبيل المثال، بما في ذلك تلك المتعلقة بشركات الأدوية والمحاصيل المعدلة وراثيًا.

اختراقات العقل

أحد الأسباب التي تجعل نظريات المؤامرة تجد أرضًا خصبة في العقل البشري له علاقة بنظرية المعرفة - وهي فلسفة كيف نعرف ما نعرف «أو نعتقد أننا نعرف». نظرًا لأن أي شخص يمكن أن يعرف نسبة ضئيلة جدًا من العالم بشكل مباشر، فليس لدينا خيار سوى قبول قدر كبير من المعلومات التي لا يمكننا التحقق منها لأنفسنا.

يعتقد معظم الناس «بشكل صحيح» أن القارة القطبية الجنوبية باردة جدًا ومليئة بطيور البطريق، على الرغم من أنهم لم يذهبوا اليها مطلقًا. الافتراضات والاختصارات المعرفية التي نستخدمها لتحديد ما هو حقيقي تبدو منطقية في معظم الأوقات، لكنها أيضًا تترك الباب مفتوحًا للمعلومات السيئة / الخاطئة، بما فيها نظريات المؤامرة.

نظرًا لأن معظم المعلومات التي نصادفها في الحياة اليومية «على الأقل خارج اطار وسائل التواصل الاجتماعي» صحيحة، فإن هذا يخلق تحيزًا تجاه قبول المعلومات الجديدة، كما تقول نادية براشير Nadia Brashier، اخصائية علم النفس وعلم الأعصاب في جامعة هارفارد. بالاضافة الى سماع ادعاء عدة مرات يجعل المعلومات تبدو حتى أكثر صحة. ”إن إحدى أكثر التأثيرات ختلًا / غدرًا لرأينا تتضمن التكرار“ كما تقول براشير.

العشرات من الدراسات قد وثََّقت ”تأثير وهم الحقيقة“ هذا[5] ، وذلك بشكل أساسي من خلال مطالبة المشاركين بتقييم مدى صحة التوافه والشائعات وادعاءات المنتجات والتقارير الإخبارية المزيفة[6]  وغيرها من المعلومات،

كتبت براشير واخصائية النفس وعلم الأعصاب في جامعة ديوك إليزابيث مارش Elizabeth Marsh في ورقة بحثية حديثة نشرت في مجلة المراجعة السنوية لعلم النفس بشأن كيف يقرر الناس ما هو الصحيح[7] . تقول براشير إنه حتى الأشخاص الذين يُسلِّمون بعبارة على أنها عبارة كاذبة في أول مرة يرونها فيها، فمن المرجح أن يحكموا عليها على أنها ربما تكون صحيحة بعد رؤيتها عدة مرات.

في العادة، من المنطقي أن نفترض أنه كلما زاد سماعك بشيء ما، كلما زاد احتمال كونه صحيحًا، كما تقول. ”لكننا نرى جهات فاعلة سيئة تختطف هذه الاختصارات التي نستخدمها والتي تبدو منطقية في الكثير من المواضع [ولكن] يمكن أن تضللنا في مواضع أخرى.“

نظريات المؤامرة تستفيد أيضًا من نزعتنا للبحث عن الأنماط والتفسيرات، كما تقول كارين دوغلاس Karen Douglas، باحثة علم النفس التي تدرس نظرية المؤامرة في جامعة كنت Kent في المملكة المتحدة. تقول دوغلاس إن اكتشاف الأنماط يخدمنا جيدًا في الحياة اليومية: هذه الأنماط تختص بكيف نضع كيف يتصرف الناس عادةً معًا في مواضع معينة، على سبيل المثال. الإيمان بنظرية مؤامرة زائفة يرقى إلى رؤية نمط غير موجود بالفعل.

في بحث نُشر عام 2018، استجلبت دوغلاس وزملاؤها مئات المتطوعين عبر الإنترنت وسألتهم عن اعتقاداتهم بنظريات المؤامرة المختلفة، بعضها مشهور وبعضها ابتكرها الباحثون. المشاركون الذين يتناغمون بقوة كبيرة مع عينة من نظريات المؤامرة المعروفة كانوا أكثر احتمالًا من غيرهم لرؤية أنماط ذات مغزى[6]  في سلسلة من رمي العملة المعدنية العشوائي «القرعة برمي العملة المعدنية» وفي اللوحات الفنية المبقعة للفنان التعبيري التجريدي جاكسون بولوك Jackson Pollock. ”يبدو أن رؤية الأنماط في ظواهر عشوائية كرمي العملة المعدنية واللوحات الفنية التجريدية تتعلق بالميل إلى رؤية أنماط في الأحداث السياسية والاجتماعية التي تحدث في العالم“ كما تقول دوغلاس.

هكذا دراسات تكشف عن نزعة الإنسان إلى عزو الأحداث إلى الأفعال المتعمدة / المقصودة للآخرين لا التي حدثت عن طريق الصدفة الصرفة، كما تقول دوغلاس. أثبتت الدراسات التي أجراها باحثون آخرون أننا ننزع أيضًا إلى افتراض أنه عندما يحدث شيء ضخم، فلا بد أن شيئًا ضخمًا قد تسبب في حدوثه [الحدث الكبير وراءه علة كبيرة، [8] ]. تقول دوغلاس إن هذا يصب أيضًا في صالح التفكير في نظرية المؤامرة. كان اغتيال جون ف. كينيدي حدثًا بالغ الخطورة مما لا يمكن لمسلح واحد منفرد أن يقوم به لوحده، كما يجادل المؤمنون بنظرية المؤامرة. بالتأكيد كانت حكومة الولايات المتحدة متورطة - أو الكي جي بي أو المافيا.

من المحتمل أن تلعب العوامل الاجتماعية والشعورية دورًا أيضًا. ”الناس أكثر قابلية لنظريات المؤامرة عندما لا تلبى احتياجات نفسية معينة“ كما تقول دوغلاس، ”على وجه التحديد، يحتاج الناس إلى المعرفة واليقين ليشعروا بالسلامة والأمان والتحكم وللشعور بالرضا عن أنفسهم والجماعات الاجتماعية التي ينتمون إليها.“ تقول دوغلاس إنه عندما لا تلبى هذه الاحتياجات - على سبيل المثال، في خضم الخوف وعدم اليقين من حدوث جائحة عالمية / شاملة - فقد يبدو أن نظريات المؤامرة هي السلوان.

لكن البحث الذي أجرته يشير إلى أن نظريات المؤمرة قد تعمل العكس. ”القراءة عن نظريات المؤامرة، بدلاً من أن تجعل الناس يشعرون بمزيد من القوة، تجعلهم يشعرون بأنهم أقل قوة“، كما تقول دوغلاس. بل إنها قد تجعل الناس أقل احتمالية لاتخاذ إجراءات من شأنها أن تمنحهم المزيد من التحكم في وضعهم. في التجارب التي قرأ فيها المتطوعون عن نظريات المؤامرة قبل الإجابة على الاستبيانات عن احتمالية انخراطهم في سلوكيات مختلفة، وجدت دوغلاس وآخرون دليلًا على أن نظريات المؤامرة قللت من رغبة الناس في التصويت[9]  في الانتخابات أو لتطعيم أطفالهم[10]  أو للمساعدة في مكافحة تغير المناخ [11] . يعبر الناس في مثل هذه الدراسات أيضًا عن تحيزهم الكبير [12] ونزعتهم الكبيرة[13]  لارتكاب جرائم صغيرة، على الأقل في ردودهم على الباحثين.

”منطقنا هو أنه إذا أدرك الناس أن الآخرين يتآمرون ويقومون بأشياء معادية للمجتمع، إذن يبدو أنه لا بأس أن يفعل الناس هذه الأشياء أيضًا“، كما تقول دوغلاس. ”أيضًا، إذا شعروا أن العالم يدار من قبل قلة منتقاة وأن كل شيء محدد، فلماذا يكلفون أنفسهم عناء الخروج والتصويت في الانتخابات أو التعامل مع نظام فاسد؟“ وتضيف، مع ذلك، أن هناك حاجة إلى مزيد من العمل لتحديد ما إذا كانت هذه الاستجابات في الدراسات التي تجرى على معتقدات المؤامرة تترجم بالفعل إلى سلوكيات معادية للمجتمع في العالم الحقيقي.

مكافحة المؤامرات

اقناع معتقد حقيقي بعدم الاعتقاد في المؤامرة يمكن أن يكون من المستحيل تقريبا. «هذا المؤمن بالنظرية سيفترض أنك ساذج لا حول ولا قوة لك أو، أسوأ، أنك جزء من عملية التستر». حتى عندما يكون لنظريات المؤامرة تنبؤات جريئة لا تتحقق على ارض الواقع، كادعاء كيو أنون [1] أن ترامب سيفوز باعادة انتخابه، وأن الأتباع بذلوا جهودًا غير عادية للتشبث بمعتقداتهم الجوهرية[14] . ”هذه المعتقدات مهمة للناس، والتخلي عنها يعني جعلهم يستغنون عن شيء مهم حدد لهم الطريقة التي كان يروا من خلالها العالم لفترة طويلة من الزمن،“ كما قالت دوغلاس.

ونتيجة لذلك، بعض الباحثين يعتقدون أن منع نظريات المؤامرة من أن تترسخ في المقام الأول يعتبر أفضل استراتيجية من تمحيص الحقائق وكشف زيفها بعد ذلك - الباحثون مجتهدون في العمل على تطوير واختبار هذه الاستراتيجيات. ڤان دير ليندن Van der Linden يرى عملية التلقيح كاستعارة مفيدة هنا. ”أعتقد أن واحد من أفضل الحلول التي لدينا هو في الواقع حقن الناس بأضعف جرعة من جرعات المؤامرة... لمساعدة الناس على مراكمة أجسام عقلية أو معرفية مضادة،“ كما يقول.

إحدى الطرق التي يحاول هو وزملاؤه عمل ذلك التلقيح «لا تتطلب إبرًا» هي تطوير العاب وتطبيقات على الانترنت. في اللعبة التي تدعى باد نيوز Bad News «انظر[15] »، على سبيل المثال، اللعبة التي تأخذ 15 دقيقة تهدف إلى تعليم الناس كيف تنتشر الأخبار الوهمية بحيث يمكن أن يتعرف عليها بسهولة أكبر. «في واحد من الأنشطة، ينشيء اللاعبون نظرية مؤامرة خاصة بهم ويروجون لها.»

في الآونة الأخيرة، ابتكر الباحثون لعبة مبنية على لعبة باد نيوز[15]  تعالج على وجه التحديد المؤامرات وغيرها من المعلومات الخاطئة المتعلقة بكوفيد-19. أطلق عليه اسم Go Viral! تم تطويرها بدعم من حكومة المملكة المتحدة وتم إصدارها في أكتوبر 2020. روجت منظمة الصحة العالمية والأمم المتحدة لهذه اللعبة كمصدر لمكافحة المعلومات المضللة، ”لذلك نتمنى أن نتمكن من الوصول إلى ملايين الناس حول العالم“، كما يقول ڤان دير ليندن.

وقف انتشار نظريات المؤامرة

السؤال الحاسم - دفع استعارة اللقاح، المذكورة أعلاه، إلى أقصى حدودها - هو كيف يمكن تحقيق مناعة القطيع، وهي النقطة التي يكون فيها عدد كافٍ من المجتمع محصنًا حتى لا تنتشر نظريات المؤامرة. يقول غوردون بينيكوك Gordon Pennycook، باحث في علم السلوك في جامعة ريجينا Regina في كندا، إنه قد يكون من الصعب القيام بذلك مع الألعاب الكومبيوترية لأنها تتطلب من الناس قضاء وقت في المشاركة. لذلك كان بينيكوك يعمل على تدخلات يعتقد أنها ستكون أسهل في توسيعها scale up.

تشير أبحاثه إلى أن الناس بارعون جدًا في اكتشاف الأخبار المزيفة، بما في ذلك نظريات المؤامرة الزائفة - لكن هذا لا يعني أنهم لا يشاركون بأشياء مزيفة على وسائل التواصل الاجتماعي. ”يشارك الناس بعناوين أخبار يمكنهم من التعرف عليها كأخبار خاطئة لو كلفوا أنفسهم عناء التفكير فيها“ [قبل نشرها].

لمواجهة ذلك، طور بينيكوك وزملاؤه طرقًا لتشجيع الناس على التفكير الانتقادي بشكل أكثر بشأن المعلومات التي يشاركونها دون إخبارهم صراحةً بذلك. في إحدى الدراسات الحديثة التي أجريت عبر الإنترنت، طلبوا من 856 متطوعًا تقييم مدى احتمالية مشاركتهم عناوين أخبار متباينة عن كوفيد -19 - بعضها حقيقي من مصادر موثوقة، والبعض الآخر كان مزيفًا أو كُشف زيفه - إذا رأوها على وسائل التواصل الاجتماعي. قبل القيام بذلك، طُلب من نصف المشاركين تقريبًا تقييم دقة عنوان واحد محايد سياسيًا لا علاقة له بكوفيد-19 «أحدهم كان يتعلق باكتشاف نجم نيوتروني، وآخر كان له علاقة بقدوم المسلسل الكوميدي الأمريكي ساينفيلد Seinfeld إلى Netflix». أفاد الباحثون في مجلة علم التفس Phycological Science العام الماضي أن قضاء بعض الوقت في التأمل في الدقة جعل المشاركين أكثر انتقاءً بثلاث مرات تقريبًا فيما قرروا المشاركة به[16] .

بدأت شركات وسائل التواصل الاجتماعي في نشر إستراتيجيات مماثلة: من الأمثلة على ذلك طرحت تويتر Twitterمؤخرًا ملاحظة تنصح المستخدمين بقراءة المقالة قبل مشاركتها[17] . يعتقد بينيكوك أن مثل هذه التحركات جديرة بالاهتمام. في دراسة حديثة، لم تُنشر بعد، وجد هو وزملاؤه أن مقطع فيديو مدته 30 ثانية يشجع الناس على التأمل في الدقة يقلل من استعداد المشاهدين لمشاركة الأخبار المزيفة إلى النصف «على الأقل كما ورد في استطلاع - لم يكن الباحثون كذلك قادرين على تتبع السلوك الفعلي لوسائل التواصل الاجتماعي».

حتى في الوقت الذي يدفع فيه الباحثون لتطوير مثل هذه الإجراءات، فإنهم يقرون بأن القضاء على نظريات المؤامرة الزائفة قد لا يكون ممكنًا. ازدهرت نظريات المؤامرة منذ عهد الإمبراطورية الرومانية، وألهمت حشدًا غاضبًا لاقتحام مبنى الكابيتول الأمريكي الأسبوع الماضي. قد تأتي نظريات محددة وتذهب، لكن جاذبية نظريات المؤامرة للأشخاص الذين يحاولون ادراك المراد من أحداث خارجة عن إرادتهم تبدو أكثر ديمومة. للأفضل - وفي الآونة الأخيرة، للأسوأ - يبدو أن نظريات المؤامرة جزء دائم من الحالة البشرية.

مصادر من داخل وخارج النص:

[1] - ”كيو أنون نظرية مؤامرة من ابتداع اليمين الأمريكي المتطرّف تتناول بالتفصيل خطّة سرية مزعومة لما يُسمّى «الدولة العميقة في الولايات المتحدة». بدأ تداوُل النظرية في أكتوبر 2017 بمنشور على منتديات لوحة الصور فورتشان لكاتب باسم مستعار Q، من المفترض أنه مواطن أمريكي، ومن المحتمل أنّ الاسم فيما بعد ضمّ عدة أشخاص.“ مقتبس من نص ورد على هذا العنوان: https://ar.wikipedia.org/wiki/كيو_أنون

[2]  - ”المكارثّية «بالإنجليزية: McCarthyism» ‏ هو سلوك يقوم بتوجيه الاتهامات بالتآمر والخيانة دون الاهتمام بالأدلة. ينسب هذا الاتجاه إلى عضو بمجلس الشيوخ الأمريكي اسمه جوزيف مكارثي“ مقتبس من نص ورد على هذا العنوان: https://ar.wikipedia.org/wiki/مكارثية

[3] - ”الخوف الأحمر هو حالة أعلى من الخوف واسع الانتشار من قبل المجتمع أو الدولة حول احتمال نهوض الشيوعية أو الأناركية أو اليسارية المتطرفة. يُستخدم هذا المصطلح غالبًا للإشارة إلى فترتين في تاريخ الولايات المتحدة بهذا الاسم.“ مقتبس من نص ورد على هذا العنوان: https://ar.wikipedia.org/wiki/الخوف_الأحمر

[4]  - https://onlinelibrary.wiley.com/doi/full/10,1111/pops.12681

[5] - ”تأثير وهم الحقيقة «بالإنجليزية: illusion of truth effect» ‏ هو مصطلح يطلق على حالة اُكتشفت من خلال تجارب علم النفس، وباختصار يحدث هذا التأثير عندما تسمع الحديث لمرة واحدة أو أكثر حتى دون الالتفات أو التركيز أو التثبت منه فإنك وبدون وعي تكون أكثر قابلية للاقتناع به عندما يتم طرحه عليك في موضع خلال مناقشة ما“، مقتبس من نص ورد على هذا العنوان: https://ar.wikipedia.org/wiki/أثر_وهم_الحقيقة

[6]  -https://www.annualreviews.org/doi/10,1146/annurev-psych-010419-050807

[7] - https://onlinelibrary.wiley.com/doi/full/10,1002/ejsp.2331

[8] -https://www.researchgate.net/publication/285852159_A_major_event_has_a_major_cause_Evidence_for_the_role_of_heuristics_in_reasoning_about_conspiracy_theories

[9] - https://bpspsychub.onlinelibrary.wiley.com/doi/abs/10,1111/bjop.12018

[10] -https://journals.plos.org/plosone/article?id=10,1371/journal.pone.0089177

[11] - https://www.sciencedirect.com/science/article/abs/pii/S0191886915005024

[12] - https://bpspsychub.onlinelibrary.wiley.com/doi/full/10,1111/bjop.12385

[13] - https://bpspsychub.onlinelibrary.wiley.com/doi/abs/10,1111/bjso.12311

[14] - https://www.washingtonpost.com/technology/2020/11/10/qanon-identity-crisis/

[15] - https://www.getbadnews.com/#intro

[16] - https://journals.sagepub.com/doi/pdf/10,1177/0956797620939054

[17]  -https://techcrunch.com/2020/09/24/twitter-read-before-retweet/

المصدر الرئيس

https://knowablemagazine.org/article/mind/2021/the-enduring-allure-conspiracies?utm_source=Nature+Briefing&utm_campaign=64539fc790-briefing-dy-20210118&utm_medium=email&utm_term=0_c9dfd39373-64539fc790-43731365